"التعديل".. مسلسل وثائقي على نتفليكس يكشف عن الوجه المظلم للدستور الأميركي

هناك كثير مما لم يذكر في الدستور الأميركي.. لكن التاريخ لا ينسى آلام الملايين الذين عانوا العنصرية على الأراضي الأميركية.

أحداث المسلسل الوثائقي تحكي عن التعديل الـ14 في الدستور الأميركي (نتفليكس)

بدأت شبكة "نتفليكس" (Netflix) أخيرا عرض المسلسل الوثائقي "التعديل: حرب أميركا" (Amend: The Fight for America)، وهو من 6 حلقات يقدمها الممثل الأميركي الأسمر الشهير ويل سميث، وظهر فيها مجموعة من أهم نجوم هوليود مثل صامويل جاكسون ومهرشالا علي وبيدرو باسكال وديان لين، فضلًا عن مؤرخين وعاملين في مجال الحقوق المدنية.

البطل: التعديل الـ14

أحداث المسلسل الوثائقي تحكي بصورة محددة عن تعديل البند الـ14 في الدستور الأميركي، وهو التعديل الذي ينص على أن أي شخص يولد على الأرض الأميركية هو مواطن أميركي وله حقوق مساوية لحقوق بقية المواطنين، لكنه رغم هذه الكلمات الواضحة فقد كلف التعديل دماء آلاف الأميركيين، وأكثر من قرن من الزمان حتى يتم استخدامه بصورة حقيقية وفعالة، ولا يزال المجتمع الأميركي حتى الآن يسعى بشكل حثيث إلى تطبيقه بصورة أكثر عدالة.

ولفهم أهمية هذا التعديل رجع المسلسل إلى بدايات الدستور الأميركي الذي كُتب بعد الاستقلال عن بريطانيا، وأهمل تماما حقوق أصحاب الأعراق المختلفة القاطنين في الولايات المتحدة، وكذلك حقوق النساء، ومن ثمّ ما لم يكن الشخص ذكرا أبيض فلا حق له في التصويت أو في أي من الحقوق الدستورية الأخرى، فضلًا عن شيوع العبودية في الولايات المتحدة في تلك المرحلة.

كشف المستور

واحدة من السرديات التاريخية الشهيرة جدا عن الحرب الأهلية الأميركية أنها قامت بهدف تحرير العبيد، وأن الرئيس أبراهام لينكولن الذي وقّع على التعديل الـ14 من الدستور الأميركي من أهم مناصري أصحاب الأصول الأفريقية.

لكن المسلسل، وعبر تتبع التاريخ، فضح هذه السردية، ووضع الأمور في نصابها الحقيقي، فالرئيس لينكولن هدفه الأساس من الحرب كان استعادة الولايات الجنوبية التي حاولت الانفصال عن سيطرته، وقد كان في البداية رافضا فكرة تحرير العبيد أو إمكانية حصولهم على حقوق مساوية للبيض، لكنه بعد سقوط كثير من القتلى في الحرب، اضطر إلى الموافقة على تجنيد أصحاب الأصول الأفريقية فأصبحت حقوقهم على طاولة المفاوضات، وأتى التعديل الـ14 نتيجة منطقية للتضحيات التي قدموها في الحرب الأهلية التي استنزفت البلاد سنوات عدة.

والأهم أن تحرير العبيد والتعديل الدستوري الـ14 أضفى على هذه الحرب قيمة أخلاقية ضرورية، وفي التاريخ كُتب أن الأميركيين حاربوا بعضهم بعضا لتحرير العبيد، وليس للسيطرة الاقتصادية.

السعي وراء الوهم

وأثبت المؤرخون الذين ظهروا في حلقات المسلسل الوثائقي أن التعديل الـ14 أو غيره من الخطابات الثورية في حقوق الأقليات بالولايات المتحدة ما هي إلا أوهام، كتابتها أسهل من تحقيقها على أرض الواقع بكثير.

فعلى الورق انتهت العبودية على يد لينكولن، ثم سرعان ما ظهرت صيغ أخرى لها، على هيئة قوانين لا تسمح لأصحاب الأصول الأفريقية سوى بالعمل في أعمال محددة، ودفع ضرائب جائرة، وعدم التعلم في مدارس البيض، وتجريم زواج أي شخص أبيض من ملوّن، وظهرت بعد ذلك قوانين الفصل العنصري، بالإضافة إلى جماعة كو كلوكس كلان العنصرية التي كان هدفها التنكيل بكل من تسوّل له نفسه من السود الاقتناع بأن له حق المساواة بالفعل.

قرن مضى بالفعل بعد إعلان التعديل الـ14 من الدستور من دون أن يحصل أصحاب الأصول الأفريقية على أي مكتسبات حقيقية، حتى ظهر مارتن لوثر كينغ الذي استغله الساسة على رأسهم الرئيس كينيدي للحصول على أصوات السود، لكنه بالكثير من المقاومة استطاع إسقاط قوانين الفصل العنصري على الأقل.

ليس أصحاب الأصول الأفريقية وحدهم

لم يستهدف المسلسل فضح الجرائم ضد أصحاب البشرة السمراء فقط في الولايات المتحدة، بل قسمت الحلقات لمتابعة القضايا الأخرى المهمة التي يعاني أصحابها الظلم نفسه، مثل السيدات اللواتي لم يعتمد حتى اليوم قانون المساواة الخاص بهن، أو الآسيويين خاصة الصينيين الذين اتهموا بأنهم يسرقون وظائف الأميركيين، وكانوا يُرحّلون بصورة عنيفة على مدار سنوات، أو المكسيكيين الذين استُقطبوا كعمالة رخيصة بديلة لأصحاب الأصول الأفريقية، ثم تم التخلص منهم بعد بنائهم عائلات وحياة في الولايات المتحدة على مدار عقود، أو المسلمين أو ذوي الأصول العربية الذين وُصموا بالإرهاب من غير ذنب.

صنّاع المسلسل الوثائقي لم يكن هدفهم الإساءة لسمعة بلادهم، لكنهم يرغبون فقط في الالتزام بالوعد في الدستور الأميركي الذي يقول إن كل المواطنين متساوون، والذي كتب منذ وقت طويل جدا، لكن تنفيذه على أرض الواقع لا يزال مستحيلا ليس فقط بسبب السياسيين، بل بسبب شريحة كبيرة من المواطنين الذين يعيشون في القرن الـ21 لكن بأفكار قرون مضت، خاصة مع إعادة كتابة بعض موضوعات التاريخ بطريقة تشوّه الحقائق.

وبالنسبة للمشاهد العالمي يعدّ المسلسل فرصة طيبة لإلقاء الضوء على التاريخ الحقيقي للولايات المتحدة بعيدا عن الصورة الوردية المصدرة عن الحياة فيها، وكذلك فرصة لإعادة التفكير في تاريخ كل بلد إذ يحمل بالفعل سرديات غير حقيقية لكنها متفق عليها.

المصدر : الجزيرة