أمل جديد لأطفال السرطان في غزة

مشهد عام لمبنى قسم علاج أطفال السرطان في غزة.
مشهد عام لمبنى قسم علاج أطفال السرطان في غزة (الجزيرة)

رائد موسى-غزة

بدا الطفل صدام الشواف شارد الذهن، وغير متزن، ويعاني من "حكّة" شديدة في باطن قدميه، جراء عدم تلقيه العلاج من مرض سرطان الدم (اللوكيميا)، بسبب الحصار الإسرائيلي، وتأخر التغطية المالية من السلطة الفلسطينية للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو إسرائيل.

أصيب صدام (13 عاما) بالسرطان حين كان في السادسة من عمره، وهو مرض لا يتوفر علاجه في قطاع غزة الخاضع لحصار إسرائيلي مشدد منذ 12 عاما، إضافة إلى قيود تفرضها السلطة الفلسطينية تتضمن عرقلة إصدار التحويلات الطبية للمرضى للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو داخل إسرائيل.

‪مرض صدام‬ (الجزيرة)
‪مرض صدام‬ (الجزيرة)

في بداية رحلة صدام مع هذا "المرض المميت" كان والده حسين (76 عاما) يرافقه ويرعاه رغم كبر سنه وما يعانيه من آلام مرض سرطان القولون، الذي أصيب به قبل نحو عشرة أعوام.

ويقول حسين -المتزوج من ثلاث نساء وله عشرون ابنا وأكثر من خمسين حفيدا- للجزيرة نت إن سلطات الاحتلال حرمته من مرافقة طفله صدام في رحلة العلاج، ليس لسبب سوى الإمعان في زيادة معاناة سكان غزة، ومن دون مراعاة المرضى، وحتى الأطفال منهم.

وقالت نسرين الشواف -والدة صدام- للجزيرة نت "بسبب رفض منح تصريح لزوجي أربع مرات، تقدمت أنا لمرافقة طفلي، وفعلا رافقته أكثر من مرة للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية وإسرائيل، قبل أن تفاجئنا سلطات الاحتلال برفض تجديد تصريحي لأسباب أمنية غير مفهومة".

وتقطع نسرين منذ نحو شهرين أكثر من ثلاثين كيلومترا يوميا من منزلها المتواضع في بلدة عبسان الكبيرة (جنوب شرقي قطاع غزة) إلى مدينة غزة، وتقضي النهار كاملا تترقب أمام "دائرة العلاج بالخارج"، على أمل أن تسمع "خبرا سارا" بصدور "التغطية المالية" من السلطة، والموافقة الإسرائيلية لمرافقة طفلها الذي أصبح يعاني وضعا صعبا بسبب عدم التزامه لشهور ببروتوكول العلاج، مما أثر سلبا على حالته النفسية واستقرار الأسرة.

دوامة المرضى وأسرهم
تقول أم صدام إن سلطات الاحتلال تضع مرضى السرطان، خاصة الأطفال وأسرهم، في "دوامة" لا يخرجون منها، ويرهقهم القلق والتفكير المستمر في العلاج الذي لا يتوفر بالجودة والكميات المطلوبة في غزة، وفي تصاريح الخروج لرحلة العلاج المريرة من معبر بيت حانون (إيرز) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.

ووفقا لوزارة الصحة، فإن سلطات الاحتلال ترفض 60% من طلبات المرضى ومرافقيهم للحصول على تصاريح، كما تعرض 5% منهم للاعتقال خلال العام الماضي.

وسجلت وزارة الصحة 8515 حالة إصابة بالسرطان، من بينها 608 أطفال، بواقع 7% من إجمالي الحالات، في حين بلغ عدد النساء 4705 حالات، بما نسبته 55.3% من إجمالي الحالات المسجلة في القطاع المحاصر.

‪صدام يتوسط والديه في منزلهم ببلدة عبسان جنوب شرقي قطاع غزة‬ (الجزيرة)
‪صدام يتوسط والديه في منزلهم ببلدة عبسان جنوب شرقي قطاع غزة‬ (الجزيرة)

وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان في تقرير أصدره في "اليوم العالمي للسرطان" الذي يوافق الرابع من فبراير/شباط الجاري؛ إن المعاناة النفسية والجسدية لمرضى السرطان في غزة تتضاعف نتيجة ضعف الإمكانات، والنقص الدائم في المعدات والأجهزة التشخيصية والعقاقير والأدوية ومدخلات تشغيل المعدات الطبية والأجهزة العلاجية.

ويظل العجز في الأدوية واحدا من أبرز التهديدات على حياة المرضى، فبحسب المعطيات المتوفرة من الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة؛ بلغ متوسط نسبة العجز في الأدوية اللازمة لعلاج مرضى السرطان وأمراض الدم 58% في عام 2018، وتتكون هذه الأدوية من 65 صنفا، الأمر الذي يهدد حياة الكثير من المرضى، لأنه في غياب صنف من الأدوية المكونة لبرنامج العلاج يفشل البرنامج كله، ويصبح توفر مكونات البرنامج الأخرى من الأدوية بلا معنى.

ومنذ عام 2016 وحتى عام 2018، وثّق مركز الميزان وفاة 45 مريضا بالسرطان بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع.

جهود لبث الأمل
وتلقت نسرين الشواف وأسرتها بكثير من السعادة والأمل افتتاح "قسم الدكتورة موسى وسهيلة ناصر لعلاج سرطان الأطفال"، وهو القسم الوحيد في غزة، بتمويل من "جمعية إغاثة أطفال فلسطين"، وهي مؤسسة أميركية أهلية تأسست عام 1991، وتختص بمجال تقديم الخدمات والرعاية الطبية للأطفال المرضى والجرحى في الشرق الأوسط.

وقالت رنان المظفر نائب الرئيس التنفيذي لشؤون العمليات في الجمعية للجزيرة نت إن جميع الأطفال المصابين بمرض السرطان في غزة يتم تحويلهم للعلاج في الخارج، وفي معظم الأحيان لا يمكنهم السفر مع ذويهم بسبب الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بمنح التصاريح، وهذا الأمر يكلف وزارة الصحة الفلسطينية ملايين الدولارات سنويا، إضافة إلى أن علاج الأطفال يكون على فترات متقطعة وقد يتأخر بسبب عرقلة منح التصاريح أو عدم إعادة إصدارها لمتابعة العلاج، الأمر الذي يؤدي إلى وقف العلاج ويؤثر على صحة الأطفال.

وذكرت أن الجمعية نجحت في جمع ما يزيد على ثلاثة ملايين دولار لبناء القسم، وتهيئته بأحدث المعدات والأجهزة والمواد، ويتضمن قسمين للمبيت يحتويان على 16 غرفة، وقسما للرعاية اليومية يحتوي على 15 سريرا، وغرفة ألعاب كمبيوتر، ومطبخا، وصيدلية، ومكتبة.

وأوضحت المظفر أن القسم سيوفر برامج دعم نفسي تتضمن وجبات صحية وتقديم مرافقة للأطفال لمساعدتهم على متابعة دراستهم، إضافة إلى فقرات مهرجين وفعاليات ترفيهية أخرى.

وقالت إن الكادر البشري المشرف على القسم يتكون من مدير وأربعة أطباء، و17 ممرضا، وتسعة من عمال نظافة.

‪صدام‬ (الجزيرة)
‪صدام‬ (الجزيرة)

بدورها، أكدت الدكتورة زينة سلمان -طبيبة سودانية أميركية متطوعة في الجمعية- أن القسم سيوفر العلاج اللازم لنحو 50% من مرضى السرطان في غزة، الذين يحتاجون في الأساس للعلاج الكيميائي، في حين سيضطر من يحتاجون للعلاج الإشعاعي إلى السفر.

وقالت الدكتورة زينة إن القسم سيخفف معاناة مرضى السرطان من الأطفال، الذين يحتاج علاجهم فترات طويلة تتراوح بين ستة شهور وعدة سنوات، وتمتد معاناتهم إلى أسرهم، بسبب منع إسرائيل منحهم التصاريح لمرافقة أطفالهم المرضى.

وأضافت أن أهل غزة يحتاجون مثل هذا القسم منذ سنوات طويلة، وأن الجمعية ستعمل على تنسيق بعثات طبية لأطباء من غزة إلى الخارج لتجديد وتطوير معلوماتهم وخبراتهم، والعودة إلى غزة لمساعدة المرضى.

وعلمت الجزيرة نت من مصادر في وزارة الصحة أن مستشفيات غزة تستقبل نحو 130 حالة إصابة جديدة بالسرطان شهريا.

المصدر : الجزيرة