"كوابيس مرحة".. قصص تونسية تكسر المألوف

غلاف كوابيس مرحة

الصحبي العلاني-تونس

بعنوان يجمع بين المتناقضات، وبأسلوب متحرّر من أثقال البلاغة القديمة، صاغ الكاتب التونسي وليد سليمان في مجموعته القصصية الجديدة "كوابيس مرحة" عوالم سرديّة تبدو بسيطةمألوفة ولكنّها في العمق استثنائية بطعم المفاجأة لأنها قائمة على سرد تجريبي يستدرج القارئ ويورّطه في لعبة اسمها "قصوص".

فقد خالف سليمان المألوف وجعل من الكوابيس، التي تقترن في سائر اللغات والثقافات بالصور المزعجة والخيالات المفزعة والأشباح التي تقض المضاجع، مصدرا للمرح وينبوعا للبهجة، معتمدا في ذلك شتّى وسائل المخاتلة السردية.

فالكاتب يطلق من غلاف الكتاب وفي ما يشبه الخداع البصري، على منجزه السردي تسمية "قصوص" التي يظنّ الناظر للوهلة الأولى أنها "نصوص"، وهي -وفق كلام سلميان- كلمة "مبتدعة منحوتة تجمع بين جذرين في اللغة العربيّة: جذر (ق.ص.ص) وجذر (ن.ص.ص) هدفها البحث عن أفق جديد في الكتابة، بل عن آفاق مستحيلة هي جوهر الإبداع".

بهذه الروح الواقعة في منزلة بين المنزلتين: الممكن والمستحيل، اليقظة والمنام، الحقيقة والوهم، المعقول واللامعقول، يأخذنا سليمان إلى عوالم سرديّة من أبرز ما يلفت الانتباه فيها أنها تنوّع طرق المعالجة وصيغ التناول وزوايا النظر ضمن آفاق تعكس معرفة عميقة بالأدب العالمي وخاصة في أقصوصتي "المكالمة" و"الشخصيات المتمردة".

سليمان: أبحث عن أفق جديد في الكتابة بل عن آفاق مستحيلة هي جوهر الإبداع (الجزيرة)
سليمان: أبحث عن أفق جديد في الكتابة بل عن آفاق مستحيلة هي جوهر الإبداع (الجزيرة)

معادلة صعبة
كما أن الكاتب جسد في عمله السردي تفاعلا حيّا مع راهن الواقع السياسي في تونس كما هي الحال في أقصوصتي "حكومة الأنوف الطويلة" و"وزارة الشؤون الميتافيزيقية".

وعن هذه التجربة، يقول الناقد رضا بن صالح في حديث للجزيرة نت إن نص وليد سليمان "صاغ معادلة صعبة وأسّس توازنا عزيزا بين التجريب هويةً تاريخية والسرد ماهية أجناسية. فكانت نصوصه مكتسية بلبوس ما بعد الحداثة".

لكنّ طرافة "قصوص" وليد سليمان لا تتوقّف عند هذا المستوى، بل تتجاوزه إلى اقتراح حلول غير مألوفة لمعضلة ترويج الكتاب في تونس.

في ثمانينيات القرن الماضي كانت دور النشر التونسية تسحب من العنوان الواحد ثلاثة آلاف نسخة. ولكنّ كساد سوق الكتاب دفعها اليوم إلى الاكتفاء بخمسمئة نسخة مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع ثمن التكلفة ومن إثقال كاهل القارئ الذي أصبح "عملة نادرة".

رضا بن صالح: نصوص وليد سليمان تكتسي لبوس ما بعد الحداثة(الجزيرة)
رضا بن صالح: نصوص وليد سليمان تكتسي لبوس ما بعد الحداثة(الجزيرة)

قهوة وكتاب
أمام هذه الحقائق المفزعة، اختار سليمان السباحة ضد التيار على أمل أن يجعل من "الكوابيس المرحة" تجربة مغايرة يواجه بها ومن خلالها واقعا صعبا. وفي حديثه مع الجزيرة نت، أشار إلى أنه "تجنّب المرور بمسالك التوزيع التقليدية واستفاد من انتشار المقاهي في البلد لإطلاق مبادرة تحمل اسم "قهوة مع الكاتب".

وعن فحوى هذه المبادرة الطريفة، يوضح سليمان أن الأمر يتعلّق "بفرصة يتاح من خلالها للقارئ أن يحجز -عبر فيسبوك أو الهاتف المحمول- موعدا مع الكاتب يتناولان فيها قهوة يدفع الكاتب ثمنها على حسابه في مقابل أن يقتني القارئ نسخة من منشوراته سواء القديمة أو الجديدة".

ويضيف سليمان أنّه "وأمام نجاح هذه المبادرة، فقد قرر أن يخرج من فضاء تونس العاصمة وأن يقدم كتبه في مدن أخرى عبر المقاهي والمحلات العامة، بعد التنسيق مع القراء عبر شبكة الإنترنت في شكل حفلة متنقلة على اعتبار أن الكتاب حفلة ووليمة عشق تجمع الكاتب والقارئ في حلم مشترك، حلم يتجاوز كل الكوابيس".

وقد أتاحت هذه المغامرة لسليمان أن يروّج في ظرف شهر ما طبع في النسخة الأولى من "كوابيس مرحة" في انتظار طبعة ثانية سيكون معرض تونس الدولي للكتاب مجالا لترويجها.

المصدر : الجزيرة