شبْح وتكبيل وضرب.. أطول محاكمة لأسير فلسطيني تحرج إسرائيل

خالد وريتال أبناء الأسير الحلبي مع جدهم
خالد وريتال ابنا الأسير مع جدهما (الجزيرة نت)

عبد الرؤوف زقوت-غزة

مكبل اليدين والقدمين، اضطر محمد للمرة 135 تحمّل معاناة الترحيل في عربات السجون الإسرائيلية (البوسطة) التي تستمر من ثلاثة إلى أربعة أيام قبل عرضه على المحاكمة، ويتخللها المبيتُ في ظروف إنسانية صعبة.

المهندس محمد الحلبي (42 عامًا) من قطاع غزة، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وصاحب أطول محاكمة في تاريخ الحركة الأسيرة، لا يزال يعاني أمام قضاء الاحتلال الذي لم يستطع إدانته بأي تهمةٍ منذ اعتقاله في يونيو/حزيران 2016.

واعتقل الحلبي، وهو مدير مؤسسة الرؤية العالمية في القطاع المتخصصة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، أثناء عودته من مدينة القدس عبر معبر بيت حانون/إيرز مع القطاع بعد اجتماع دوري.

ويواجه المواطن الحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية تهما عديدة من القضاء الإسرائيلي، أبرزها تمويل جهات وأشخاص يتبعون منظمات "إرهابية".

‪الحلبي الأب‬  (الجزيرة)
‪الحلبي الأب‬ (الجزيرة)

الوضع القانوني
ماهر حنا محامي الأسير أكد أنه لا يوجد حتى اليوم أيّ بيّنة موضوعية تثبت ادعاءات نيابة الاحتلال ضد موكله، موضحًا أن كل الأدلة التي قدمت إلى المحكمة تدحض جميع التهم.

يقول للجزيرة نت "يزعمون في النيابة امتلاك أدلة سرية لا يجوز الحديث عنها وتحمل شهادة شخص يدّعي أنه سمع محمد الحلبي يعترف أمامه، ولا يوجد أي بينة أخرى".

وأشار إلى أن تمديد المحاكمات لموكله يعد وسيلة للضغط عليه وعلى المؤسسة من بعده، للوصول إلى تسوية، والتلويح بالعقوبة في حال لم يتم الخضوع لما يريده الاحتلال.

ولن تكون الجلسة رقم 135 في الثالث من مارس/آذار الجاري جلسة استماع -كما يقول المحامي- وإنما جلسة يتم فيها تحديد موعد الجلسات القادمة فقط، والنظر في الالتماس المقدم من أجل تحديد جلسات بمواعيد قريبة.

قضية سياسية
وأضاف المحامي "تحولت قضية الحلبي إلى قضية سياسية تعاند فيها إسرائيل من أجل الحصول على أيّ مكاسب، وهو ما تقر به النيابة الإسرائيلية بالجلسات المغلقة مع موكلي، حيث تُؤكد أنها لن تدع تصريحات رئيس الحكومة (نتنياهو) ووزير الدفاع وضابط الشؤون الإدارية في قضية الحلبي تظهر كأنها عبثية".

وأوضح أن النيابة الإسرائيلية "مرتاحة لكون المحاكمة سرية، فلن يكون لديهم مشكلة في حال تم الحكم على محمد بشكل جائر".

عروض مغرية
وعن العروض التي تلقاها الحلبي، قال المحامي "عُرض على موكلي السجن لمدة أربعة أعوام، وثلاثة أعوام، وعامين ونصف العام، مقابل الاعتراف بأي شيء، ولكن لم نصل لمرحلة نقاش، لأن موكلي رفض الفكرة جملةً وتفصيلًا".

يُشار إلى أن قضية الحلبي تعد أمنية، ويكتفي فيها الاحتلال بتحقيق جهاز الاستخبارات والمحققين، وعادة ما يكون هناك اعتراف من قبل المتهم، وهو غير الموجود في قضية الحلبي.

مَنْ يُحاكم مَنْ؟
وأشار المحامي إلى أن الحلبي يعرف بشكل قاطع أن "إسرائيل" لا يمكنها التنازل عن إدانته بأي شيء "من أجل حفظ ماء وجهها" مشددًا على أنه في ضوء المعطيات الموجودة لا مفر أمام القضاء الإسرائيلي سوى تبرئة الحلبي.

وتابع "تحولت القضية بنظرنا من قضية إسرائيل ضد الحلبي إلى العكس، فالحكم عليه سيعري القضاء الإسرائيلي أمام العالم، ويكشف أنه جائر وهزيل، أو يثبت العكس وأنه ما زال صالحًا، فإما أن يبرأ الحلبي أو يُدان هو".

وبحسب محامي الأسير فقد حضر شهود من العديد من الدول أكدوا زيف الادعاءات الموجهة للحلبي، بناءً على تحقيقات قامت بها عدة جهات منها الحكومة الأسترالية، ومؤسسة الرؤية العالمية.

‪الفلسطينيون يواجهون الظلم والغطرسة داخل سجون الاحتلال‬ (الجزيرة)
‪الفلسطينيون يواجهون الظلم والغطرسة داخل سجون الاحتلال‬ (الجزيرة)

اعتقال مفاجئ
من جانبه، قال خليل الحلبي والد الأسير "عندما فقدنا الاتصال مع محمد أثناء عودته من السفر، لم نتوقع أبدًا أن يتم اعتقاله نظرًا لأنه يسافر كثيرًا، ولكونه في مهمة عملٍ للمؤسسة، وليس له أي خلفية حزبية أو نشاط غريب، ناهيك عن اختلاطه الدائم بالوفود الأوروبية رفيعة المستوى".

وأكد الحلبي الأب للجزيرة نت أن لائحة الاتهام التي توجهها المحكمة الإسرائيلية لنجله "غير منطقية" وأثبت بطلانها بشهادة المؤسسة الدولية، وجميع الشهود الذين حضروا أمام المحكمة من غزة ومن جميع أنحاء العالم.

تعذيب جسدي ونفسي
وشدد والد الأسير على أن نجله تعرض لتعذيب إسرائيلي شديد في "سجن المجدل" على مدار 52 يومًا، فقد على إثره 40% من قدرة أذنه اليمنى على السمع، مضيفًا "كان محمد يتعرض للشبح والتكبيل والضرب من أجل الاعتراف على نفسه بالإجبار، وهو ما لم يتم".

وتابع "نقل محمد بعد ذلك إلى سجن نفحة الصحراوي، وتمت زيارته لأول مرة من قبل أمه وأولاده، إذ لاحظوا عليه علامات التعذيب، والخسارة الكبيرة في الوزن".

أطول محاكمة
وأشار الوالد إلى أن "إسرائيل" تبالغ جدًا في التهم الموجهة لنجله، إذ تقول إنه حوّل سبعين مليون دولار لمنظمات إرهابية، في حين تبلغ ميزانية المؤسسة كاملة بالقطاع مليوني دولار، مما يؤكد أن هناك محاولة لتهويل القضية.

وأوضح "المحاكمات التي تجري لمحمد لا قيمة لها، وما هي إلا عملية استنزاف وابتزاز للخروج بأي نتيجة تذكر" مؤكدًا أن ابنه كان همّه الأول والأخير مساعدة الناس، خاصة أولئك الذين شرَّدتهم الحروب.

وعمل مدير مؤسسة الرؤية العالمية على مساعدة العائلات الفقيرة بالقطاع، وتوفير أبسط المساعدات والإمكانيات لهم للحياة بكرامة، ودعم الأطفال نفسيًا بعد الحروب، بحضور وإشراف دولي دائم من وفود المؤسسة.

وعن اتهام حماس بتعيينه في منصبه، نفت مديرة المؤسسة داخل المحكمة الاتهام، مؤكدةً أنهم أجروا مسابقة في غزة تأهل من خلالها الحلبي للمقابلات التي تمت بإشرافها، وفقًا للعائلة.

ولأول مرة في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة تتم الاستعانة بشهادة عاملين من غزة عن طريق تقنية "الفيديو كونفرانس" بعد أن رفضت سلطات الاحتلال منحهم تصاريح للدخول وحضور الجلسات.

شوقٌ كبير
وللحلبي خمسة أبناء يعيشون اليوم في بيت جدهم، أكبرهم خالد (17 سنة) الذي أكد شوقه الكبير لوالده، خاصة لتلك الرحلات التي كان يصطحبهم فيها حول العالم، واهتمامه الكبير بتعليمهم وتفاصيل حياتهم اليومية.

وأشار خالد إلى أنَّ والده كان يسأل جدته دومًا خلال الزيارات عن الأسر الفقيرة، وعن المشاريع التي قامت بها المؤسسة في غزة، ويذكر الناس بأسمائهم ليطمئن عليهم.

وفي بيانات سابقة برئت ساحة الحلبي من كل من الحكومة الأسترالية ومؤسسة الرؤية العالمية بعد تحقيقات طويلة، واستجواب لعشرات العاملين، ومراجعة البيانات الخاصة بالمؤسسة.

المصدر : الجزيرة