المخرجة المغربية فاطمة أكلاز تكشف أسرار "اللغم الأخير"

واقعية فاطمة أكلاز تجعل من عنصر الواقع مفهوما إجرائيا للتوغل في مسار شخصياتها وفهم سيرها وطرق تفكيرها

مشهد من فيلم "الراعية" للمخرجة فاطمة أكلاز (مواقع التواصل)

بدأت المخرجة السينمائية المغربية فاطمة أكلاز من المسرح كممثلة ومؤلفة، قبل أن تدخل غمار الإخراج السينمائي، الذي اجتاح كيانها في لحظة من مسارها الفني. وراكمت فيه عدة أفلام قصيرة منها: "لعبة الحبل، الراعية، الوشم، العصا" إذ تحرص على أن تجعل من أفلامها مختبرا للواقع المغربي وما يحمله من مآزق وشروخ وتصدعات، هي في مجملها تعبير صارخ عن الواقع المتناقض اجتماعيا.

غير أن واقعية أكلاز تجعل من عنصر الواقع مفهوما إجرائيا للتوغل في مسار شخصياتها وفهم سيرها وطرق تفكيرها، لأن الخيال يظل العنصر المهيمن الذي يلحم مختلف أنماط صورها السينمائية المتشابكة مع الواقع لا لتفسيره، وإنما لنقده وتعريته وتفكيك ما يحمله من مثيولوجيات عقيمة تعرقل مسار ونمو هذا الواقع وتجعله يتنطع في أن يغدو واقعا مختلفا.

بمناسبة تصوير فيلمها الوثائقي الجديد "اللغم الأخير"(2021) كان للجزيرة نت هذا الحوار الخاص مع المخرجة المغربية فاطمة أكلاز:

  • من التمثيل المسرحي إلى الإخراج السينمائي. كيف تُفسّرين هذا الانتقال من فنّ الركح (المسرح) صوب عالم الصورة ومُتخيّلها السينمائي؟

المسرح كان منطلق تجربتي الفنية. وقد كان للسينما دور كبير في حبي للمسرح. منذ طفولتي المبكرة، ولجت دار سينما الصحراء في عين الشق بمدينة الدار البيضاء، الحي الذي ولدت ونشأت فيه. كان خالي الذي تربى معنا، بمثابة أخينا الأكبر وهو الذي كان مسؤولا عن اصطحابنا لمشاهدة الأفلام.

وحين نعود اعتدنا، نحن الصغار أن نقلد الأدوار التي كنا نشاهدها، أو نشتغل على أدوار نوزعها فيما بيننا ونؤديها لشغل أوقات فراغنا بمتعة لا تضاهى، هكذا تولد الشغف وبدأ يتغذى بتجربتي في المعهد وتجارب لاحقة في دار الشباب و في معمل الأبحاث المسرحية بالبيضاء وفي الأندية السينمائية، وجمعية الحياة الثقافية بالفقيه بن صالح. ودخولي عالم الإخراج السينمائي لم يكن بمحض الصدفة ولكنه كان تتويجًا لدراستي للسينما والإخراج، وتراكم تجربتي في مجال المسرح.

  • أول شيء يثير الدهشة في أفلامك السينمائية القصيرة هو اهتمامك الدائم بالاشتغال على حكايات واقعية مغربية بامتياز. كيف جاء التفكير في هذا المنزع الواقعي في أفلامك؟

الحديث عن الواقعية في أفلامي لا يعني استنساخ الواقع طبعًا ولكن الواقعية بالنسبة لي تعني أن يكون للمتخيل في عملي مصداقية، حتى وإن كان حظ الخيال جامحًا أحيانًا وهذا يعود لاختيار سيناريوهات أغلبها لكاتب اعتز بالعمل معه وكان باستمرار محفزا لي على العمل، وهو المؤلف نجيب عبد اللطيف ومن المخرجين الذين ألهموني روبيرتو روسليني وفيتوريو دي سيكا وعباس كيارستمي ويوسف شاهين وآخرون، وما زلت أتلمس طريقي لخلق بعد شاعري في تجربتي المتواضعة. وهذا طموح أصبو إليه بقوة في القادم من أعمالي.

  • ما موضوع الفيلم وما دلالاته بالنظر إلى التحوّلات التي طاولت المغرب في الآونة الأخيرة سياسياً واجتماعياً؟

الفيلم الوثائقي "اللغم الأخير" -والذي حظي بدعم المركز السينمائي المغربي والذي أستعد لتصويره الأيام القادمة بمنطقة الصحراء المغربية- يتمحور حول ضحايا الألغام، سواء منهم الأحياء الذين يعيشون بعاهات مستديمة أو من قضوا نحبهم جراء انفجار لغم. وكل هؤلاء يستحقون التفاتة، بعيدًا عن أيّة دعاية فجة.

  • هل الفيلم الوثائقي قادر على تفكيك الواقع أكثر من الروائي؟

الحدود بين الوثائقي والروائي بدأت تتلاشى أكثر فأكثر، وتتداعى يومًا بعد يوم مع تجارب رائدة في مجال السينما، وبالتالي، فكون الوثائقي أكثر حفرا ونقدًا وتفكيكا لميكانيزمات الواقع، فهذا أمر فيه نظر. ثم هل مطلوب من السينمائي تفكيك الواقع ونقده؟ حينما ينتقي المخرج في الوثائقي أشياء من الواقع ويتجنب أشياء أخرى، فهو حينذاك يعمل على تكوين واقع آخر، على حد تعبير (الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز) "فنحن لا نصور إلا لكي نعدل" ألا يعني التعديل اقتراح واقع مفارق لما نعرفه؟ ألا تكون مهمة الفنان بناء الواقع وفق رؤية جديدة وغير مألوفة؟ أليس من حق الفنان أن يهدم دون أن يبني؟

المخرجة المغربية فاطمة أكلاز (مواقع التواصل)
  • ما موضوع الفيلم وما دلالاته؟

أحبذ قبل الإجابة عن السؤال أن أشير إلى أن موضوع فيلم "اللغم الأخير" لم يسبق أن تطرق إليه أحد من السينمائيين المغاربة، بل أوّل من تحدث عنه هو بعض الجرائد اليومية الوطنية والتي قاربت الموضوع سياسيا أكثر منه مأساة إنسانية.

في حين لاحظت وأنا أبحث عن معطيات تغني السيناريو، الذي كتبه أحد أبناء الصحراء وهو عمر ميارة، أن أقول إنني وقفت على شيء خطير يمس بالقضية في شموليتها وهي أن أطرافا إيطالية بتواطؤ مع المرتزقة أنجزوا فيلما غايته المتاجرة بمآسي الناس وأحزان الضحايا. فيلم يفتقر للغة السينمائية وتطغى فيه لغة التحريض والاستعداء.

من هنا تولدت لدي قناعة وهي أن الموضوع لابد أن يتخذ بعدا إنسانيا إذا أردنا أن يكون بالغ التأثير، لأن الالغام المضادة للأشخاص محرمة دوليا، والترافع من أجل محاربتها تناولتها أفلام سينمائية عالمية مثل فيلم أرض الألغام وغيره. هذا ما يعطى للمشروع الذي أنا بصدده معنى ومبرر وجود.

  • كيف يُمكن للوثائقي في نظرك أن يُحرّر مُخيّلة الناس للانتباه إلى ما يحدث في مجتمعاتهم؟

سأرد على هذا السؤال بالإشارة أولا إلى ما كان يقوم به الاستعمار في الأربعينيات من القرن الماضي، بعد تأسيس المركز السينمائي، إذ كان يرسل في طلب تسجيلات من أجل توثيق منجزات الاستعمار والطواف في أرجاء البلاد لنقل صور عن واقع مغرب الاستعمار ومزاجه الشعبي الذي يظهر فيه المغاربة في مزاج متناغم مع الاستعمار، ومما يزيد من قوة الدعاية لذلك.

من هنا نقول إن الأفلام التسجيلية هي التي تنحو منحى تحريك مخيلة الناس من أجل التماهي مع ما تريده الأشرطة المنجزة. أما السينما التي أراها على صواب فهي التي تثير السؤال وتدعو ذكاء المتلقي لإنتاج المعنى وبعث القلق بداخله.

  • ماذا عن خلفيات التصوير في زمن الحجر الصحي؟

المعروف اليوم أن كل من لديه مشروع حصل على الدعم، تمكن من إنجاز فيلمه، وأنا بدوري، رفقة شركة الإنتاج المسؤولة عن التنفيذ، سوف أحضر في مدينة السمارة، تزامنا مع حملة دعائية لجمعيات تعمل في مكافحة الألغام. وتلك مناسبة مهمة تتيح لي التقاط همسات الناس وأحاسيسهم ومواجع وفواجع الضحايا الذين أصبح بعضهم من رواد مهمة الدفاع عن الضحايا وطرح قضيتهم أمام المسؤولين والرأي العام. وطبعا سيتم التصوير وفق الشروط الاحترازية في ظل جائحة كورونا.

المصدر : الجزيرة