تولين دمر حياتها إسرائيلي بعملية دهس

عاطف دغلس-نابلس

 

تستجمع الطفلة الفلسطينية تولين عصفور (6 أعوام) كل قواها كي تستطيع المشي لمسافة قصيرة أو التحدث ببعض كلمات تسعفها بالوصول لما تريد، وأكثر كلامها يُفهم بالإشارة في غالب الأحيان أو ببعض مصطلحات خاصة بها باتوا يدركونها.

وتعرضت تولين وصديقتها إيناس دار خليل لعملية دهس نفذها مستوطن إسرائيلي قبل تسعة أشهر بالقرب من منزليهما في بلدة سنجل شمال الضفة الغربية، فاستشهدت إيناس وظلت تولين تصارع وحدها آلام الحياة بأمراض أقلها ارتجاج دماغي وشلل ببعض وظائفه وإعاقة بقدميها.

‪وعد عصفور: كان خيارنا صعبا بين ملاحقة المستوطن ولملمة طفلتينا‬  (الجزيرة نت)
‪وعد عصفور: كان خيارنا صعبا بين ملاحقة المستوطن ولملمة طفلتينا‬ (الجزيرة نت)

حكاية مؤلمة
تروي وعد عصفور (أم أمير) والدة تولين لحظة الموت التي عاشتها طفلتها عندما أقدم المستوطن نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي على دهس طفلتها وتقول إنها وبينما كانت ووالدة إيناس تنتظران بالجانب الآخر من الشارع الرئيس (رام الله-نابلس) الطفلتين لمحت سيارة قادمة بسرعة فأوعزت إليها بالتوقف لتقطع الطفلتان الشارع كالعادة دون أن تعرف أنه مستوطن، لكنه لم يستجب وأصاب الطفلتين بمقتل، فاستشهدت إيناس وبقيت تولين "شهيدة مع وقف التنفيذ".

وتضيف الأم المكلومة أن المستوطن فرّ من المكان، وقالت إنها ووالدة إيناس كان خيارهما صعبا بين ملاحقة المستوطن ولملمة طفلتيهما من بين ثنايا الطريق خشية ضربة أخرى.

كانت تولين "ملاكا" أما الآن فلا ندري أهي مع الأحياء أم مع الأموات، تقول أم أمير، بعد أن أصيبت بشلل دماغي أفقدها السيطرة على تصرفاتها وأقعدها عن المشي إلا بمساعدة أجهزة طبية في قدميها، أما النطق والحالة النفسية لتولين فهي شق آخر من المعاناة، تضيف الوالدة.

تنصل
ولم تقف تلك المعاناة عند الإصابة والعلاج المكثف والشامل الذي تخضع له تولين داخل أحد المراكز الطبية بمدينة القدس، بل شكّل العلاج غيابا قسريا للوالدة عن المنزل وزيادة الأوضاع سوءا، وفق قول عمر عصفور والد تولين، ولا سيما أن لديه أطفالا آخرين بحاجة لرعاية والدتهم.

لكن الأدهى من ذلك كله -يضيف عصفور للجزيرة نت- هو تهديدات شركة التأمين الإسرائيلية بوقف العلاج لتماثل ابنته للشفاء، وأكد أنها اتهامات باطلة ولا صحة لها، واتهم المؤسسة الإسرائيلية بعدم توفير احتياجات العلاج كاملة، حيث تحتاج زوجته شهريا لنحو ألف دولار ثمنا لتكاليف مرافقتها وتنقلاتها لمدينة القدس.

وقانونيا -يتابع الوالد- المحكمة والاستماع لرواية والدة تولين بعد أن جزّأت القضية واستمعت لعائلة إيناس لوحدها، وحمّل عصفور المستوطن والاحتلال المسؤولية الكاملة "لأن وجوده غير شرعي أصلا".

وببراءة الطفولة اقتادتنا تولين لغرفتها داخل المنزل حيث كانت تلعب وإيناس وترسمان لوحات فنية على الجدران -لم تزل تحتفظ بها- لتقف لدقائق شاردة الذهن كلما استذكرت إيناس أو لامست شيئا من أثرها.

وتقول تولين "إيناس فوق في الجنة" ثم تشير بيدها للسماء دون أن تفارقها كلمات روضة ومستوطن وسيارة.

‪حسنية محمود: موت إيناس أطفأ شمعة الفرح والأمل بالمنزل‬  (الجزيرة نت)
‪حسنية محمود: موت إيناس أطفأ شمعة الفرح والأمل بالمنزل‬  (الجزيرة نت)

إيناس في البال
وأوجعت تلك الكلمات الحاجة الستينية حسنية محمود (أم عيسى) جدة الشهيدة إيناس وجعلتها تستذكر الدقائق الأخيرة قبيل استشهاد حفيدتها حين قدمت إليها واحتضنتها مودعة إياها بعد أن أخذت مصروفها اليومي وبعض حاجياتها وألعابها الخاصة.

وتضيف أم عيسى أن أحدا من العائلة لم ينس إيناس وخفة ظلها حين كانت تملأ المنزل فرحا وتعلو ضحكاتها بين زواياه.

وتقول سلمى الدبعي -من مؤسسة بيتسيلم الحقوقية الإسرائيلية- وفي الوقت الذي تتحدث فيه سلطات الاحتلال عن عشرات عمليات الدهس التي ينفذها فلسطينيون بحق إسرائيليين بالقدس وغير مكان بالضفة الغربية تتناسى أن مثل هذه الاعتداءات يرتكبها مستوطنون بالضفة الغربية.

وتشير إلى أنه في كثير من الأحيان يفر المستوطن بعد عملية الدهس ولا يقدم الإسعاف للمتضررين وهذا يؤكد أن "العمل مدبر".

المصدر : الجزيرة