المغرب.. مسارح مغلقة ومهرجانات متوقفة ومعاناة فنية

يطالة فنية.. فنانون مغاربة يعانون سوء الأوضاع الاجتماعية بعد إغلاق المسارح وقاعات السينما في ظل جائحة كورونا

الفنانون يطالبون بعودة الحياة الفنية إلي طبيعتها بعد إغلاق المسارح وقاعات السينما بسبب كورونا (بيكسابي)

"الناس تحارب كورونا وأنا أحارب كورونا والفئران" كانت تلك كلمات الممثلة المغربية عائشة ماهماه خطتها ضمن تدوينة طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي تصف فيها سوء وضعها الاجتماعي، وتطلب فيها من متابعيها مساعدتها لإيجاد سكن جديد.

وتعيش عائشة في بيت غير لائق، كما تقول، بعد فشل محاولاتها للانتقال إلى بيت مناسب بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجار المرتفع إثر توقفها عن العمل منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد في مارس/آذار الماضي.

كما دخل المخرج المغربي والسيناريست محمد إسماعيل الصيف الماضي المستشفى بعد وعكة صحية أفقدته الحركة والنطق، وما زال إلى اليوم يرقد في العناية المركزة بإحدى مصحات الدار البيضاء في انتظار إجراء عمليات جراحية له.

وقالت زوجته لموقع القناة الثانية إنه عاش أزمة نفسية جراء مشاكل إنتاجية تتعلق بفيلمه الأخير حيث تأثر مشروعه السينمائي بتداعيات كورونا وبالمساطر المعقدة للدعم المالي.

ووجد فنانون مغاربة أنفسهم في حالة بطالة بعد توقفهم عن العمل منذ ما يقارب السنة بسبب تدابير الطوارئ الصحية التي أغلقت دور العرض وقاعات السينما والمسارح، ومنعت الحفلات والمهرجانات وغيرها من التجمعات.

بين انفراج وإغلاق

وانفرجت الأوضاع في يونيو/حزيران الماضي حين سمحت السلطات المغربية بالعودة إلى مواقع تصوير المنتجات السينمائية والسمعية البصرية ضمن إجراءات التخفيف التدريجي للحجر، واستأنف صناع الدراما منذ ذلك الحين تصوير أعمالهم المتوقفة ومسلسلات درامية جديدة.

غير أن القاعات السينمائية والمسارح ودور العرض ظلت مغلقة، والمهرجانات والحفلات والتظاهرات الفنية ممنوعة إلى أجل غير محدد، مما فاقم الأوضاع الاجتماعية للفنانين المغاربة خاصة أولئك الذين يعملون في العروض الحية.

ويقول رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين للجزيرة نت إن الفنانين واجهوا هذه الأزمة بالتضامن فيما بينهم، لكنه استدرك "إلى متى سيستمر هذا التضامن؟".

وأطلق فنانون حملات ووقعوا عرائض دعوا فيها إلى عودة الحياة الفنية لطبيعتها مع احترام التدابير الاحترازية على غرار أنشطة اقتصادية أخرى، مشيرين إلى حجم الضرر الذي لحق الفنانين من جهة والمواطنين الذين حرموا من حقهم في الثقافة والفن من جهة أخرى.

ويوضح بوحسين أن النقابة التي يرأسها استنفدت كل الطرق التي يمنحها لها القانون لإيصال صوت الفنانين للجهات المسؤولة ومعاناتهم بسبب استمرار التوقف.

مسرح أونامير بالمغرب أغلق أبوابه بسبب جائحة كورونا (الجزيرة)

دعم لم يصل للجميع

ورصد وزير الثقافة خلال تقديمه ميزانية وزارته أمام البرلمان عددا من التدابير التي برمجت العام الماضي لمواجهة انعكاسات الجائحة على القطاعات السينمائية، من بينها صرف دعم مالي استثنائي للقاعات السينمائية المتضررة، وآخر للمهرجانات السينمائية التي تم إلغاء دوراتها، غير أن هذا الدعم كان خاصا فقط بالفترة ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران من العام الماضي، ولم يُجدد في الأشهر التي تليها رغم استمرار إغلاق الفضاءات الفنية.

وأعلنت وزارة الثقافة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي صرف دعم استثنائي للفنانين، إلا أن النقابات الفنية عبّرت عن خيبتها من نتائج الدعم التي لم تستجب -بحسبها- للظروف الاستثنائية التي يعيشها المجال، وانتقدت ضعف الدعم المالي المرصود بالنظر لعدد العاملين في كل مشروع فني والذين أغلقت في وجوههم إمكانية العيش الكريم.

ويرى بوحسين أن هذا الدعم الاستثنائي هو دعم لمشاريع فنية بعينها ولم يستفد منه جميع الفنانين، كما أن مبالغه محدودة وتصرف على دفعات، ومساطر صرفه معقدة، إذ لم يبدأ صرف الدفعة الأولى منه إلا في وقت متأخر في وقت عاش فيه الفنانون حالة توقف وانتظار لمدة قاربت السنة.

ويبقى استكمال صرف هذا الدعم الاستثنائي الذي خصص لعدد من العروض المسرحية والموسيقية والتشكيلية، رهينا بعرض هذه المشاريع الفنية، في وقت لا تزال فيه دور العرض مغلقة.

ويقول بوحسين إن "الدعم الاستثنائي واستئناف تصوير المسلسلات التلفزيونية لم يحلا الأزمة الاجتماعية التي يتخبط فيها الفنانون لأن الفن ليس هو المسلسلات فقط".

ويضيف أن الوقت حان للقيام بمبادرات حقيقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشيرا إلى أن استمرار تجاهل هذا الوضع سيزيد الأمر سوءا وسيؤثر مستقبلا على الصناعة الفنية والثقافية بالبلاد.

جمهور أحد مسارح المغرب قبل جائحة كورونا (الجزيرة)

الصدى في البرلمان

ووصل صدى صرخات الفنانين المغاربة إلى البرلمان المغربي، وقالت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية أمينة فوزي زيزي للجزيرة نت إنها أثارت الوضعية السيئة التي بات يعانيها العديد من الفنانين في ظل إجراءات حالة الطوارئ الصحية، ودعت إلى وضع خطط لإنهاء هذا الوضع خلال لقاءات برلمانية مع وزير الثقافة.

وترى أمينة أن المدخل الحقيقي لتحسين أوضاع الفنانين وتجاوز هشاشة الصناعة الفنية يمر عبر القوانين، معتبرة "مشروع قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي سيناقش قريبا في لجنة التعليم والثقافة في البرلمان من شأنه إحداث طفرة حقيقية في حياة الفنانين الاجتماعية".

وتوضح أن بعض التعديلات المقترحة في هذا المشروع ستمكن الفنانين من الحصول على تعويضات في كل مرة تعرض فيها أعمالهم على القنوات والإذاعات، عوض ما يحدث حاليا، إذ إن أعمالهم تعرض لعدة مرات ولا يستفيد القائمون عليها والمشتغلون فيها من أي تعويض على إعادة العرض.

ورغم أن فتح المسارح وقاعات السينما وتنظيم المهرجانات والحفلات مستبعد في المدى القريب، حسب ما نقلت وسائل إعلام مغربية عن مصادر من وزارة الثقافة، فإن الفنانين مصرون على رفع أصواتهم للمطالبة بعودة الحياة الفنية إلى طبيعتها، فبحسبهم ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل تحتاج روحه إلى الإبداع والثقافة والفن.

وفي انتظار تأجج شعلة الفن من جديد وفتح أبواب الحياة أمام المسارح وقاعات السينما، لا يملك المبدعون من الرجال والنساء سوى الصمود والتضامن سلاحا في مواجهة الأزمة.

المصدر : الجزيرة