مذكرات "الحكيم" جورج حبش ترى النور بذكرى رحيله

غلاف كتاب صفحات من مسيرتي النضالية/جورج حبش/فلسطين/مواقع التواصل

عمران عبد الله

في الذكرى الـ11 لرحيل القائد الفلسطيني والعربي جورج حبش (توفي في 26 يناير/كانون الثاني 2008) أصدر مركز دراسات الوحدة العربية مذكراته مؤخرا تحت عنوان "صفحات من مسيرتي النضالية" يحكي فيها تجربته النضالية التي امتدت لما يقارب نصف قرن.

وجورج حبش أو الحكيم كما كان يلقب دائما هو مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة القوميين العرب واعتبرت وفاته على فراشه فشلا لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي لم يتمكن من اغتياله، إذ لم يتوقف منذ النكبة وحتى وفاته عن النضال لتحرير فلسطين من الاحتلال، وكان يرى نفسه "إسلامي التربية، مسيحي الديانة، اشتراكي الانتماء".

وصدر سابقا عن دار فايار الفرنسية كتاب "الثوار لا يموتون أبدا"، وتمت ترجمته للعربية وصدر عن دار الساقي في بيروت، وهو عبارة عن حوار مطول أجراه حبش في أكثر من مئة ساعة مع الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو في العام الذي سبق وفاته.

ويحكي الحوار المترجم -بحسب مقدمة الناشر- عن "نصف قرن من التشرد والعمل السري، وخلفيات العمليات التي كان وراء الإعداد لها، ومنها خطف الطائرات واحتجاز الرهائن"، وكشف كذلك عن علاقاته المضطربة مع القادة العرب الذين دعموه بالمال والسلاح، وقصص مهمة مثل خلافه مع ياسر عرفات وتجنيد كارلوس من قبل الجبهة.

‪قصة حياة ونضال جورج حبش (2008-1926) تبدو رديفة للمحنة الفلسطينية طوال عقود طويلة‬ (الأوروبية)
‪قصة حياة ونضال جورج حبش (2008-1926) تبدو رديفة للمحنة الفلسطينية طوال عقود طويلة‬ (الأوروبية)

المذكرات الجديدة
وقدمت هيلدا حبش أرملة المناضل الراحل المذكرات التي وصفتها بأنها مرحلة مشرقة من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة.

وقالت هيلدا إن اقتران اسمها ومصيرها بمسيرة رفيق دربها جعلها تعايش الأحداث التاريخية وقصة النضال الفلسطيني عن كثب، ويتعرض الكتاب الجديد لمحاولات الاغتيال والاختطاف والملاحقات التي تعرض لها حبش.

وتضيف هيلدا "وجدت نفسي أمام عظمة هذا الثائر الكبير الذي كرس حياته وقدم عمره لرفع الظلم والقهر والمعاناة عن شعبه وعمل جاهدا لإعادة حقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة إلى دياره التي هجر منها قسرا، لقد اندفعت بكل قوة وإيمان لأكون عونا له في رحلته الصعبة والمعقدة، أشاركه قسوة الحياة وشظف العيش وحياة المنافي والشتات والملاحقات الأمنية من قبل العدو الصهيوني".

وتحكي المذكرات بصراحة وجرأة غير معتادة مسيرة كفاح تبدأ من تاريخ النكبة الفلسطينية التي شكلت وعي جورج حبش مرورا بمرحلة تأسيس حركة القوميين العرب وانطلاق الكفاح المسلح والعمل الفدائي في الخمسينيات من القرن الماضي.

وتتناول المذكرات أيضا علاقة حبش بالرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ودوره في دعم الحركة، ووقوفها ضد الاستعمار البريطاني في اليمن الجنوبي.

وتناول حبش بالتفصيل خلافه مع الزعيم ياسر عرفات، وكذلك مرحلة وجود الثورة في الأردن وخطف الطائرات والمعارك مع الجيش الأردني وخروج المقاومة إلى لبنان.

كما تناول أحداث الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت وصمود الحركة الفلسطينية والتحالف مع الحركة الوطنية اللبنانية، معتبرا "التنازلات المجانية" التي قدمت لإسرائيل من قبل القيادة الفلسطينية في اتفاقيات أوسلو غير مبررة، واعتبر أن إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني كان خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، مؤكدا أن اتفاقية أوسلو لا تلبي الحد الأدنى من الطموحات الوطنية.

وتناول حبش كذلك تاريخ الجبهة الشعبية وتأسيسها وإستراتيجيتها السياسية والتنظيمية التي كتبها في الأردن من داخل القواعد العسكرية حينها، وقدمها إلى المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الذي انعقد في الأردن عام 1969.

واشتمل الكتاب كذلك على وثائق المؤتمرات التالية للجبهة التي انعقدت في الجوار الفلسطيني ونظامها الداخلي، وأخيرا وثائق المؤتمر السادس للجبهة الشعبية الذي استقال فيه حبش من رئاسة الجبهة.

وشكلت الصفحات التي كتبها جورج حبش بخط يده من داخل سجن الشيخ حسن في سوريا عام 1968 نواة هذه المذكرات بحسب هيلدا التي قالت في مقدمة الكتاب إن هناك مسؤولية للوفاء لشهداء حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية بتجميع هذا التراث وتوثيقه والحفاظ عليه حتى لا يتم تزوير التاريخ وتضيع هذه الصفحات الناصعة.

حكيم النضال
تبدو قصة حياة حبش كرواية تاريخ للقضية الفلسطينية، فقد تشكل وعيه مع الدمار والدماء والمجازر والتهجير التي عرفت لاحقا بالنكبة، وعاش حبش مآسيها وتفاصيلها التي شكلت شخصيته النضالية المقاومة.

وكشفت المأساة عن روح حبش الثائرة فانضم مبكرا إلى كتائب الفدائيين العرب ليسترد وطنه المسلوب وأرضه التي تم تهجيره منها.

ولد حبش عام 1926 في مدينة اللد لعائلة من الروم الأرثوذكس وهاجر من فلسطين قسرا في أعقاب حرب 1948 متوجها إلى لبنان، وفيها تخرج طبيبا من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1951 في تخصص طب الأطفال، وعمل في مجال دراسته بالعاصمة الأردنية عمان والمخيمات الفلسطينية، ثم استقر في دمشق عام 1982 ثم عاد واستقر في الأردن منذ عام 1992.

أسس حبش -الذي ظل معارضا لمحادثات السلام مع إسرائيل طوال حياته- حركة القوميين العرب عام 1952، ثم أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 وظل أمينها العام إلى أن استقال منها عام 2000 نظرا لظروفه الصحية ليتولى قيادتها أبو علي مصطفى الذي اغتالته إسرائيل عام 2001.

وتؤمن حركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -التي أسسها حبش- بالكفاح المسلح لاسترجاع الأرض، وقد نفذت عمليات عدة لاختطاف طائرات غربية في أواخر الستينيات والسبعينيات لإلقاء الضوء على القضية الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة