الشعر الفلسطيني المعاصر في أنطولوجيا بالفرنسية

الشعر الفلسطيني المعاصر في انطولوجيا بالفرنسية
undefined
أنطوان جوكي -باريس
 
صدر حديثا عن دار نشر "المنار" الباريسية أنطولوجيا (مختارات شعرية) بعنوان "شعر من فلسطين" وضعها وقدّم لها الشاعر التونسي طاهر بكري، وتتضمن نصوصا جديدة لشعراء فلسطينيين بارزين هم: طارق الكرمي وتميم البرغوتي وباسم النبريص ونجوان درويش وناتالي حنظل وفادي جودة وزكريا محمد وإبراهيم نصر الله وديمة شهابي وغسان زقطان.

واختيار بكري لهؤلاء الشعراء ليس عبثيا، بل يرتكز أولا على قيمتهم الشعرية الأكيدة وأيضا على معرفته الشخصية بهم. ورغم الجانب الذاتي الذي يميّز كل أنطولوجيا، فإن الأسماء الحاضرة في هذا العمل تمثل إلى حد كبير الشعر الفلسطيني المعاصر بمختلف ميوله وأساليبه ومواضيعه.

الشعراء المختارون والذين ينتمون إلى الجيل الذي تلا جيل درويش يترجمون بقوة تعقيد الأوضاع والمسارات وتنوّعها

أما مهمة نقل القصائد المختارة إلى الفرنسية فقد اضطلع بها بكري بشكل رئيسي، بالتعاون مع جليل الغربي وجان غيلوانو وجان ميغرين وماري كلير بوجو. وتنمّ الترجمات عن أمانة وفن كبيرَين يجعلان من قراءتها متعة حقيقية. وما يعزّز قيمة هذه الأنطولوجيا تضمّنها نبذة وافية عن حياة كل من الشعراء المختارين في خاتمتها، نتعرف فيها على أبرز محطات مساره وخصوصيات شعره وآخر إصداراته.

وفي معرض تقديمه لهؤلاء الشعراء وللشعر الفلسطيني عموما، يقول بكري "منذ فدوى طوقان، وقبلها الشاعرة اللبنانية الفلسطينية مي زيادة- ملهمة جبران خليل جبران- مرورا بالشاعر الكبير محمود درويش وشريكه سميح قاسم، ما برح الشعر الفلسطيني يشكّل روح وصوت شعب أدماه ظلم التاريخ..".

وفي هذا السياق، يرى بكري أن الشعراء المختارين والذين ينتمون إلى الجيل الذي تلا جيل درويش يترجمون بقوة تعقيد الأوضاع والمسارات وتنوّعها، علما بأن الإرادة بقيت هي نفسها -كما يقول- من خلال "الدفاع عن الهوية الفردية والجماعية، والانتماء إلى التعبير الشعري والأدبي الحديث، ما وراء الانفصامات والمدارس والحركات".

وقد منح هؤلاء الشعراء الأولوية إلى هاجس تقديم عمل شعري بصوت فريد -كما يقول بكري- بدون أن يعني ذلك التخلي عن قضية أبناء شعبهم "فتأكيد الكائن لذاته لا يبتعد إطلاقا عن الانتماء الجماعي، حتى حين يرتكز هذا الأخير على رؤى وعقائد مختلفة وأحيانا متضاربة".

كان من الممكن إضافة أصوات شعرية أخرى إلى هذه الأنطولوجيا لفرط امتزاج جمال نشيد الحب والحرية فيها بجمال العالم ومشاركته في الحداثة الشعرية الدولية وتعبيره عن شواغل البشر

ويلاحظ بكري أن الشعر الفلسطيني يُكتب داخل فلسطين وخارجها، في بلدان الشتات بجميع أنحاء العالم، سواء بالعربية أو لغات أخرى، مستنتجا على هذا الأساس "تشابكات قصص ولغات وحيوات يعود بها كل شيء إلى المصدر الأول: الأرض المسلوبة".

ومن هذا المنطلق، يعتبر بكري أنه "كان من الممكن إضافة أصوات شعرية أخرى إلى هذه الأنطولوجيا لفرط امتزاج جمال نشيد الحب والحرية فيها بجمال العالم ومشاركته في الحداثة الشعرية الدولية، وتعبيره عن شواغل البشر وتأكيده لكرامتهم وحاجتهم إلى العدالة ودعوته إلى احترامهم" مهما كان انتماؤهم أو هويتهم.

ويختم بكري مقدمته بتأكيده أن جميع هؤلاء الشعراء يعبّرون بإنسانية عن حاجتهم إلى العدالة، بدون كراهية أو عنف، أحيانا بطرافة، أو بالأحرى بسخرية وتهكم، ويطالبون بحياة بسيطة،  بلا حرب ولا احتلال، وبحقّهم في العيش أحرارا، في سلام بين أهلهم وعلى أرضهم.

ورغم حجم المأساة وعنف اليأس اختارهؤلاء الكلمة الشعرية ليقولوا كينونتهم، فالقصيدة فعل حضاري -كما يقول بكري- وهذا الكم من العذاب يجعل قصائدهم "تقول الحاجة إلى الحب والجمال ويجعلهم يكتبون انتباههم إلى العالم وإلى واقعه الذي لا يُطاق، ويحلمون بعالم ممكن لا بد من تشييده كطوباوية مشتركة، بلا عجرفة ولا كذب".

المصدر : الجزيرة