هؤلاء عندهم خطة "ب" للتعامل مع نهاية العالم

distruction (pixabay)
العديد من الناس يتخوفون من نهاية وشيكة للعالم ويستعدون لها ( بيكساباي)

حققت الأطروحات التي يقدمها الباحثون والخبراء وبعض السياسيين والتي تبشر "بانهيار" الحضارة الصناعية المفاجئ نجاحا غير متوقع بين عامة الناس، فأصبح من المعتاد أن تسمع أسئلة جادة من قبيل، إذا كان كل شيء سينهار حقا، فكيف تتخيل وجبة اليوم التالي مع عدم إمكان الاعتماد على سلاسل متاجر التجزئة، وكيف تتنقل وتقوم بتسخين الماء وتستضيء في عالم ما بعد النفط؟

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا يتحدث فيه نيكولا سنتولاريا عن هؤلاء الأشخاص الذين يعدون خطة "ب" للتعامل مع هذا الانهيار الذي يرى فيه بعض الباحثين نهاية العالم الذي نعرفه.

وقال الكاتب إن مثل هذه الأسئلة التي يطرحها انهيار الحضارة الصناعية يتم ذكرها اليوم بنبرة غير مثيرة للسخرية بين أفراد العائلة أو بين الأصدقاء، حتى إن أحد عمال المعادن في الآونة الأخيرة، كان يحدثه بجدية عن مشروع يبنيه في أراضي عائلته في الريف يرمي من خلاله إلى زراعة الخضروات والفواكه طول العام في ملجأ نصف مطمور.

وقال إن هذا العامل -وهو في خضم عملية بناء ما يسميه المختصون قاعدة ذاتية مستدامة"- لا يدّعي أنه اختصاصي في "علم نهاية الكون" ولا حتى إنه من "الاستعداديين" الذين يتوقعون نهاية الكون ويعدون العدة لمواجهتها أو التعايش معها.

وإذا كانت هاتان المجموعتان المصابتان بالهوس -كما يقول الكاتب- لا تريان إلا أفق انهيار الحضارة، وتعيشان على يقين من أن المجتمع الصناعي سيشهد قريبا انهيارا مدمرا، فإن هذا العامل يواصل حياته النشطة في عالم اليوم، ويمارس نشاطه المعتاد، إلا أنه بفعل الحذر قد خصص موقعا صغيرا في عقله للاستعداد لمواجهة ما قد يأتي، قائلا مع كثير من الناس "ماذا لو …"

التلوث والخوف من عدم القدرة على عكس تأثير الاحتباس الحراري يدفع الناس إلى التحوط من نهاية وشيكة للعالم (الفرنسية)
التلوث والخوف من عدم القدرة على عكس تأثير الاحتباس الحراري يدفع الناس إلى التحوط من نهاية وشيكة للعالم (الفرنسية)

غموض نهاية العالم
وقال الكاتب إنه أصبح من المألوف أن يقول المرء بنبرة شبه مزاح، لعائلته أو أصدقائه "إذا اضطررت إلى مغادرة المدينة التي أعيش فيها، سآخذ معي عدسة مكبرة لإشعال النار وسكينا وخيمة ومجموعة من الأدوية، وتقويما زمنيا حتى لا أفقد فكرة الوقت. أود أيضا إحضار قيثارة وسأستمتع وأشعر بالملل قريبا".

ونبه الكاتب إلى أن فكرة "نهاية العالم الغامضة" المنتشرة الآن التي تخلط بين المهم والتافه في مجال اهتماماتها، تقتات من مصادر عدة.

وكما يقول أستاذ الأدب جان بول إنجليبير في كتابه "أسطورة نهاية العالم.. السلطة الخطرة لخيال نهاية العالم"، فإن التصورات الحالية غير مسبوقة، وهي ناجمة عن كيمياء معقدة بين الأفلام والمسلسلات والروايات التي تصور عالم ما بعد الكوارث، مضافا إليها بعض النصوص العلمية التي توثق بشكل ملموس إمكانية نهاية العالم.

وقال الكاتب إن هذا الشعور بأن كل شيء -بما في ذلك الأسوأ- أصبح ممكنا الآن قد عززته الحرائق وسجلات درجات الحرارة والاختفاء السريع لبعض الأنواع، والتغيرات المناخية المتطرفة والتهديدات التي يتعرض لها التنوع البيولوجي، وفقا لدراسة نشرت في مارس/آذار، وأظهرت أن 48% من الفرنسيين يعتقدون أنه قد فات الأوان لعكس مسار الاحترار العالمي.

الحروب المدمرة من الأسباب الأخرى التي تدفع الناس لتخوف من نهاية العالم (بيكساباي)
الحروب المدمرة من الأسباب الأخرى التي تدفع الناس لتخوف من نهاية العالم (بيكساباي)

العديد من السيناريوهات
ونبه الكاتب أن نهاية العالم ليست مجرد فكرة بعيدة أو وهم نلعب به لإثارة الخوف، بل هي أمر يلوح في الأفق المنظور بشكل ملموس، مما جعل عددا من الناس يقومون بالفعل بتصور عدد من السيناريوهات حول ما سيكون عليه عالم ما بعد نهاية العالم، حتى إن مدير موقع ريدت ستيف هوفمان يقول إنه خضع لجراحة تصحيح قصر النظر عام 2015، لأنه يخشى أن يكون الحصول على العدسات أو النظارات غير ممكن في حالة حدوث نهاية العالم.

تخيل عالم ما بعد الكارثة -الذي هو شيء غير معروف ألبتة- يسمح لنا أن نتصور ما نريده، كأن نطمح إلى مجرد البقاء على قيد الحياة، أو نتخيل الأساسيات اللازمة لبناء مجتمع جديد حيث سيتم حظر الاستحمام لمدة أطول من عشرين ثانية من قبل الدستور، إلى غير ذلك كما يقول الكاتب.

الجفاف ونقص الغذاء جعل البعض يبنون مشاتلهم الخاصة تحسبا لنهاية العالم (بيكساباي)
الجفاف ونقص الغذاء جعل البعض يبنون مشاتلهم الخاصة تحسبا لنهاية العالم (بيكساباي)

الزراعة الدائمة والرماية
وفي وثيقة بعنوان "الأقاليم الحيوية 2050″، تخيل معهد مومنتوم ومنتدى "في موبيل"، وهما مركزان للتفكير، كيف سيبدو انهيار منطقة "إيل دو فرانس" في ثلاثة عقود.

وجاء في هذه الوثيقة التي كتبها وزير البيئة السابق إيف كوشيت الذي يعيش في مزرعة تجريبية أن "الحياة اليومية لقيت شكلا من أشكال التقارب، استنادا إلى المساعدة المتبادلة والتضامن. وقد تحولت بعض مراكز التسوق إلى مشاتل دفيئة. وتمت تغطية الضواحي بالخضرة، ولكن حلقات الحرارة الشديدة ما زالت تمنع السفر لمسافات طويلة في الصيف".

ورغم هيمنة فكرة أن حضارتنا تتغير، فإن الشهادات التي جمعناها -كما يقول الكاتب- تعكس التباين الشديد في الاستجابات الاجتماعية لظاهرة يصعب فهمها.

ولهذا السبب -يقول الكاتب- فإن البعض يختار الزراعة الدائمة للشرفة، في حين يختار آخرون الرماية بالقوس، وإن كان لا شيء يمنع من الجمع بين التخصصات، حيث إن هذا الخبير العقاري من جنوب فرنسا الذي قال إنه لا يؤمن بنهاية العالم، يقول مباشرة إنه أنشأ في قبوه "مستودعا للمنتجات الأساسية من حديقة مطبخه" وإنه اشترك في النادي المحلي للرماية وبدأ يتعلم الفنون القتالية.

وخلص الكاتب إلى أن السمة المشتركة بين أصحاب فكرة نهاية العالم هذه هي الحداد.

وهذا الشعور بأن العالم لن يكون كما كان من قبل، تقول عالمة الاجتماع في كندا أوريلي سييرا، "أحاول التعود على فكرة أنه سيتعين علينا التكيف مع حالة المناخ المثيرة لعدم اليقين"، مضيفة "ليست لدي خطط، فأنا أحاول فقط أن أكون أكثر مرونة نفسيا، لكي أكون قادرة على الترحيب بما سيحدث".

المصدر : لوموند