الضحية تنتصر.. عام على مسيرات العودة

مسيرات العودة (الأناضول)
إسرائيل سعت على مدار عام كامل لوقف عجلة المسيرات دون جدوى (الأناضول)

رائد موسى-غزة

يحقق الفلسطينيون يوماً بعد يوم "انتصارات" ضد دولة الاحتلال على الساحة القانونية الدولية، كان آخرها تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة ضد "مسيرات العودة وكسر الحصار" الذي أدان تل أبيب لانتهاكها القوانين الدولية وحقوق الإنسان في التعامل مع المتظاهرين السلميين، بعضها قد يندرج في إطار "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

ويرى خبراء ومسؤولون في منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية -التي كان لها دور بارز في العمل مع المحققين الدوليين- أن هذا التقرير الأممي يشكل "انتصاراً للضحية".

وتزداد أهمية التقرير من توقيت صدور توصياته التي تتزامن مع استعدادات الفلسطينيين لـ "مليونية العودة" بالذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار يوم الثلاثين من الشهر الجاري. وقد استشهد خلال الفترة 271 فلسطينيا، من بينهم 194 خلال "المشاركة الفعلية" بالفعاليات، وأكثر من ثلاثين ألف جريح، نصفهم بالرصاص والقصف.

ووصف سمير زقوت نائب رئيس "مركز الميزان لحقوق الإنسان" التقرير بأنه "مهم ومهني وموضوعي، وفي التحليل القانوني أنصف الفلسطينيين" لكونه "يعري كل ادعاءات دولة الاحتلال" التي تحاول أن تبرر استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد متظاهرين سلميين.

وقال للجزيرة نت إن إسرائيل سعت -على مدار عام كامل من الجرائم والانتهاكات ضد المشاركين السلميين في مسيرات العودة، وبينهم صحفيون وطواقم طبية وإسعافية وأطفال ونساء- إلى تبرير ممارساتها على أنها نتيجة "تهديد" تتعرض له قواتها، غير أن تقرير اللجنة الأممية نفى ذلك نفياً مطلقاً.

وكانت توصيات التقرير -وفق زقوت- بالغة الأهمية، خاصة ما يتعلق بآليات المحاسبة والضغط على دولة الاحتلال لتغيير قواعد الاشتباك التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في التعامل مع المتظاهرين السلميين الذين يكفل لهم القانون الدولي "حق التظاهر السلمي".

توظيف التقرير
وفيما يتعلق بالدور الفلسطيني الرسمي في التعامل مع التقرير الأممي والاستفادة من توصياته، قال زقوت إن الفلسطينيين إذا أحسنوا استخدام وتوظيف هذا التقرير -خاصة فيما يتعلق بالإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، واستنفاد كل الآليات الدولية التي تؤكد إنهاء حالة الحصانة- سيكون له أثر بالغ الأهمية.

وقال "آليات حقوق الإنسان قاصرة عن تحقيق نتائج حاسمة، إلا إذا تدخل الفعل السياسي والدبلوماسي، وشاهدنا دوراً جدياً للدول، سواء العربية والإسلامية، أو أصدقاء فلسطين، لتحويل توصيات التقرير إلى واقع يمثل ضغطاً على دولة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات أولا، ويمارس ضغطا على كل الأطراف الدولية للقيام بواجبها فيما يتعلق بملاحقة كل من يشتبه بارتكابهم انتهاكات خطيرة أو جرائم حرب".

وحول المسؤولية التي يلقيها التقرير على السلطة الفلسطينية -استنادا إلى تجارب سابقة لم تتعامل معها بالشكل الأمثل مع تقارير دولية "أنصفت الفلسطينيين"- قال زقوت إن دور السلطة يتركز في الجانب السياسي والدبلوماسي واستثمار علاقاتها مع الدول لحشد موقف واضح يتحول إلى ترجمة فعلية في الضغط على دولة الاحتلال.

وأرجع زقوت موقف المجتمع الدولي المهادن -الذي يمنح إسرائيل الحصانة- إلى غياب أي ضغط حقيقي في السياسة والدبلوماسية، وفي العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة مع دولة الاحتلال، ولكن إذا أصبحت مواقف التضامن واقعاً فإن نتائج عمل المنظمات الحقوقية وتوصيات تقرير اللجنة الأممية ستتحول إلى ضغط حقيقي على إسرائيل يوقف الانتهاكات ويلاحق المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب "وهذا سيعزل دولة الاحتلال".

بدوره، قال يامن المدهون مدير وحدة التوثيق والبحث الميداني إن صدور مثل هذا التقرير عن لجنة خبراء أممية يبعث "الرضا في أوساط العاملين في مجال حقوق الإنسان بأن هناك ثمرة وفائدة لعملهم في الميدان على صعيد توثيق جرائم الاحتلال" فضلاً عن كونه يشكل "انتصاراً للضحية بأن إسرائيل ليست فوق القانون".

وأضاف المدهون للجزيرة نت أن تراكم مثل هذه التقارير الدولية -التي تنصف النضال السلمي للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال وجرائمه- يبعث بارقة أمل أنه سيأتي الوقت الذي يخضع فيه مرتكبو الجرائم للمساءلة.

وشدد على أنه لا مبرر لجنود قوات الاحتلال -المدججين بالسلاح والمتحصنين وراء سواتر ترابية والمحاطين بحماية كاملة وبمسافة بعيدة عن المتظاهرين- لارتكاب الجرائم ضد مدنيين سلميين، مشيراً إلى أن التوثيق الميداني يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء الجنود يتعمدون إيقاع أكبر عدد من الضحايا من كل الفئات نساء وأطفالا وطواقم طبية وصحفيين.

وأوضح المدهون -الذي عمل مباشرة ولعدة أيام مع لجنة التحقيق في جنيف- أن إسرائيل رفضت التعاون مع اللجنة والسماح بوصولها إلى غزة ولقاء الضحايا، لكن منظمات حقوق الإنسان لعبت دوراً مهماً في تزويدها بالوثائق والأدلة وإفادات الضحايا والشهود.

وهذه النتيجة المهمة -يقول المدهون- تتلخص في أن "غالبية ضحايا مسيرات العودة كان بالإمكان عدم قتلهم أو إلحاق الضرر بهم استناداً لما تمتلكه قوات الاحتلال من وسائل تكنولوجية متقدمة تمكنها من التمييز وتقدير الخطر، لكنها أبدت إصراراً على ارتكاب هذه الجرائم".

ويشير توثيق "مركز الميزان لحقوق الإنسان" -الذي زودت اللجنة الأممية به- إلى أن من بين 194 شهيداً خلال مسيرات العودة 41 طفلاً وامرأتين وثلاثة من المسعفين وصحفييْن، فضلاً عن ثمانية شهداء من ذوي الإعاقة.

ومن بين أكثر من 15 ألف إصابة، 3263 طفلاً و668 امرأة و175 من الطواقم الطبية والإسعاف و150 من الطواقم الصحفية، إضافة إلى ضعف هذا العدد من الإصابات أصحابها تعرضوا للإصابة الطفيفة أو الاختناق جراء قنابل الغاز المدمع وتلقوا العلاج اللازم في الميدان.

المصدر : الجزيرة