الميثاق الدولي للهجرة.. هل يشكل بداية لمعالجة الظاهرة؟

الجلسة العامة خلال المصادقة على الميثاق الدولي للهجرة/ المغرب/ مراكش/ قاعة المؤتمرات
جلسة المصادقة على الميثاق الدولي للهجرة بمراكش أمس (الجزيرة نت)

عبد الغني بلوط-مراكش

أكد خبراء أن المصادقة على الميثاق الدولي للهجرة أمس الاثنين بمدينة مراكش المغربية يمثل بداية مسار أممي جديد لمعالجة هذه الظاهرة في ظل ظروف دولية معقدة بشأنها.

وصادقت 150 دولة أمس على الميثاق الدولي الذي ينظم التعامل مع قضية الهجرة، وذلك في مؤتمر دولي بمدينة مراكش المغربية بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وعدد من رؤساء الدول والحكومات.

وقال غوتيريش في افتتاح المؤتمر إن الميثاق سيشكل خارطة طريق لمجابهة المشاكل التي تعترض المهاجرين، مضيفا أن من بين الأفكار الخاطئة التي يتم ترويجها أن الميثاق ينتهك سيادة الدول.

ولا يفرض الميثاق سياسات الهجرة على الدول الأعضاء ولا ينتهك سيادتها، حسب غوتيريش الذي نفى أن تكون هذه الظاهرة في الأساس حركة للناس من الجنوب إلى الشمال العالمي كما تروج مغالطة أخرى.

‪أربور: مشاركة 150 دولة رقم جيد‬ أربور: مشاركة 150 دولة رقم جيد (الجزيرة نت)
‪أربور: مشاركة 150 دولة رقم جيد‬ أربور: مشاركة 150 دولة رقم جيد (الجزيرة نت)

آلية أممية
ويعتبر الميثاق الدولي للهجرة أول آلية أممية لمعالجة قضايا الهجرة بجميع أبعادها، رغم أنه وثيقة دولية غير ملزمة قانونيا للأطراف.

ويشدد على سيادة الدول لكنه يعتبر بمثابة اتفاق سياسي يرتكز على عدم التمييز وعلى حقوق الإنسان، وذلك من أجل الحد من الآثار السلبية للهجرة وجعلها منظمة ومنتظمة وآمنة، مع معالجة المخاطر والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد.

من جهتها أكدت ممثلة الأمم المتحدة الخاصة للهجرة الدولية لويز أربور -في ندوة صحفية قبيل انعقاد المؤتمر- أن مشاركة 150 دولة أمر جيد، مشيرة إلى أن الميثاق وإن كان غير ملزم فإنه صيغ كمبادرة من هذه الدول لأجل الاستجابة لحاجياتها في مجال الهجرة على جميع المستويات.

وأضافت أربور أن كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة شاركت في المفاوضات التي دامت ستة أشهر، معتبرة أن أسباب الرفض أو التحفظ من جانب بعض الدول غير منطقية.

‪ميركل: انعقاد المؤتمر في بلد من الجنوب له دلالة كبيرة‬  ميركل: انعقاد المؤتمر في بلد من الجنوب له دلالة كبيرة (الجزيرة نت)
‪ميركل: انعقاد المؤتمر في بلد من الجنوب له دلالة كبيرة‬  ميركل: انعقاد المؤتمر في بلد من الجنوب له دلالة كبيرة (الجزيرة نت)

حضور قوي
وتميز المؤتمر بحضور متميز للدول المصادقة، وحظي حضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمتابعة إعلامية واسعة. وأكدت المستشارة في كلمة قوية خلال المؤتمر أن المصادقة على الميثاق إشارة جيدة لجميع الأطراف، متوقعة أن يتم إقراره في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأضافت ميركل أن انعقاد المؤتمر في بلد من الجنوب له دلالة كبيرة، وأن المغرب يعتبر شريكا إستراتيجيا مهما في شمال أفريقيا وشريكا مهما أيضا لأفريقيا نفسها. وشددت على أن ألمانيا تعلن أنها بلد آمن المنشأ بخصوص الهجرة.

ومثل المغرب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي تلا رسالة الملك محمد السادس الموجهة إلى المؤتمرين، وأشارت الرسالة إلى أن المسألة الأمنية يجب ألا تكون مبررا لخرق حقوق المهاجرين لأنها حقوق ثابتة وغير قابلة للتصرف.

وكان لافتا حضور بلجيكا بتمثيل عالي في المؤتمر بعدما تحدثت في وقت سابق عن مقاطعته بسبب تحفظها على بنود الميثاق.

واستقطب الوزير الأول البلجيكي شارل ميشيل اهتماما إعلاميا واسعا. وقال في تصريح صحفي لوسائل الإعلام إن بلده لم يغلق الباب على الميثاق، وطلب فقط مهلة من أجل إحاطة الموضوع من كل جوانبه.

من جهته قال جان باتيست لوموان كاتب الدولة الفرنسي لدى وزير الشؤون الخارجية وأوروبا "إن مغالطات زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبين والتي دعت فيها الرئيس إيمانويل ماكرون لعدم التوقيع على الميثاق العالمي للهجرة لا يمكن أن تنطلي على أحد".

وأضاف "فرنسا مستوى تمثيليتها الدبلوماسية جيدة، وهي مقتنعة تماما ببنود الاتفاق، وبالتعاون بين جميع الدول من أجل هجرة أمنة" مشيرا إلى أن عدم حضور الولايات المتحدة في المؤتمر أمر مؤسف.

‪لوموان: فرنسا مقتنعة ببنود الميثاق‬ لوموان: فرنسا مقتنعة ببنود الميثاق (الجزيرة نت)
‪لوموان: فرنسا مقتنعة ببنود الميثاق‬ لوموان: فرنسا مقتنعة ببنود الميثاق (الجزيرة نت)

ظروف معقدة
وتأتي المصادقة على الميثاق الدولي للهجرة اليوم الاثنين في ظروف دولية معقدة بخصوص هذه الظاهرة، بحسب د. إدريس لكريني أستاذ العلاقات الدولية.

وأوضح لكريني -في تصريح للجزيرة نت- أن هناك تباينا شديدا بين مواقف دول الشمال والجنوب، وبين سياساتها في مجال الهجرة، وأيضا بين دول الشمال أنفسها والتي وصلت إلى درجة حد التناقض.

ومن جهته شدد الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش أن الميثاق بداية مسار بما أنه أول آلية أممية في المجال، وقد جاء من أجل تقريب وجهات النظر في إطار حتمي من التعاون في قضية تتعقد يوما بعد يوم.

وبخصوص رفض الولايات المتحدة للميثاق، قال لكريني إن تاريخ هذا البلد مليء بمثل هذه المواقف، وقد زاد الأمر حدة مع الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يرى في تدفق المهاجرين من أميركا اللاتينية خطرا على بلده، كما أنه منع دخول مواطنين من جنسيات عربية بداعي مكافحة الإرهاب.

من جهته أكد الحقوقي المغربي والمسؤول بمؤسسة أوروميدا عبد القادر أزريع أن المصادقة على الميثاق الدولي للهجرة لحظة تاريخية تأتي في سياق استكمال منظومة المواثيق الدولية.

وأضاف -في تصريح للجزيرة نت على هامش انعقاد المؤتمر- أن هذا الميثاق وثيقة إنسانية تعالج قضايا اقتصادية واجتماعية لا تخلو من أبعاد أمنية.

‪ميشيل: بلجيكا لم تغلق الباب على الميثاق وإنما طلبت مهلة لدراسة الموضوع‬ ميشيل: بلجيكا لم تغلق الباب على الميثاق وإنما طلبت مهلة لدراسة الموضوع (الجزيرة نت)
‪ميشيل: بلجيكا لم تغلق الباب على الميثاق وإنما طلبت مهلة لدراسة الموضوع‬ ميشيل: بلجيكا لم تغلق الباب على الميثاق وإنما طلبت مهلة لدراسة الموضوع (الجزيرة نت)

مخاطر ومعاناة
وحسب تقارير الأمم المتحدة فإن الملايين من المهاجرين يفقدون حياتهم سواء خلال عبورهم أو في دول الاستضافة.

وأظهرت مداولات المؤتمر أن المرأة الأكثر تضررا من مشاكل الهجرة، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 48% من المهاجرين في العالم نساء.

يُشار إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2016، قررت الجمعية العامة -ومن خلال اعتماد إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين- وضع ميثاق عالمي للهجرة الآمنة والمنظمة.

وبدأت عملية تطوير هذا الميثاق العالمي في أبريل/نيسان 2017. وفي 13 يوليو/تموز 2018، انتهت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من وضع نص الميثاق العالمي للهجرة قبل المصادقة عليه في مراكش.

ويشتمل الميثاق العالمي على 23 هدفًا تسعى إلى التخفيف من العوامل السلبية التي تعيق الأشخاص عن تحقيق سبل العيش المستدامة في بلدانهم الأصلية، كما تعتزم تقليل المخاطر التي يواجهها المهاجرون في مراحل مختلفة من الهجرة من خلال احترام حقوقهم الإنسانية وحمايتها وإعمالها وتوفير الرعاية والمساعدة لهم.

ويسعى الميثاق لخلق ظروف مواتية تمكن جميع المهاجرين من إثراء الدول المستضيفة من خلال قدراتهم البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تسهيل مساهماتهم في التنمية المستدامة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية.

المصدر : الجزيرة