تونس.. إضراب البريد يشعل فتيل الغضب على نقابات الشغل

مئات المواطنين يحتشدون أمام أحد مكاتب البريد بتونس في حالة غضب مطالبين بتعليق الإضراب واستئناف العمل
المئات يحتشدون أمام أحد مكاتب البريد في حالة غضب مطالبين بتعليق الإضراب (الجزيرة)
مجدي السعيدي-تونس 

أمام أحد مكاتب البريد بالعاصمة تونس، ووسط جموع من الرجال والنساء المحتشدين تحت أشعة الشمس الحارقة، يرفع عمار بوغانمي بصره صوب الأبواب الموصدة لعله يلمح حركة تؤذن بفتحها واستئناف العمل داخل المكاتب التي دخل الموظفون بها في إضراب مفتوح منذ أكثر من أسبوع.

ورغم ملامح الضجر واليأس الواضحة على محياه، يستجمع الرجل السبعيني قواه ليقترب من الباب الرئيسي ويرفع صوته مع أصوات مئات المحتجين الغاضبين على إضراب خدمات البريد وتعطل قضاء شؤونهم واستحالة سحب جراياتهم (رواتبهم) طيلة أيام عدة.

"أقطن بمدينة المحمدية (30 كيلومترا جنوب العاصمة تونس). وصلت منذ الصباح الباكر إلى هنا عساي أعثر على مكتب بريد مفتوح لكن يبدو أني سأعود خائبا. لليوم الثامن على التوالي، تعطلت مصالحنا وعجزنا عن قضاء شؤوننا جراء غلق المكاتب لدوافع نجهلها ولأجل لا نعلم منتهاه".

يتحدث للجزيرة نت بنبرة فيها الكثير من الألم، مشوبة بشعور بالنقمة على الأوضاع الاجتماعية التي آلت إليها البلاد بسبب تفشي ظاهرة الإضرابات عن الشغل في قطاعات عدة، كان آخرها البريد الذي علق العمل بجميع مكاتبه منذ أكثر من أسبوع بسبب تعطل المفاوضات بين نقابات اتحاد الشغل والسلطات.

"أتقاضى جراية شيخوخة قيمتها نحو مئتي دينار (نحو سبعين دولارا) أعيل بها زوجة معوقة وثلاثة أبناء وأنتظر سحبها منذ أيام دون جدوى، المواطن الزوالي (الفقير) أصبح بمثابة الكرة التي يتقاذفها اتحاد الشغل والحكومة" يضيف بوغانمي.

بوغانمي: المواطن الفقير بمثابة الكرة التي يتقاذفها اتحاد الشغل والحكومة (الجزيرة)
بوغانمي: المواطن الفقير بمثابة الكرة التي يتقاذفها اتحاد الشغل والحكومة (الجزيرة)

شلل في الخدمات
تسبب إضراب مكاتب البريد الذي أعلنت عنه النقابات المهنية للقطاع في شلل تام للخدمات المالية التي يحتاج إليها أكثر من مليون زبون أغلبهم ينتمون للطبقة الضعيفة حيث يودعون مدخراتهم أو يسحبون جراياتهم الزهيدة من البريد أو أولئك الذين ينجزون خدمات إدارية ومصرفية مختلفة.

ورغم الإعلان عن فتح مكاتب البريد جزئيا صباح الأربعاء، شن عدد من النشطاء على منصات التواصل حملة غضب عارمة على العاملين في هذا القطاع مطالبين بضرورة استئناف العمل دون شروط بعد أن تعطلت مصالح عشرات الآلاف من العملاء الذين تعودوا ارتياد البريد خلال الأسبوع الأخير من كل شهر.

ونقلت صفحات التواصل صورا كثيرة لشيوخ وعجائز يجلسون أمام مداخل مؤسسات البريد وآخرين يفترشون الأرض ويقبعون تحت أشعة الشمس أملا في فك الإضراب والدخول لقضاء مصالحهم المالية، في وقت حاول آخرون اقتحام المكاتب بالقوة ومطالبة العاملين بفتح شبابيك إسداء الخدمات.

ومنذ 19 أغسطس/آب الجاري، دخلت مكاتب البريد في إضراب فجائي عن العمل مما انجر عنه تعطل الخدمات وتكبد خسائر اقتصادية جسيمة في وقت حملت السلطات المسؤولية للهياكل النقابية بمنظمة اتحاد الشغل.

قوة مفرطة
في مقابل الاتهامات الموجهة لنقابات العمال، حمّل الحبيب الميزوري الكاتب العام لجامعة البريد بمنظمة اتحاد الشغل مسؤولية تعطل خدمات البريد للطرف الحكومي واصفا الحملة التي شنتها وسائل الإعلام وصفحات التواصل ضد أعوان البريد بالمغرضة.

وقال الميزوري للجزيرة نت "الإضراب كان حلا أخيرا لجأنا إليه بعد تجاهل وزارة تكنولوجيا الاتصال الدعوة التي توجهنا بها لعقد جلسة تتعلق بتفعيل الاتفاقيات السابقة المبرمة بين الطرفين وذلك منذ يونيو/حزيران المنقضي".

 الميزوري: الإضراب كان حلا أخيرا لجأنا إليه بعد تجاهل الوزارة (الجزيرة)
 الميزوري: الإضراب كان حلا أخيرا لجأنا إليه بعد تجاهل الوزارة (الجزيرة)

وتابع "احتجاجاتنا كانت سلمية في البداية حيث نفذنا اعتصاما أمام مقر الوزارة للمطالبة بعقد جلسة مع السلطات لكننا فوجئنا بالقمع البوليسي واعتداء قوات الأمن علينا مما تسبب في أضرار بدنية، لجأنا للتصعيد والدخول في إضراب عن العمل جراء التعامل الأمني الخطير معنا والذي ستتحمل تبعاته الحكومة".

وكانت نقابة موظفي البريد أعلنت في وقت لاحق عن تعليق الإضراب وقتيا واستئناف العمل منذ الأربعاء، لكنها وضعت شروطا أولها الإسراع بعقد اجتماع مع الهياكل الحكومية لمواصلة جولة جديدة من المفاوضات المتعلقة بتنفيذ اتفاقيات سابقة حول الترقيات وحماية المؤسسة من المنافسة غير المشروعة التي تمارسها شركات أخرى، بحسب ما كشفه الميزوري.

وعبرت منظمة الشغل في بيان رسمي عن أسفها لتعطل مصالح المواطنين، معتبرة أن الطرف الحكومي يتحمل المسؤولية الكاملة في ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية داخل المؤسسة.

وشهدت البلاد منذ اندلاع ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 موجة من الاضرابات والاحتجاجات الاجتماعية التي شملت عدة قطاعات مثل التعليم والصحة والصناعة والنقل والخدمات، أفرزت موجة غضب على الهياكل النقابية والحكومة على حد السواء وأثارت قضية تغول النقابات وضعف هياكل الدولة.

المصدر : الجزيرة