وأد الأحلام.. مخاطر تعصف باليمنيين في طريقهم لأوروبا

مراد العريفي - الشاب اليمني بلال داوود (يسار) في طريقه عبر صحراء افريقيا إلى الحدود الليبية-الجزيرة نت - صحراء افريقيا.. "انتحار" لحلم يمنيين في طريقهم إلى أوروبا
الشاب اليمني بلال داود (يسار) في طريقه عبر صحراء أفريقيا إلى الحدود الليبية

الجزيرة نت

بعد ثلاثة أيام قضاها الشاب اليمني بلال داود وعدد من رفاقه في منطقة "المناجم" على الحدود الليبية التشادية في درجة حرارة وصلت إلى 58 درجة مئوية، وبعد أن بلغ منهم الجهد والتعب مبلغا كبيرا؛ قرر بلال العودة "ففردوس أوروبا" بات بعيد المنال بالنسبة له.

يقول بلال للجزيرة نت "شعرت بالموت فعلا وقتها، وأنا الذي خضت تجارب عدة في التهريب إلى السعودية، وعبرت بمشقة الجبال والوديان، لكن الهجرة عبر أفريقيا تجربة مختلفة، إنها انتحار، والمحظوظ من ينجو".

كان بلال -الذي لم يكمل تعليمه- في طريقه إلى إيطاليا ومن ثم بلجيكا عبر الأراضي الليبية، لكنه آثر العودة بعد أن علم أن المهربين سيتاجرون به وبرفاقه، "كانوا يتساومون حول المبالغ التي سيقبضونها منا، حينها أدركت أننا بيد سماسرة يتاجرون بالبشر".

دفع الشاب العشريني ثلاثمئة دولار أميركي من أجل أن يعود إلى السودان، وما زال حتى اليوم هناك يحاول أن يسلك طريقا أخرى إلى بروكسل.

‪مقرّ إحدى شبكات التهريب في طريق العبور من السودان إلى تشاد‬ (الجزيرة نت)
‪مقرّ إحدى شبكات التهريب في طريق العبور من السودان إلى تشاد‬ (الجزيرة نت)

عصابات ومجازفة
ومع انسداد أي حلول للأزمة التي تعصف باليمن المضطرب منذ أربعة أعوام، سعى الآلاف من شبانه لمغادرة البلاد، لكن العالم أغلق أبوابه أمامهم، عدا مصر والأردن وماليزيا والسودان.

وتحولت السودان إلى محطة عبور للمئات من اليمنيين المجازفين للانطلاق في هجرة غير نظامية في ظل تصاعد المخاطر، فالأمر لم يعد مرتبطا بحرس الحدود الذين نشرهم السودان لمجابهة الهجرة المتزايدة عبر أراضيه إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا، بل بمصاعب التنقل وعصابات التجارة بالبشر.

يقول بلال للجزيرة نت إن السودان -بحكم حدوده المفتوحة على تشاد وليبيا- بات محطة عبور لليمنيين، وهناك تنشط العشرات من شبكات التهريب، ومن الممكن أن تجد تلك العصابات دون عناء.

ويضيف "دفعنا 850 دولارا للتهريب من السودان إلى تشاد، وبدأت من هناك رحلة المعاناة. كنا نسافر من منطقة إلى أخرى أياما، وكان السائق يقود السيارة أربع ساعات ثم يتوقف أربعا أخرى، لتنخفض حرارة المحرك".

ويتابع "كنا نجبر على البقاء وسط الصحراء أياما، فالعصابات والاستخبارات تنشط في طريق عبورنا بين مناطق أبشار والطينية والمناجم التي تعد مراكز للتهريب، وخلال الطريق لاقينا صنوفا من المعاناة وكنا نتقاسم قطرات المياه".

تمنيات العودة
ووقع العشرات من اليمنيين في مآزق كبيرة  بعد أن أُجبروا على دفع أموالهم لعصابات التهريب، والأحسن حالا منهم كان الذي وقع في قبضة السلطات في ليبيا أو الجزائر أو المغرب، وعدد قليل منهم وصل إلى أوروبا.

يقول مهند محمد -وهو يحمل شهادة البكالوريوس من كلية العلوم بجامعة صنعاء– إنه وصل إلى إيطاليا بعد معاناة كبيرة، لكنه لا يملك أي مبلغ من المال بعد أن أجبره المهربون على تسليم كل مقتنياته حتى هاتفه الشخصي، ويضيف "لا أملك أي مأوى وحتى اللحظة ما زلت مشردا في ظل أجواء باردة".

لكن هذا الشاب محظوظ رغم ذلك، إذ وصل إلى وجهته على خلاف 17 آخرين ألقي القبض عليهم على الحدود الجزائرية الموريتانية، وأُودعوا سجن ولاية تامنراست الجزائرية الذي يعيشون فيه ظروفا بالغة السوء.

وكان الشبان اليمنيون قد حاولوا الدخول إلى موريتانيا بعد رحلة شاقة وطويلة -ضمن محاولتهم الوصول إلى أوروبا- بدأت بالخروج من اليمن، وصولا إلى مصر، ومنها إلى صحراء مالي، ثم إلى الحدود الجزائرية.

يقول أحد السجناء للجزيرة نت -مفضّلا عدم الكشف عن هويته- إنهم يتمنون العودة إلى اليمن بأي طريقة.

ومطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجاوز عدد من المهاجرين -بينهم يمنيون- الحدود التركية وصولا إلى اليونان، لكن الأمن اليوناني أوقفهم داخل أراضيه وأعادهم إلى الأراضي التركية في ساعات الليل، بحسب ما يقولون.

‪مهاجرون غير نظاميين في مدينة بني وليد شمال غربي ليبيا‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪مهاجرون غير نظاميين في مدينة بني وليد شمال غربي ليبيا‬ (الجزيرة-أرشيف)

مجازفة
ورغم تلك المخاوف الكبيرة فإن الشاب اليمني مازن إبراهيم يحاول أن يجمع ثلاثة آلاف دولار استعدادا للهجرة إلى الولايات المتحدة عبر أميركا الجنوبية، ويقول للجزيرة نت "الأمر يستحق المجازفة، لم يعد في اليمن ما يستحق الحياة".

ورغم أن طريق مازن مختلف إلا إن أغلب اليمنيين يختارون التهريب عبر السودان ومن هناك إلى ليبيا، التي يحتجز فيها 930 مهاجرا غير نظامي من جنسيات مختلفة منذ مطلع يناير/كانون الأول الجاري، وفق منظمة "أطباء بلا حدود".

وقال تقرير للمنظمة نشرته أمس الاثنين إن "ليبيا ليست مكانا آمنا لإعادة اللاجئين والمهاجرين إليها، فمستويات العنف الذي يتعرضون له أثناء وجودهم في البلاد موثقة جيدا".

ولا توجد حصيلة محددة بعدد اليمنيين الذين سلكوا طريق الهجرة غير النظامية، ويقول مصطفى العزب المسؤول في دائرة الهجرة بوزارة شؤون المغتربين إن عدد اليمنيين الذين يسلكون طريق الهجرة غير النظامية كان سيصل إلى مئات الآلاف لو كانوا قريبين من أوروبا، فيما شددت السعودية وعُمان -اللتان تملكان حدودا مع اليمن-على التهريب.

وفي وقت سابق، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للجاليات اليمنية حول العالم مقبول الرفاعي -للجزيرة نت- إن عدد الشباب اليمنيين اللاجئين مؤخرا في أوروبا بلغ قرابة ستة آلاف لاجئ، موزعين على ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا والنرويج وفرنسا وسويسرا واليونان ودول أخرى.

المصدر : الجزيرة