بالفيديو.. أقدم حفار قبور بفلسطين يعتزل المهنة

عوض الرجوب-الخليل

من قبر إلى قبر، ومن بئر إلى بئر، ومن كهف إلى آخر؛ أمضى التسعيني الفلسطيني سلامة محمد عبد الفتاح (أبو محمد) أكثر من نصف عمره، بعد أن اتخذ حفر الصخور مهنة.

في قريته غرب الخليل جنوب الضفة الغربية، حفر أبو محمد عشرات القبور والآبار والكهوف، لكنه اليوم وقد قارب التسعين يعتزل المهنة، ويستسلم للشيخوخة، فقد "وقّفت الساقية"، وفق تعبيره.

وولد المسن والفلاح الفلسطيني لأسرة مزارعة أواخر عشرينيات القرن الماضي ببلدة دورا، واشتغل إلى جانب مهنة الحفر في تغسيل الموتى وفي الزراعة، خاصة الزيتون، وعرف بزيته النقي.

كيف تحفر القبور؟
الجزيرة نت رافقت الحاج سلامة إلى أحد القبور التي حفرها مؤخرا، وشرح بالتفصيل كيف يحفر القبر بمساعدة أحد أبنائه، وكيف يختار المكان، ولماذا يفضل هو القبور المحفورة في الصخر. وبدا سلامة بصحة أفضل من نظرائه في العمر نفسه، وربما يعود ذلك إلى الترويض المبكر لجسده على العمل.

ظل أبو محمد طوال ممارسته مهنته على مدى خمسين عاما محافظا على زيّه التقليدي، وما أن يصل مكان عمله يتخذ ساترا ويضع جانبا هذا الزي المكون من الحطة والعقل والقنباز والسروال والجكيت، ويرتدي ثياب العمل، ويبدأ معركته مع الصخور ضمن سياسة خاصة به.

وبين الحين والآخر لا بأس بقليل من الراحة في ظل شجرة والتقاط الأنفاس مع كأس من الشاي أو فنجان قهوة يأتيه من جيران المقبرة.

قبر محفور في الصخر من عمل المسن الحاج سلامة محمد عبد الفتاح (الجزيرة)
قبر محفور في الصخر من عمل المسن الحاج سلامة محمد عبد الفتاح (الجزيرة)

أدوات الحفر
أدوات بسيطة ومتاحة هي كل ما يملكه الشيخ سلامة: القطّاعة (فأس صلبة مخصصة لحفر الصخور)، ومجرفة (الطورية)، ومِهدة (مطرقة حديد بوزن عشرة كيلوغرامات أو نحوها)، ومسامير لتفتيت الصخور، والقفة (وعاء نقل الأتربة).

أما فكرة حفر القبور فقد جاءت من دون تخطيط، حيث بدأ بحفر قبر لأحد أقاربه، ثم تتابع الطلب. ويقول إن بعض القبور التي حفرها دفن فيها ثلاثة أشخاص أو أكثر، وبعضها فارغ منذ حفرها قبل عقود.

القبور الصخرية أو المجوفة في الصخر لها معادلة خاصة عند ضيفنا، فلها مستوى معين من الهبوط لا يزيد على متر عن سطح الأرض ومقاسات خاصة بالباب (60 سم × 60 سم)، والمساحة -التي يقول إن الزبون هو الذي يحددها- تكون غالبا أربعة أمتار مربعة.

ميزة فريدة
ما يميز القبور المحفورة في الصخر أنه يمكن إعادة فتحها ودفن المزيد من الأموات فيها، وبالتالي يتم التغلب على مشكلة نقص المقابر وازدحامها.

أما عن الوقت الذي يستغرقه حفر القبر فيقول إنه يختلف من قبر لآخر حسب صلابة الصخر، وأغلبها تتراوح بين عشرة أيام وأسبوعين، بتكلفة لا تتجاوز أربعمئة دولار.

اشتهر أبو محمد أيضا ولفترة طويلة بحفر آبار تجميع الأمطار، والكهوف حسب طلبات الزبائن، خاصة في المناطق القروية التي لم تكن تصلها خدمات الكهرباء والمياه.

وقبيل ركونه للراحة وتوقفه عن حفر القبور والآبار، اختتم أبو محمد مسيرته بحفر أربعة قبور في مقبرة أوقفها من أرضه لعائلته.
 
ويعاني الفلسطينيون من ازدحام المقابر، وأغلبها مقدمة من قبل متبرعين، وهي منتشرة بكثرة بين المناطق السكنية والمأهولة بسبب منع الاحتلال إنشاء مقابر في مناطق واسعة ونائية.

المصدر : الجزيرة