لهذه الأسباب لا تلقى بتكوين وأخواتها رواجا في مصر

Bitcoin- - ANKARA, TURKEY - JANUARY 03: A picture shows Cryptocurrency, Bitcoins in Ankara, Turkey on January 03, 2018.
متابعون يرون أن الاستثمار بالبتكوين وأخواتها غير آمن ومحفوف بالمخاطر (رويترز)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لم تجد عملة "بتكوين" رواجا حقيقيا بين المصريين كما هو الحال في دول أخرى، في وقت يرى فيه خبراء ومراقبون أن ضعف الإقبال عليها وتدنيه سببه تحذيرات رسمية وغير رسمية من خطورة اقتحام هذا السوق وعدم أمانه.

فقد تتابعت تحذيرات البنك المركزي من التعامل مع العملات الرقمية وفي مقدمتها البتكوين، إلا أن عدم اتخاذ إجراءات واضحة بعدم مشروعية هذه المعاملات دفع بعض المصريين إلى الإقدام على المشاركة في هذا المسار، طمعا في تحقيق ربح سريع وهروبا من واقع مأزوم لأشكال الاستثمار المختلفة في مصر.

وبين الفينة والأخرى، تنقل وسائل إعلام محلية في مصر أخبارا عن تمكن السلطات المصرية من ضبط محاولة تهريب أجهزة تحويل عملة "بتكوين"، بما يعد -بحسب تلك الوسائل- مخالفة لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي.

ولا تتوفر إحصائية دقيقة لعدد المصريين المضاربين في هذا السوق، إلا أن مصادر إعلامية محلية أفادت -نقلا عن موقع "كوين دانس" المتخصص في متابعة أخبار العملة الرقمية المشفرة- بتزايد محدود في تداول المصريين للبتكوين، إذ وصل حجم استثمارهم إلى مليون جنيه (56 ألف دولار)، وهو ما اعتبره محللون اقتصاديون مشاركة ضعيفة.

‪عبد المطلب: الاستثمار بالعملات الرقمية من أشكال المضاربات غير الآمنة‬ (الجزيرة)
‪عبد المطلب: الاستثمار بالعملات الرقمية من أشكال المضاربات غير الآمنة‬ (الجزيرة)

مكسب وخسارة
ومن بين المصريين المضاربين في عملة البتكوين، يصف سامح أبو علي (اسم مستعار) تجربته في اقتحام عالم العملات الرقمية التي بدأها منذ قرابة ستة أشهر، بأنها "مثيرة وشيقة، لكنها مخيفة ومرهقة"، وذلك بعد متابعة دامت قرابة عام وتردد انتهى بالمشاركة.

وفي حديثه لمراسل الجزيرة نت، يحكي أبو علي كيف أن البداية كانت حين حدث انخفاض كبير في أسعار "البتكوين" بصورة مغرية، بعد متابعة أكسبته إدراكا بأن من المنتظر ارتفاع سعرها مرة أخرى، ليبدأ الاستثمار بمبلغ خمسين دولارا، ومع تتابع النجاحات والإخفاقات وصل المبلغ إلى ألفي دولار.

ويسترجع أبو علي لحظات الإحباط التي تصاحب حالات الخسارة ولحظات البهجة التي تلي حالات المكسب، وهي ما تركت أثرا كبيرا عليه وصل إلى حد منعه من النوم المنتظم خلال الشهور الثلاثة الماضية. ومع تكرار تلك الحالات، بات أبو علي أكثر تقبلا للأمر واستعدادا للتعامل مع أي تطور.

ويبرر أبو علي دخوله هذا المضمار وتقبله المجازفة فيه واستعداده لنسبة الخطورة العالية به، إلى حالة الكساد والتراجع في سوق الاستثمار المصرية وتراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، إضافة إلى فرض النظام المصري الكثير من الضرائب خلال الفترة الأخيرة، مما جعل التعامل بالعملات الرقمية مغامرة مقبولة وبديلا أفضل.

ومطلع العام الجاري، حرّم مفتي مصر شوقي علام تداول "البتكوين" معتبرا إياها "وسيطا غير مقبول للتبادل وتشتمل على أضرار الغرر والجهالة والغش الخفي"، مشددا في بيان له على أن إصدار العملة حق لولي الأمر أو من يقوم مقامه من المؤسسات النقدية، كما اعتبر التعامل بهذه العملة من "المحظورات الشرعية".

‪مسؤول في البنك المركزي المصري أشار إلى أن البنك يدرس إصدار عملة رقمية‬ (الجزيرة)
‪مسؤول في البنك المركزي المصري أشار إلى أن البنك يدرس إصدار عملة رقمية‬ (الجزيرة)

عملة رقمية مركزية
ومنذ أيام، صرح أيمن حسن وكيل محافظ البنك المركزي المصري لقطاع نظم الدفع، بأن البنك يدرس إصدار عملة رقمية من الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة، تطبيقا لسياسات الشمول المالي التي تستهدفها مصر لضبط عمليات التداول داخل الأسواق، وتسهيل الخدمات المالية الإلكترونية.

هذا التصريح اعتبره الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب "غير واضح"، لافتا إلى أنه ربما يكون المقصود تسهيل التعامل عبر شبكة الإنترنت أو وسيلة دفع للتجارة الإلكترونية، وليس عملة رقمية للتداول في أسواق المال أو أسواق النقد، سواء المحلية أو العالمية.

ولا يرى عبد المطلب -في حديثه للجزيرة نت- تداول العملات الرقمية من قبيل الاستثمار الذي يخضع لاعتباراته وشروطه، وإنما هو شكل من أشكال المضاربات غير الآمنة التي تتشابه مع المضاربة في الأسهم والعملات بهدف السعي إلى الربح السريع مع قدر كبير من المجازفة.

خارج النطاق
وفي هذا السياق، يرى المصرفي والمحلل الاقتصادي شريف عثمان أن مصر خارج عالم العملات الرقمية، ولا يتصور اقترابها منه في المدى القريب، كونها متأخرة تكنولوجيا بشكل كبير.

ويشير عثمان -وهو مسؤول سابق في البنك المركزي المصري- إلى أن المسؤولين في الجهاز المصرفي المصري مجرد منفذين لأوامر البنك المركزي الذي يخضع حاليا لإشراف طرفي الدولة (الرئاسة والمخابرات)، لذلك لن يدعموا -برأيه- أي عمليات يرون أنها قد تساعد في تمويل المعارضة.

‪عثمان: مصر خارج عالم العملات الرقمية‬ (الجزيرة)
‪عثمان: مصر خارج عالم العملات الرقمية‬ (الجزيرة)

ويعتبر المصرفي المصري -في حديثه للجزيرة نت- أن ما يُتداول عن حجم تعاملات المصريين بتلك العملات ضئيل جدا ولا يمثل أي نسبة تذكر في هذا السوق، وأرجع ذلك إلى كون الاستثمار فيه بالنسبة لهم غير آمن.

ويشر إلى أن حدوث عمليات احتيال في بيئات أكثر أمنا من بيئة النظام المصرفي المصري، تعزز مخاوف اقتحام عالم العملات الرقمية المشفرة.

هذا الأمر دفع الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين مدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية، إلى اعتبار الاستثمار في العملات الرقمية بالنسبة للمصريين أمرا "غير مرحب به ولا ينبغي دعمه أو الحث عليه". فهو -بحسب رأيه- أحد أدوات النصب والاحتيال عليهم، لافتقاد الآلية والبيئة المناسبة لهذا الاستثمار بالنسبة لهم.

ويشير شاهين -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه بالرغم من الفارق الكبير بين البيئة المصرية والأميركية لصالح الأخيرة، فإن حجم التعامل بتلك العملات بالنسبة للأميركيين لا يزال محدودا وقليلا، لما يكتنف هذه العملات من تذبذب وعدم استقرار.

المصدر : الجزيرة