قصار القامة بالمغرب.. أجسام صغيرة وأحلام بلا ضفاف

سناء القويطي-سلا (المغرب)

على جنبات ملعب خاص بمدينة سلا المغربية، يتابع المولودي بقامته القصيرة مباراة ساخنة في كرة القدم.

يلاحق بكاميرا هاتفه المحمول الكرة وهي تتدحرج بين أرجل لاعبين تتجاوز أطوالهم المتر الواحد بقليل، في حين تتهاطل قطرات المطر لتبلل الأجساد وتزيد الحماس. 

تكبد المولودي عناء السفر من مدينة أبي الجعد إلى سلا (قرب العاصمة الرباط) في ظروف جوية متقلبة، ليتمكن ابنه من المشاركة في تدريبات لفريق كرة القدم لقصار القامة.

أشاح الرجل الخمسيني ببصره نحو الأرض وهو يتحدث للجزيرة نت عن أيام صباه، ومعاناته في مدينته الصغيرة بسبب قصر قامته ونظرات الناس وسخريتهم منه.

وحتى لا يعيش ابنه حياة بطعم القهر والانكسار كتلك التي عاشها، أخذ على عاتقه مسؤولية مرافقته في لقاءات وأنشطة قصار القامة للتعارف على أقرانه ممن يتقاسم معهم الحال نفسها.

أحلام تتحقق
بخفة ولياقة، يلاحق اللاعبون بأجسامهم الصغيرة الكرة، يناورون ويتنافسون لإثبات مهاراتهم الكروية واستحقاقهم حمل القميص الوطني لفريق قصار القامة، بعضهم يلعب لأول مرة مع هذه المجموعة، وآخرون من اللاعبين الأساسيين الذين خاضوا أكثر من مباراة منذ تأسيس الفريق قبل أكثر من سنة.

نزار بنقطابة عميد الفريق المغربي لقصار القامة (الجزيرة)
نزار بنقطابة عميد الفريق المغربي لقصار القامة (الجزيرة)

ولمعت فكرة تأسيس فريق مغربي لقصار القامة في ذهن نزار بنقطابة بعدما أرسل له صديق صورة للفريق الوطني لقصار القامة الأرجنتيني، وبادر إلى البحث عبر الشبكات الاجتماعية عن هذه الفئة في مدينته وفي مدن أخرى ممن يرغبون في لعب الكرة، ليلعبوا أول مباراة في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بمشاركة 14 لاعبا.

يقول نزار مستذكرا ذلك اليوم "كان إحساسنا مختلفا في تلك مباراة"؛ فبعدما كانوا يلعبون كرة القدم مع الشباب واليافعين في أحيائهم، خاضوا لأول مرة مباراة كل اللاعبين فيها من قصار القامة.

وانطلق نزار مع المؤسسين الأوائل للفريق في جولة في المدن للتواصل مع نظرائهم والبحث عن مواهب كروية، ولم تكن اللقاءات مقتصرة على الكرة فقط، بل كانت جلسات دعم وتصالح مع الذات والمجتمع أيضا.

كرة ودعم
يحكي نزار كيف كانوا يقضون الليلة التي تسبق المباراة في الحديث عن قصصهم ومعاناتهم في مجتمع يراهم ناقصين، وكيف كان بعضهم يجد صعوبة في الكلام والتعبير عما يخالجه. 

"كان البعض يغرق في البكاء بمجرد الحديث عن أنفسهم"، كما يقول نزار ملقيا اللوم على العائلات التي تتنكر لأبنائها من قصار القامة، وتخجل منهم وتحبسهم داخل البيت.

الفريق المغربي لقصار القامة خلال مشاركته في بطولة كوبا أميركا لقصار القامة (الجزيرة)
الفريق المغربي لقصار القامة خلال مشاركته في بطولة كوبا أميركا لقصار القامة (الجزيرة)

وليست نظرة المجتمع فقط ما يؤرق نزار ورفاقه، بل التمييز المهني الذي يعانون منه؛ فرغم امتلاكهم مهارات وشهادات تعليمية عالية فإنهم لا يجدون وظائف تناسبهم.

يقول نزار "في الغالب نعمل في مهن نمطية ليلية مثل الغناء أو التنشيط الفني كبهلوانات ومهرجين"، ثم يصمت لحظات قبل أن يضيف أن الطريق ما زال طويلا أمامهم لإثبات وجودهم وتحصيل حقوقهم.

أحلام بلا ضفاف
رسم هؤلاء الشباب بأجسامهم الصغيرة أحلاما كبيرة وطموحات بلا ضفاف. وبالإصرار والمثابرة، تحول الرسم والحلم إلى حقيقة، وكان لهم أن شاركوا بعد أقل من سنة على تأسيس الفريق، وكانوا ضيوف شرف في بطولة كوبا أميركا لقصار القامة التي احتضنتها الأرجنتين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كان نزار ورفاقه، الفريق العربي والأفريقي الوحيد ضمن منتخبات لاتينية وأميركية، واستطاعوا رغم حداثة تأسيس فريقهم وقلة خبرتهم فرض إيقاعهم في البطولة.

ويقول إسماعيل (أحد اللاعبين الجدد ) شاهدت مباريات الفريق المغربي لقصار القامة في هذه البطولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما حكى للجزيرة نت، ومنذ ذلك الحين اشتعل حماسا ورغبة في اللعب في صفوفه، وهو الذي يعشق كرة القدم منذ طفولته، وتحققت أمنيته، وهو اليوم يلعب المباراة الثانية له مع الفريق.

جانب من تدريبات للفريق المغربي لقصار القامة (الجزيرة)
جانب من تدريبات للفريق المغربي لقصار القامة (الجزيرة)

ولا يخفي أيمن الشمهاجي (من اللاعبين المؤسسين) فخره بالانتماء إلى فريق قصار القامة، وبالنتائج التي حققها خلال فترة قصيرة. أيمن عاشق الفن وكرة القدم، ويقول للجزيرة نت إن الرياضة وسيلتهم لإسماع صوتهم داخل مجتمعهم والعالم.

يشير إلى زملائه في الفريق والضحكات لا تفارق وجوههم، ويوضح كيف مكنهم تأسيس الفريق من خلق عالمهم الخاص، وزرع الثقة والرضا في نفوس قصار القامة في مواجهة الأحكام المسبقة والنعوت القدحية، مضيفا أن الدعم المعنوي والمادي الذي وفرته لهم الجامعة الملكية لكرة القدم زادهم قوة على المضي في طريقهم ورفع سقف الأحلام.

زحف الربيع
بعد مشاركتهم في كوبا أميركا، اكتسب الفريق شعبية بين قصار القامة بالمغرب، وتزايدت طلبات الانضمام للفريق، وغدا الطموح اليوم تأسيس أندية محلية أو جهوية وتنظيم دوري وطني لفئة قصار القامة.

وبدأ أعضاء الفريق المغربي التواصل مع أقرانهم في دول عربية من أجل إطلاق بطولة عربية لقصار القامة، وسيقطفون أولى ثمار هذه التحركات بالسفر إلى شرم الشيخ المصرية في مارس/آذار المقبل للمشاركة في مهرجان النجوم، إلى جانب فرق دولية لقصار القامة.

أحد الأنشطة الترفيهية التي نظمتها الجمعية المغربية لقصار القامة (الجزيرة)
أحد الأنشطة الترفيهية التي نظمتها الجمعية المغربية لقصار القامة (الجزيرة)

كرة القدم كانت سبيل نزار وأيمن للمّ شمل قصار القامة بالمغرب، وتأسيس رابطة بينهم، بيد أن عملا آخر لا يقل أهمية عنه يقوم به هذا الثنائي من خلال الجمعية المغربية لقصار القامة التي يترأسها نزار، وهي أول جمعية بالمغرب تعنى بإدماج هذه الفئة في المجتمع، وتأسست رسميا في يوليو/تموز 2018.

وانضم لهذه الجمعية العشرات من قصار القامة نساء ورجالا من مختلف المدن، ويلتقون في أنشطة ثقافية وترفيهية للتواصل في ما بينهم، وتبادل وجهات النظر في همومهم.

يقولون "لا أحد يستطيع وقف زحف الربيع". والقول صار حال نزار وأيمن ورفاقهم، فقد أزهر ربيع حياتهم عندما وحدتهم قضيتهم، ولم تقف أجسامهم الصغيرة عائقا أمام طموحاتهم الكبيرة، ولم يعودوا ينكمشون في قوقعة جدران من العزلة والانطواء، بل بفضل الرياضة والعمل الجمعي خرجوا من القوقعة، وحققوا لأنفسهم الانتصار في مجتمع لا يسبب لهم سوى الانكسار.

المصدر : الجزيرة