البو ناهض.. قرية عراقية تفرض قوانينها الخاصة

قرية عراقية بقوانين صديقة للبيئة وتنبذ الطائفية
حسون يمسك لافتة عليها أبرز قوانين القرية (الجزيرة)

أميمة يونس-بغداد

قد يكون الحديث في السياسة أو الدين أمرًا مألوفا لدى العراقيين بعد عام 2003، إلا أنه غير ذلك عند سكان قرية "البو ناهض" التي تقع بمحافظة الديوانية جنوب بغداد، فوسط الأصوات الطائفية والمتطرفة في بعض الأحيان، يحاول المهندس والناشط في مجال البيئة كاظم حسون (46 عاما) خلق بيئة خالية "من كل الترهات" التي أصابت المجتمع العراقي بعد الغزو الأميركي.

يتحدث حسون عن مبادرته التي انطلقت فعليا عام 2015 وأصبحت مثار حديث أغلب الناس، قائلا "أتمنى أن تعم الفكرة العراق وليس فقط القرية التي احتضنتني منذ الصغر إلى حين مغادرتها إلى ليبيا في تسعينيات القرن الماضي بسبب الحصار الظالم الذي وقع على العراقيين".

ويعترف حسون بأن تجارب المجتمعات التي عاش فيها ألهمته الأفكار لتغيير نمط العيش السائد لدى أبناء القرية، إذ استطاع أن يلزمهم بالعديد من القوانين التي باتت علامة فارقة في القرية، التي تحوّلت في غضون سنوات قليلة إلى "قرية نموذجية" تسعى القرى الأخرى إلى تقليدها وتطبيق أفكارها على أبنائها من الشباب والأطفال وحتى كبار السن

‪أنشطة مستمرة تستهدف الجيل الصاعد‬ (الجزيرة)
‪أنشطة مستمرة تستهدف الجيل الصاعد‬ (الجزيرة)

قوانين ملزمة
ويعتقد حسون أن الفوضى وعدم التزام بالنظام هما ما دفعاه إلى كتابة تلك القوانين لأبناء قريته عبر علامات وإشارات تملأ شوارعها، تفرض على الجميع احترام القانون والبيئة من خلال منع استخدام منبهات السيارات، وكذلك التدخين
الذي منعه عبر ممارسة الرياضة وتحديداً عبر مارثون "لا للتدخين"، الذي أطلقه في القرية بمشاركة نحو ثلاثة آلاف شخص، فضلا عن تشجيعه القراءة باعتبارها بديلا عن الأحاديث السياسية والدينية، التي عادة ما يكون الخوض فيها سببا لإثارة النعرات والمشاكل بين أبناء القرية.

وفيما إذا وجد صعوبة في إحداث التغيير المطلوب، يقول الناشط في مجال البيئة "لم يكن الأمر بالسهولة التي توقعها، فكل شيء يأتي تدريجيا"، ويجد أن طريقة "جس النبض" ساعدته على معرفة مدى استجابة الناس للمواضيع التي يطرحها، كما يرى أنها كانت المفتاح في كسر الحواجز والخطوط الحمر التي كان أبناء القرية يحيطون بها أنفسهم جراء ما يعتبره "جهلا وتخلفاً" في بعض الأحيان.

نمط العشيرة
ونجح حسون في كسر عادات وتقاليد قرية البو ناهض، لا سيما سلوك الكثير من أبنائها "البعيد عن المنطق"، بتحويله مضيفة عائلته إلى بيت اجتماعي يجتمع به أهالي القرية للحديث عن الثقافة والأدب والفن، مخصصا يومين للنساء يمارسن خلاله هوياتهن وشغفهن بالقراءة وتبادل الأفكار التي كانت حبيسة المنزل والحلقات الضيقة في العائلة.

واعتبر حسون أن تجربة والده الراحل ألهمته في إقناع أهالي القرية بأفكاره، موضحا "كان والدي (الأمي) يمتلك شعبية كبيرة بين أبناء القرية من خلال أفكاره المتفتحة ودبلوماسيته التي استطاع من خلال كسب الجميع وحثهم على نبذ العديد من العادات والممارسات الخاطئة في المجتمع عبر تشذيبه من السلوكيات الخاطئة عن طريق الحوار وتقبل الرأي الآخر".

ويعتقد أن الفعل الإيجابي لا يضر الآخرين وإن كان غريبا على البعض، لا سيما وأنه عمد إلى نقل تجارب المجتمعات الغربية إلى قريته التي تقبلت الوضع على مراحل وأصبحت متفتحة لكل ما هو جديد بعد أن تلقى دعما ومساعدة من شيوخ وأكابر القرية.

‪خلال إحدى الفعاليات التي تهدف لتنمية مواهب الأطفال‬ (الجزيرة)
‪خلال إحدى الفعاليات التي تهدف لتنمية مواهب الأطفال‬ (الجزيرة)


للطفولة حيز
ولم يقف الأمر عند الكبار فحسب، بل تعداه إلى إشراك الأطفال في مبادرته التي أصبحت تستقطبهم عبر افتتاحه "المكتبة الخضراء" المتنقلة والتي تضم الكثير من قصص الأطفال، واعتمادها في الترويج للقراءة عبر عربة شاملة تجوب القرية وتسمح للأطفال باستعارة الكتب.

كما أتاح حسون للأطفال ممارسة هوايتهم في الرسم وإلقاء الشعر، ويعتبر يوم الجمعة "الفسحة" التي يختلي من خلالها بالأطفال في أجواء تأخذهم بعيدا عن قيود الأسرة وضغوط المدرسة.

الدعم الحكومي
ويسعى الناشط البيئي إلى نقل تجربته إلى باقي قرى محافظات العراق، وهو أمر لن يتحقق كما يؤكد دون وجود الدعم الحكومي الذي يجده "خجولاً" بسبب البيروقراطية وعدم وجود الميزانية المالية الكافية لتطوير المبادرة.

وهذا ما يؤكده عضو مجلس محافظة الديوانية جعفر الموسوي، الذي عزا سبب قلة الدعم إلى انعدام التخصيصات المالية وكذلك إلى إلغاء قسم التطوير الريفي الذي كان معمولا به إبان النظام السابق.

ويعترف الموسوي بأن الحكومة المحلية لا تمتلك إلا أن تقدم الدعم المعنوي لأهالي قرية البو ناهض، التي اعتبر تجربتها "مثيرة للاهتمام"، وأن إرادة التغيير أحدثت طفرة في مستوى وعي أهالي القرى والأرياف في المحافظة الجنوبية.

المصدر : الجزيرة