مطعم الشوربة خانة.. ملاذ النازحين ببغداد

(شوربة خانة ) مطعم مجاني في بغداد للفقراء والنازحين
"الشوربة خانة" تأسس بمبادرة شبابية لتقديم وجبات طعام مجانية للاجئين (الجزيرة)

معالم العبيدي-بغداد

من الساعة السابعة صباحا وحتى الثانية عشر ظهرا، يعج مطعم الخيرات "الشوربة خانة" في حي الأعظمية في بغداد بعشرات النازحين والفقراء، بعد أن تأسس بمبادرة شبابية لتقديم وجبات طعام مجانية لهم.

‎وانبثقت الفكرة بعد أن نزحت عشرات آلاف العوائل العراقية من المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية بسبب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها، مما جعل الحاجة ماسة لإنشاء مثل هذا المشروع، كما يؤكد القائمون عليه.

‎ويقول المشرف على المشروع محمد سمير إن الفكرة نشأت بعد نزوح هذه الأعداد الكبيرة، خاصة وأن الكثيرين منهم واجهوا عند قدومهم إلى بغداد سوء الخدمات وضعف الدور الحكومي في رعايتهم.

كل هذا دفعهم إلى تأسيس المطعم، الذي كان يقدم في البداية وجبة طعام واحدة هي الشوربة "حساء العدس"، لكنها تطورت بجهود المتبرعين لتصبح وجبتين في اليوم وعلى مدار الأسبوع، على حد قوله.

المشروع يستمد ديمومته من المتبرعين من أهالي المنطقة وخارجها(الجزيرة)
المشروع يستمد ديمومته من المتبرعين من أهالي المنطقة وخارجها(الجزيرة)

تحديات وعقبات
ويشير سمير إلى أن المشروع يستمد ديمومته من المتبرعين من أهالي المنطقة وخارجها، ولم يعتمد على أموال حكومية أو جهات سياسية وحزبية، ورغم العروض التي قُدمت لهم من قبل شخصيات عدة، فإنهم رفضوا ذلك.

ولم يقف المتطوعون في الحي مكتوفي الأيدي أمام المعوقات التي تحول دون تنفيذ هذه الفكرة، فبعد أن كان موقع "الشوربة خانة" مجرد كشك صغير حوّلوه إلى مطعم بُني بأموال الخيّرين، كما يقول أسامة ستار، وهو متطوع يشغل مدير إدارة في هذا المشروع.

ويحكي ستار للجزيرة نت كيف حصلوا على تسهيلات من بلدية الأعظمية لتحويل قطعة أرض كانت مخصصة للنفايات، وأقاموا عليها هذا المطعم الصغير.

‎وعن نوعية الطعام الذي يقدمه المطعم، يقول ستار إن وجبة الإفطار تتضمن الشوربة والخبز والجبن والقيمر والمربى، أما وجبة الغداء فتعتمد على الرز و"تشريب اللحم" (المرق) والدجاج والفاصوليا.

‎ويحرص العاملون في هذا المشروع على إيصال الطعام إلى العوائل المتعففة التي يتعذر عليها المجيء إلى المطعم، وذلك عن طريق تحضير سلال غذائية تحتوي على الرز والزيت والبقوليات ومعجون الطماطم، ترسل إلى بيوتها من خلال المتطوعين الشباب.

المطعم يقدم وجبتين على مدار الأسبوع(الجزيرة)
المطعم يقدم وجبتين على مدار الأسبوع(الجزيرة)

 

‎‎توسيع المشروع
ويحاول المتطوعون الشباب تقديم الأفضل للمستفيدين من هذا المطعم، كما يؤكد محمد سمير، مضيفا أنهم أنشؤوا مخبزا مجانيا ومخزنا للملابس التي تبرع بها المحسنون بجانب المطعم.

كما افتتحوا فرعا آخر للشوربة خانة بجانب الكرخ، وهم بصدد افتتاح فرع جديد في منطقة الفضل حيث تبرع أحد الأهالي هناك بقطعة أرض، تنتظر جهود المحسنين لإكمال المشروع.

‎وعن أعداد العوائل المستفيدة من المشروع، يقول سمير إن المشروع يكفل أكثر من 300 عائلة، منها 150 عائلة في الأعظمية، والبقية في جانب الكرخ، بسبب كثرة الفقراء والمحتاجين هناك.

‎ويردف قائلا إنهم وسّعوا مشروع الشوربة خانة ليضم مستوصفا صحيا، يحتوي على مختبر للتحليلات المرضية، وعيادة لطب الأسنان بأسعار رمزية جدا.

وللمشروع وجه ثقافي أيضا، حيث يقطن الأعظمية العديد من المثقفين والشعراء والكتاب والصحفيين، مما دفع القائمين على المشروع لإطلاق مبادرة "المنصة الثقافية"، التي تمت إقامتها بجانب المقبرة الملكية في الأعظمية.

ومن هناك باتت تنطلق فعاليات وندوات ثقافية توعوية حول المخدرات والمشردين ومناقشة بعض المشاكل الاجتماعية، ويشرف عليها أساتذة جامعيون ومنظمات مجتمع مدني، وتحتوي المنصة على عروض مسرحية وبازارات لأعمال يدوية أيضا.

مخبر مجاني ملحق بالشوربة خانة
مخبر مجاني ملحق بالشوربة خانة

مبادرات متفرقة
كما أطلق القائمون على الشوربة خانة مشروعا حمل عنوان "حفظ النعمة"، حيث تم الاتفاق مع بعض أصحاب المطاعم على الاحتفاظ ببقايا الطعام الفائض لديها، وجمعها وتغليفها وحفظها في ثلاجات خاصة ومن ثم التبرع بها للمحتاجين، وستتم المباشرة بها مطلع فبراير/شباط القادم.

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل قرر هؤلاء المتطوعون المشاركة في التبرع بالمياه لمدينة البصرة أيام أزمتها.

ويقول أياد ناصر، وهو أحد المتطوعين، إنه كانت لديهم وقفة مع أهالي البصرة، إذ قرروا مساندتهم في محنتهم، وأطلقوا ثلاث حملات إغاثية للتبرع بالماء لهم على مدى ثلاثة أسابيع متتالية.

‎ويشير ناصر إلى وقفة أخرى مع أهالي مدينة الحويجة أيام استعادتها من تنظيم الدولة، حيث دعّموهم بمئات السلال من المواد الغذائية لإغاثة النازحين هناك.

ويتمنى القائمون على هذا المشروع أن يتوسع ويتطور بمرور الأيام ليتحول إلى ظاهرة إيجابية وفعالة في مجتمع يعاني من الفقر والعنف والأزمات الاجتماعية، إلا أنهم ما زالوا في بداية الطريق، كما يقولون.

المصدر : الجزيرة