عجزوا عن بيع المحاصيل.. كيف أضرت الحرب بالمزارعين اليمنيين؟

الجزيرة نت-الزراعة انهارت بسبب حرب اليمن-الحديدة-الكمب
بسبب الحرب تراجع الإنتاج الزراعي في الحديدة بنسبة 80% (الجزيرة)

 الجزيرة نت-صنعاء

يتنقل إسماعيل السيد بين أرجاء مزرعته مراقبا المياه وهي تتدفق من المضخة، وظل معها يقلب أفكارا لجني محصول الفلفل الأخضر، وبعد جولة كان قد اتخذ قرارا ببيع كيلو الفلفل بسعر لا يقل عن ثمانمئة ريال (1.66 دولار).

قدر السيد أن يجني ثروة لا تقل عن مليوني ريال (أربعة آلاف دولار) نظير بيع المحصول من مزرعته التي تبلغ مساحتها نحو نصف كيلومتر مربع في منطقة الكمب جنوبي محافظة الحديدة، ليسدد قسطا من قيمة منظومة الطاقة الشمسية.

وعلى الرغم من تراجع ملحوظ في القطاع الزراعي بسبب الحرب بين الحوثيين والتحالف السعودي الإماراتي فإن المزارع الخمسيني كان محظوظا بأن تمكن من شراء منظومة الطاقة الشمسية ليعتمد عليها في ضخ المياه الجوفية إلى المزرعة.

يقول السيد للجزيرة نت إنه لولا منظومات الطاقة الشمسية لانهارت المحاصيل الزراعية بالكامل وتدمر القطاع الزراعي، فوقود الديزل المستخدم لتشغيل مولدات ضخ المياه ينعدم في بعض الأحيان، ويرتفع سعره غالبا إلى مستويات قياسية.

سوق مدمر
ومع أن أغلب المزارعين في غربي البلاد تجاوزوا مسألة انعدام الوقود باعتمادهم على المنظومات الشمسية إلا أن الحرب كانت قاسية على محاصيلهم، إذ تسببت في إغلاق الأسواق الرئيسية، من بينها سوق "الحلقة" الرئيسي في مدينة الحديدة مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته.

وحين حل موعد الحصاد كان السيد يندب حظه، فالأسواق التي يبيع فيها منتجاته الزراعية أغلقت بسبب القتال، كما عرقلت الحرب الطريق الرئيسي، وبات من الصعب على المتسوقين الوصول إلى مزرعته.

‪منظومات الطاقة الشمسية حالت دون الانهيار الكامل للقطاع الزراعي في اليمن‬ منظومات الطاقة الشمسية حالت دون الانهيار الكامل للقطاع الزراعي في اليمن (الجزيرة)
‪منظومات الطاقة الشمسية حالت دون الانهيار الكامل للقطاع الزراعي في اليمن‬ منظومات الطاقة الشمسية حالت دون الانهيار الكامل للقطاع الزراعي في اليمن (الجزيرة)

ويقول السيد للجزيرة نت إن التجار عزفوا عن التسوق في المنطقة، خصوصا بعدما قصفت عدد من سيارات المدنيين خلال الأشهر الماضية، مما يعزز احتمال تعرضهم لقصف عرباتهم وشاحناتهم التي تشبه المركبات التي يستخدمها المسلحون الحوثيون.

ويضيف "كان لدينا أحد الوكلاء التجاريين هو من يسوّق منتجاتنا في الحديدة ومدن غربي البلاد والعاصمة صنعاء، لكنه قتل مطلع العام الجاري بغارة جوية شنتها مقاتلات التحالف في منطقة الجراحي جنوبي الحديدة".

إغلاق الحديدة

ويعتمد المزارعون على سوق الحلقة في مدينة الحديدة لتسويق منتجاتهم، حيث يعد السوق مركزا رئيسيا للمزارعين في سهول تهامة، ومن هناك توزع منتجاتهم على بقية محافظات البلاد.

ووفق صالح أبو محمود -وهو أحد مالكي مزارع الموز- فإن إغلاق مدينة الحديدة وسوق الحلقة تسبب في معاناة كبيرة للمزارعين، فلم يعد بإمكانهم تسويق منتجاتهم كما في الأيام السابقة.

ويقول أبو محمود للجزيرة نت "نواجه مشاكل في التسويق، ففي حال لم تسوّق الخضروات والفواكه في مناخ حار فإنها تتلف في غضون ساعات، خصوصا أن ثلاجات حفظ الخضار في سوق الحديدة تعطلت بسبب الحرب، كما جرى مصادرة بعضها".

ويضيف "في بعض الأحيان نضطر إلى رمي الموز بعد أن يتلف".

كساد ومجاعة
وفرضت الظروف الجديدة للمزارعين واقعا مغايرا، إذ اضطر إسماعيل السيد إلى بيع كيلو الفلفل بـ27 ريالا (0.05 دولار)، في حين كان الكيلو الواحد يباع في صنعاء بتسعمئة ريال (1.9 دولار).

أبو محمود هو الآخر اضطر لبيع كيلو الموز بأربعين ريالا (0.08 دولار)، في حين يباع في صنعاء بـ450 ريالا (0.93 دولار)، وهذا الفارق الكبير يبين حجم العرض والطلب بين الحديدة وصنعاء اللتين تبلغ المسافة بينهما ثلاثمئة كيلومتر.

وحالت الحرب وإغلاق المعابر دون تصدير الفواكه إلى السعودية ودول الخليج، حيث شكلت تلك الأسواق رافدا ماليا كبيرا للمزارعين في اليمن خلال سنوات ما قبل اندلاع الحرب.

وتتسع دائرة الجوع بين اليمنيين، فأكثر من 80% من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إغاثية، في حين طالبت الأمم المتحدة بأربعة مليارات دولار لتمويل الاستجابة الإنسانية في اليمن العام المقبل.

‪بالحديدة‬ ضخ المياه من باطن الأرض عبر منظومات الطاقة الشمسية في مزرعة للفلفل الأخضر(الجزيرة)
‪بالحديدة‬ ضخ المياه من باطن الأرض عبر منظومات الطاقة الشمسية في مزرعة للفلفل الأخضر(الجزيرة)

ويقول بدر حسن -وهو ناشط إغاثي- للجزيرة نت إن حرب اليمن أدت إلى انهيار الوضع الإنساني والاقتصادي، بمن في ذلك المزارعون الذين يشكون من تراجع حاد في الإنتاج الزراعي.

ويضيف أن "عددا من المزارعين تخلوا عن الزراعة بسبب انعدام الوقود وتلف المحاصيل وتوقف تسويقها، الأمر الذي انعكس على الآلاف من العمال الذين باتوا بلا مصدر دخل ويعتمدون على المساعدات الإغاثية لسد الجوع".

تراجع كبير
ووفق محمد الغليسي -وهو مسؤول في وزارة الزراعة بمحافظة الحديدة- فإن القطاع الزراعي تدهور بنسبة 80% في محافظة الحديدة، كما أن معظم الخسائر طالت المزارعين الذين يعتمدون على التمويل الذاتي.

وأشار إلى أن مجمل خسائر الزراعة في اليمن التي تسبب بها قصف التحالف السعودي الإماراتي منذ اندلاع الحرب بلغ ما يقارب 13 مليار ريال منذ مطلع العام 2015، من بينها خسائر للمؤسسات والمزارع الحكومية والتعاونية، وتوقف القروض والمساعدات.

ويحمل مسؤول في وزارة الزراعة بحكومة الحوثيين (غير معترف بها) التحالف مسؤولية تدهور الزراعة عبر قصفه المزارع.

وقال إن ما حدث جنوبي مدينة الحديدة مؤخرا هو نفوق مئات الأبقار بالقصف والجوع بعد أن امتدت المعارك لمزارعها الشهر الماضي.

المصدر : الجزيرة