"المْلاوي".. أكلة شعبية أزعجت وزيرا تونسيا

مجدي السعيدي - نجوى إمرأة تونسية تتخذ من إعداد أكلة الملاوي الشعبية مهنة توفر بها قوت عائلتها ـ الجزيرة نت - "الملاوي".. أكلة الفقراء والمهمشين التي أثارت انزعاج وزير التجارة التونسي
التونسية نجوى تتخذ من إعداد أكلة الملاوي الشعبية مهنة توفر بها قوت عائلتها (الجزيرة نت )

مجدي السعيدي-تونس

تجمع نجوى أغراضها داخل حقيبة بالية وتغادر مسرعة منزلها الواقع في الضواحي الغربية للعاصمة تونس، تصحبها ابنتها سارة نحو محطة الحافلات، حيث تتوجهان يوميا مع ساعات الصباح الأولى إلى منطقة "الباساج" في قلب العاصمة، حيث يقع محل الأكلات الخفيفة الذي تعدان فيه أكلات "الملاوي" وسندويش "الطابونة" و"الشاباتي" وتبيعانها للمارة.

تصل الأم وابنتها إلى محل "الملاوي"، وهي فطيرة يتم إعدادها من دقيق القمح بعد عجنه وتخميره ومزجه بزيت الزيتون، ثم تخبز على نار حامية بعد حشوها بالبيض أو الجبن أو الدجاج. وتتصدر الدكان الضيق واجهة وضعت عليها صاحبته قوارير المشروبات الغازية وأوعية تحمل سلطة وجبنا وبيضا وغيرها من المواد الغذائية.

تشرع المرأتان في تجهيز كويرات الملاوي، وانتظار الزبائن الذين يختلفون إلى مثل هذه المحلات لتناول معروضاته مستغلين الثمن الزهيد للفطائر وسندويشات الملاوي، مقارنة بالأثمان الباهظة لمثل هذه المأكولات في المحلات والمطاعم الكبرى.

‪كويرات العجين يتم غمسها بقليل من الزيت ثم بسطها وخبزها على نار حامية‬ (الجزيرة)
‪كويرات العجين يتم غمسها بقليل من الزيت ثم بسطها وخبزها على نار حامية‬ (الجزيرة)

أكلة الفقراء
غمست المرأة الخمسينية كلتا يديها في قطعة ضخمة من العجين وأخذت تعركها جيدا ثم تقطعها إلى كويرات صغيرة، تضعها جانبا وتبلل أصابعها بزيت الزيتون، قبل أن تشرع في صنع قطع "الملاوي" المربعة الشكل ووضعها على نار حامية لدقائق معدودات حتى تنضج؛ فيما انكبت ابنتها على استقبال طلبات الزبائن.

لم تكن نجوى وابنتها -ولا آلاف النساء اللاتي اتخذن من بيع المْلاوي موردا للرزق- يعلمن شيئا عن الجدل الذي أثاره وزير التجارة التونسي عمر الباهي، عندما أبدى انزعاجه من النقص الحاد في مادة السميد (طحين القمح) بسبب كثرة محلات بيع الملاوي والطابونة في الأحياء الشعبية.

وانتشرت محلات بيع الأكلة الخفيفة متخذة أسماء عدة، مثل "المْلاَوي" و"الطابونة" و"المْطَبْقة" وغيرها، وما يجمع بينها سرعة إعدادها وتدني أسعارها، حيث يهرب الكثير من التونسيين من لهيب أسعار الأكلات الجاهزة في المطاعم الفاخرة أو محلات البيتزا.

وتعتبر نجوى أن الأسعار الزهيدة لبيع فطائر الملاوي في ظل ارتفاع أثمان المواد الغذائية، وراء الإقبال الكبير على تناولها رغم أنها لم تعد توفر الكثير من الأرباح.

وتقول للجزيرة نت "لا نغنم شيئا من هذه المهنة، فأسعار السميد ارتفعت بشكل جنوني وتكاليف شراء بقية المواد لإعداد الأكلة لم نعد نقدر عليها".

تقاطع سارة والدتها لتكشف أن ارتفاع أسعار طحين القمح والبيض والدجاج والزيت دفع الكثير من أصحاب محلات "الملاوي" إلى الإغلاق، جراء زيادة التكلفة مقابل تدني أسعار البيع.

وتقول للجزيرة نت "أسعار أكلة الملاوي زهيدة جدا ولا تتعدى دينارا ونصفا (نصف دولار) بعد حشوها بالبيض والهريسة وشرائح من البقول".

وتنتشر محلات أكلة "الملاوي" بشكل كثيف في أحياء العاصمة تونس، وخاصة في المناطق الشعبية وبالقرب من المصانع والمدراس ومحطات النقل، معتمدة على أسعارها الزهيدة.

‪قطع الملاوي بعد تجهيزها يتم حشوها بمواد غذائية مختلفة‬ (الجزيرة)
‪قطع الملاوي بعد تجهيزها يتم حشوها بمواد غذائية مختلفة‬ (الجزيرة)

تهكم واستهجان
وأثار وزير التجارة في تونس عمر الباهي جدلا واسعا وردود أفعال عنيفة بعد تصريحاته لصحيفة "الشروق" اليومية، بأن أزمة فقدان السميد (دقيق القمح) سببه انتشار محلات إعداد أكلة الملاوي.

وتهاطلت عبر منصات التواصل الاجتماعي ردود الأفعال المتهكمة والمستهجنة لتصريحات الوزير التي اعتبرت حلقة جديدة من مسلسل التصريحات المنفلتة للسلطات الرسمية في تونس. 

واتهم عدد كبير من المدونين الوزير بالتجني على فئة مهمشة من التونسيين يرتزقون من بيع الملاوي بأثمان زهيدة جدا.

وقال غاضبون على تصريحات الوزير إن "الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد تعج بالكفاءات التي كثيرا ما صدمت الرأي العام بتصريحات خارجة عن السياق"، فيما اعتبر آخرون انزعاج الوزير من باعة "الملاوي" امتدادا لأخطاء اتصال فادحة سقط فيها وزراء تونسيون.

وبألفاظ تحمل معاني التهكم والسخرية، هاجم عدد من مرتادي موقع "فيسبوك" الوزير، مؤكدين أنه أساء لطبقة اجتماعية تبحث عن كسب قوتها من إعداد أكلة موجهة للفقراء بالأساس.

وسخر الخبير السياسي هشام حاجي قائلا "أبهرني تفسير وزير التجارة لأزمة السميد، لأنه قدم قراءة لا تخلو من طرافة وبالإمكان أن تكون مدخلا لإعادة كتابة تاريخ الإنسانية".

وأضاف"ما دام الوزير قد عرف السبب فيمكن أن نرى قريبا الشرطة الملاوية التي تعنى بترشيد استهلاك الملاوي".

وأعرب الصحفي حسان بالواعر عن خيبة أمله من تلك التصريحات، وقال عبر صفحته: "الوزير أفقدته المسؤولية الجديدة والكرسي الوثير جزءا من رصانة تفكيره، واليوم تأكدت نهائيا بعد تصريحه حول فقدان مادة السميد وانتشار محلات الملاوي أن عمر الذي عرفته منذ أربع سنوات لم يعد ذات الشخص".

وكان وزير التجارة نشر توضيحا عبر صفحته الرسمية على فيسبوك للرد على الهجمة التي تعرض لها، مؤكدا أن تصريحه أخرج من سياقه الأصلي، إلا أن ردود الأفعال المتهكمة والغاضبة لم تهدأ على امتداد أسبوع كامل.

المصدر : الجزيرة