بين أجيال الأدب المغربي.. استمرارية وقطيعة

المشاركون في ندوة في دار الفنون بالرباط حول الأدب المغربي المعاصر
مبدعون مغاربة في ندوة لبحث علاقتهم بالآباء المؤسسين لتجربة الكتابة الأدبية في المغرب (الجزيرة)

نزار الفراوي-الرباط

التأم أدباء مغاربة للتفكير في علاقتهم بالآباء المؤسسين للكتابة الأدبية في مغرب ما بعد الاستقلال، وجسد المشاركون ثنائية الأدب المغربي الذي يحلق بلغتين العربية والفرنسية، كما عكسوا اختلاف رؤيتهم لوضعية الكاتب في المجتمع وسؤال الأجيال في الأدب المغربي بوجه خاص.

بين القطيعة في أفق بناء تجارب متميزة ومجددة لا تنسخ تراث الأسلاف، والاستمرارية المحققة لفعل التراكم والبناء، تقاطعت مداخلات هذه النخبة التي تتعاطى الشعر والسرد، في إطار ندوة نظمتها دار الفنون مؤخرا في العاصمة الرباط.

يطيب للناقد والروائي عبد الله بيضا المعروف كمبدع بالفرنسية أساسا، أن يتحدث عن استمرارية تجاه عطاءات الجيل المؤسس لا عن قطيعة، ويرفض نزعة "قتل الأب"، لكنه يقر بأن هناك تغيرا في شروط الإبداع.

ويرى بيضا أن الكاتب المغربي الذي ولد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم يعد يقع تحت ضغط التزام سياسي أو أيدولوجي، كان يطغى على هاجس ورؤية الرواد المنخرطين في مقاربة ملتزمة إزاء مجتمع يسعى إلى التحرر والتقدم.

الإبداع المغربي اليوم -يضيف بيضا- أضحى أكثر ارتباطا بالتجربة الشخصية وبانفتاح أكبر، وبالتالي تنوع أكبر في الأساليب والموضوعات، على خلاف حالة التشابه التي رهنت أدب ما بعد الاستقلال بسبب ارتباط الكاتب بالشعور بمسؤولية اجتماعية وتاريخية معينة تجاه الوضعية التي تعيشها البلاد.

جانب من الحضور في ندوة بدار الفنون في الرباط ناقشت علاقة مبدعي اليوم بكتاب الأمس(الجزيرة)
جانب من الحضور في ندوة بدار الفنون في الرباط ناقشت علاقة مبدعي اليوم بكتاب الأمس(الجزيرة)

حوار واستمرارية
بالنسبة لعبد الله بيضا، الحوار مطلوب بين الجيلين، لكنه مطلوب كذلك بين قطبي أدب مغربي موزع بين الإنتاج العربي والفرنكفوني، وهو أمر نادر الحدوث في الساحة الأدبية المغربية، مع أنه مصدر إثراء لهذه الساحة.

الاستمرارية من جيل إلى جيل مسألة راسخة بالنسبة للكاتبة القاصة لطيفة البصير، ليس فقط تجاه رواد الأدب المحلي في مغرب ما بعد الاستقلال، بل أيضا تجاه التراث الأدبي العالمي. وتقول لطيفة "لسنا أبناء اللحظة الراهنة.. أنا أنهل من نصوص سابقة ساهمت في تشكيل صوتي الخاص". وبالنسبة لها "لا ينبع الصوت من الفراغ، وليست هناك كتابة يتيمة، لأن الأسلاف يتركون أثرهم فينا".

تتبنى لطيفة البصير فكرة الهواجس والمشاعر الكونية التي ترخي ظلالها على مجمل التجارب الأدبية في كل مكان، حيث يتحقق شرط الإنسانية المتماثل. تضيف إذن قائلة إن "الأدب لا يحدث قطيعة، لأن هناك استهامات كونية، وبالتالي فالإبداع يتماثل ويتشابه بشكل من الأشكال حتى لو لم نعش نفس الظروف".

سؤال الجيل ذاته يبدو غير ذي معنى بالنسبة لبعض الكتاب المغاربة، ومن بينهم الشاعر رشيد خالص، أحد أبرز الأسماء الراهنة في الشعر المكتوب بالفرنسية، والذي يرى أن الحديث عن أجيال متمايزة باعتماد كرونولوجيا زمنية قد يكون مغلوطا. ويستحضر خالص تجربة الكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المالح، متسائلا: "لقد بدأ إدمون الكتابة في الستين، فهل يحسب على الجيل السابق باعتبار شهادة ميلاده، أم على الجيل اللاحق باعتبار شهادة ميلاد إبداعه؟".

التزام مغاير
ويضيف الشاعر المغربي أن هناك دينامية عامة للأدب المعاصر في المغرب، سمتها رؤية جديدة لمفهوم الالتزام الذي طغى على علاقة القارئ برواد الأدب المغربي، ويتساءل باستنكار "كم منا قرأ نصوص عبد اللطيف اللعبي ذاتها، دون أن يختزل الرجل في التزامه السياسي وسنواته في السجن؟".

عائشة البصري:
الكتاب المغاربة تخلصوا من وصمة التبعية للمشرق.. المغرب لم يعد مجرد قارئ للشرق، بل ينخرط في انفتاح على أقصى التجارب العالمية

ويقول رشيد خالص "ليس لدينا التزام إلا تجاه اللغة والكتابة وتجربة تطويع اللغة". وبجرأة في التعبير أكبر، يخلص إلى القول "لدي صداقات مع نصوص معينة، لكن ليس لي آباء في الأدب".

من جانبها، رسمت الشاعرة والروائية عائشة البصري ملامح لوضع الأدب المغربي الحديث في علاقته بالآباء المؤسسين في المغرب وخارجه، فهي تتحدث عن أزمة تصفها بأنها "خلاقة"، وفوضى تعزى إلى ضعف المؤسسات المحتضنة للشأن الثقافي والإبداعي، وقصور الجامعة والمدرسة في وظيفة التوعية بالقراءة وتكريس صداقة الأدب والكتاب.

في المقابل تبدو متفائلة بالنظر إلى وجود طفرة في النشر بمختلف الأنواع الأدبية وفي إطار تفعيل التنوع الثقافي الوطني الذي يغتني بالأمازيغية واللغات الأجنبية.

مع الجيل الجديد من الكتاب المغاربة، ترى صاحبة رواية "ليالي الحرير" أن "الكتاب المغاربة تخلصوا من وصمة التبعية للمشرق.. المغرب لم يعد مجرد قارئ للشرق، بل ينخرط في انفتاح على أقصى التجارب العالمية".

ومن النقاط المضيئة التي تجدها عائشة البصري جديرة بالانتباه في المشهد الأدبي الراهن، انحسار الهيمنة الذكورية مع ظهور أسماء نسائية وازنة في الرواية والشعر والترجمة، بينما تستمر بعض الظلال المعتمة المرتبطة في نظرها بسؤال الحرية في الكتابة والتعبير، والرقابة بمختلف أشكالها، بما فيها الرقابة الذاتية.

المصدر : الجزيرة