قطار التطبيع مع إسرائيل.. كم يقطع على سكة 2019؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماعه برئيس تشاد بالقدس المحتلة. تصوير مكتب رئيس الحكومة للإعلام ووزارة الخارجية
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعه برئيس تشاد بالقدس المحتلة (الجزيرة)
محمد محسن وتد-القدس المحتلة
 
شهد عام 2018 حديثا متواترا وكثيفا عن توجه دول عربية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، منه ما تم بالفعل، في حين لا تزال خطوات أخرى في طور التسريبات في وسائل الإعلام. ويبقى السؤال قائما عن موعد انطلاق قطار التطبيع العربي باتجاه إسرائيل وهل المنطقة مهيأة لذلك؟

يكاد يجمع محللون إسرائيليون على أن رحلات التطبيع العلنية التي شرع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحطت في سلطنة عُمان، مرورا بزيارة رئيس تشاد إدريس ديبي إلى تل أبيب؛ تعتبر من اللبنات الأولى لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الصراع في الشرق الأوسط، إلا أن المحللين يستبعدون انطلاق هذا القطار في النصف الأول من العام الجاري، بسبب انتخابات الكنيست في 9 نيسان/أبريل المقبل.
 
وحرص نتنياهو على التعجيل بالخطوات التي تمت في سياق التطبيع لتوظيفها في رفع رصيده بالانتخابات القادمة، لتعويض تراجع شعبيته بسبب ملفات الفساد المرفوعة عليه وتهدد بتقويض مستقبله السياسي. كما بعث نتنياهو عبرها رسالة لمعسكر الوسط واليسار الإسرائيلي، بأنه يمكن تطبيع العلاقات مع الدول العربية وتخطي تسوية القضية الفلسطينية.
وفد من المغرب يضم منظمات مجتمع مدني خلال زيارة إلى إسرائيل وجولة في القدس (الجزيرة)
وفد من المغرب يضم منظمات مجتمع مدني خلال زيارة إلى إسرائيل وجولة في القدس (الجزيرة)
 
صفقة وتطبيع
ويوضح الباحث المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن، أن رحلات التطبيع المتبادلة والتي تشمل جميع الدول العربية باستثناء الجزائر وليبيا ولبنان، تأتي في سياق خطوات أكبر تعود لخطة الإدارة الأميركية لتسوية سياسية بالشرق الأوسط عبر صفقة القرن.
ويجزم شطيرن في حديثه للجزيرة نت أن نتنياهو حصل على الضوء الأخضر من ترامب للبدء برحلات التطبيع، لجس نبض القادة العرب ومدى استعدادهم للتطبيع دون مقابل، وبطريقة تتجاوز القضية الفلسطينية.
لكن ثمة عقبات يقول المختص الإسرائيلي إنها "أعاقت انطلاق قطار التطبيع وأجلت الكشف عن خطة ترامب للسلام"، مثل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، وكذلك الدعوة لانتخابات برلمانية إسرائيلية مبكرة.
وعزا ذلك إلى حالة الضعف والإرباك التي تعيشها السعودية وولي العهد محمد بن سلمان بسبب قضية خاشقجي، لافتا إلى أن واشنطن تراهن على الرياض لقيادة تغييرات واتفاقيات إقليمية ذات أبعاد جوهرية، وتطبيع العلاقات بما يتماشى مع مصالح تل أبيب وواشنطن.
بيد أن الرياض -بحسب شطيرن- تبدو ضعيفة وليس بمقدورها القيام بهذا الدور في هذه المرحلة، إذ إن التحولات الإقليمية -ومن ضمنها التطبيع وتسوية الصراع- تسير ببطء منذ مقتل خاشقجي، مع غياب لافت لدور المملكة. 
ويعتقد أن نتنياهو -رغم الأزمات الداخلية التي يواجهها- تعمد حلّ الحكومة وتبكير الانتخابات، بسبب خشيته أن يسارع ترامب وعقب انطلاق زيارات التطبيع بالإعلان عن صفقة القرن، بما تحمله من بنود مقلقة بالنسبة لنتنياهو، وفق تصور واشنطن، مثل فكرة الدولة الفلسطينية، بغض النظر عن طبيعة هذه الدولة.
نتنياهو رفقة السلطان قابوس خلال زيارته لسلطنة عُمان (الجزيرة)
نتنياهو رفقة السلطان قابوس خلال زيارته لسلطنة عُمان (الجزيرة)
تأجيل وحسم
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا الدار إنه نظرا لتأجيل الإدارة الأميركية الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن، وتوجه إسرائيل لانتخابات مبكرة، فإن رحلات التطبيع ستتوقف إلى ما بعد انتخابات الكنيست.
 
ويقدر أنه ستكون هناك محطة أخرى من الزيارات في النصف الثاني من العام الجاري، بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية والقمة العربية في تونس، حيث ستحسم أيضا التحولات والمتغيرات الإقليمية طبيعية هذه العلاقات وحتى الزيارات، علما بأن نتنياهو أجل زيارته إلى البحرين وامتنع عن لقاء ولي العهد السعودي.
وشكك عكيفا الدار في حديثه للجزيرة نت بإمكانية تبادل الزيارات ووفود التطبيع خلال فترة التحضيرات للانتخابات الإسرائيلية التي ستتزامن مع القمة العربية بتونس في  مارس/آذار المقبل، والتي يجري الحديث عن إمكانية مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد فيها بعد تجميد عضوية سوريا في الجامعة منذ 2011، ومنحه الشرعية العربية والإقليمية.
ويعتقد أن قمة تونس في حال تبنت تجديد مبادرة السلام العربية، فإن ذلك سينعكس على زيارات التطبيع وحتى على صفقة القرن، كون المبادرة تنص على تطبيع العلاقات مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي تحتلها، سواء بالضفة الغربية والقدس أو الجولان.
وقلل المحلل من جدوى مشاريع تطبيع العلاقات حتى بعد فتح الباب على مصراعيه، مبينا أن المجتمع الإسرائيلي الغارق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ويعيش الهواجس الأمنية، ما عاد يثق بالسلام، وما عاد يبدي اهتماما بالعلاقات مع الشعوب العربية والإسلامية، ويرى أن التطبيع -كما السلام مع الأردن ومصر– يقتصر على القادة من الجانبين.
‪حفل في النصب التذكاري للجيش المصري بمدينة أسدود للجنود المصريين الذين استشهدوا في حرب 48 (الجزيرة)‬ حفل في النصب التذكاري للجيش المصري بمدينة أسدود للجنود المصريين الذين استشهدوا في حرب 48 (الجزيرة)
‪حفل في النصب التذكاري للجيش المصري بمدينة أسدود للجنود المصريين الذين استشهدوا في حرب 48 (الجزيرة)‬ حفل في النصب التذكاري للجيش المصري بمدينة أسدود للجنود المصريين الذين استشهدوا في حرب 48 (الجزيرة)
مصالح ورغبات
ووفقا لتقدير موقف بعنوان "إسرائيل.. الدول العربية ووهم التطبيع"، صدر عن مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فإن فرص إسرائيل في تطبيع العلاقات مع الدول العربية مغرية.

ويقول الباحث فيليب جوردون الذي أعد تقدير الموقف، إن القادة العرب لديهم العديد من القضايا الملحة الأخرى على جدول أعمالهم، وليسوا مضطرين أن يقرروا أين بالفعل يتم تجاوز الخطوط الحمراء من حيث التطبيع مع إسرائيل، ومن المرجح أيضا أنهم لن يفعلوا ذلك ما لم يتم منحهم أفكارا محددة، لذلك من المهم فحص الخطوط الحمراء نفسها.
ومع ذلك، خلص تقدير الموقف للقول إن "تطلع إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية دون اتفاق مع الفلسطينيين خيالي، وحتى الخطوات المعتدلة نحو التطبيع ستتطلب منها أن تفعل أكثر بكثير مما يعتقد الكثيرون في إسرائيل. وفي النهاية، فإن الطريق إلى التطبيع مع الدول العربية لا يزال يمر عبر المشكلة الفلسطينية، وليس العكس".
المصدر : الجزيرة