زكريا أحمد.. خلع عمة المشيخة من أجل الموسيقى ولاحق أم كلثوم في المحاكم

الملحن المصري الراحل زكريا أحمد
دراسة زكريا أحمد لتجويد القرآن الكريم أكسبته ملكة في التلوين المقامي (مواقع التواصل)

هو شيخ الملحنين وزعيم المنشدين وأحد أعلام الموسيقى العربية، إنه زكريا أحمد الذي يمر على ذكرى ميلاده 125 عاما، ورغم ذلك لا يزال حاضرا بقوة بأعماله وموسيقاه التي قدمها عبر رحلته الفنية.

اشتهر بتقديم ألحان شرقية أصيلة، تميزت بالخفة والبساطة، مثل طقطوقة "ارخي الستارة اللي في ريحنا" التي قدمها لمنيرة المهدية، وغنى بصوته "يا صلاة الزين على عزيزة" فعرفت عنه سلاسة ألحانه.

وتعتبر أعمال زكريا أحمد جسرا ممتدا بين القرنين 19 و20، حيث ولد عام 1896 وتوفي عام 1961 بعد أن عاصر أجيالا مختلفة.

خلع العمامة من أجل الموسيقى

كان والده أحمد حسن حافظا للقرآن الكريم ويحب سماع التواشيح، وهو ما أكسب زكريا أحمد الحس الموسيقي منذ طفولته، وكانت والدته من أصول تركية وتجيد الغناء التركي.

قرر الوالد أن يلتحق ابنه بالأزهر، إذ كان يرغب في أن يتجه نحو المشيخة والعلوم الدينية، وهو ما جعل زكريا أحمد يبدأ في الكتاب قارئا ومنشدا، واكتسب من خلاله لقب "الشيخ" حيث كان يرتدي وقتها "العمة" (العمامة) الخاصة بالمشايخ، لكن شغفه وانجذابه كان للموسيقى، فقد حرص على حضور وسماع عبده الحامولي والشيخ سلامة حجازي، وقرر أن يدرس الموسيقى مع الشيخ درويش الحريري الذي ألحقه بالشيخ علي محمود وقتها.

كما كان يحرص على حضور حفلات عبده الحامولي والشيخ سلامة حجازي، وكان يشتري كتب الأغاني والموشحات والموسيقى مما أزعج والده الذي عنّفه بشدة، فما كان من زكريا إلا أن ترك المنزل، خاصة أنه كان قد بدأ يعاني من قسوة زوجة الأب بعد وفاة والدته، وهو ما أثر عليه لاحقا، حيث كان متعلقا بزوجته "هانم" وأبناءه وحريصا على حياته الأسرية بسبب معاناته وهو صغير.

ورث زكريا أحمد الحس الموسيقي من والده الذي كان محبا للتواشيح (الفرنسية)

التنوع في المقامات

أثرت تلك المرحلة على إمكانياته الصوتية، فدراسته لتجويد القرآن أكسبته ملكة في التلوين المقامي، كما كانت لديه قدرة على الارتجال الغنائي والإيقاعي، وهو ما وظّفه بذكاء الفطري وساهم في ألحانه التي اشتهر بها، حيث لحن 1075 أغنية خلال مشواره.

مغادرة زكريا أحمد منزل والده وهو في بداية مرحلة الشباب، منحته فرصة أكبر ليعيش بين المسارح والحفلات ويسمع ويتعلم، فكان الفن هو ملاذه في تلك المرحلة، وبالفعل ساعده الشيخ علي محمود والشيخ الحريري -وهو في عمر 23 سنة- أن يتقدم لإحدى شركات الأسطوانات وقتها، وبعدها بعام واحد بدأ التلحين للمسرح الغنائي.

كان زكريا أحمد متأثرا بشكل كبير بسيد درويش الذي التقى به في بدايته وأحب المسرح الغنائي من خلاله، وحمل زكريا الراية بعد وفاة درويش فلحن لفرقة علي الكسار ونجيب الريحاني وزكي عكاشة ومنيرة المهندية، فقدم ما يقرب من 500 لحن في 65 مسرحية خلال رحلته الفنية، وكانت الأدوار والحوارات التي يقدمها في المسرح الغنائي تنتقد الوضع الاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري بعد ثورة 1919.

خلاف مع أم كلثوم

علاقة زكريا أحمد وأم كلثوم ممتدة لما يقرب من 30 عاما، منذ استمع لها أول مرة في قرية السنبلاوين، وكان له الفضل في إقناع والدها وشقيقها بضرورة النزوح إلى القاهرة من أجل تقديم حفلات غنائية.

وبعدها تعاونا في العديد من الأغاني الناجحة وتوطدت علاقتهما، فكان الصديق والأخ والزميل بالنسبة لها، وشدت بألحانه "أنا في انتظارك" و"حبيبي يسعد أوقاته" و"أهل الهوى" و"الأولة في الغرام" و"عن العشاق سألوني" و"قولي ولا تخبيش" و"غني لي شوي" و"الأمل لولاه عليا" و"حلم" و"جمال الدنيا" و"الورد جميل" و"هوه صحيح الهوى غلاب"، وأغان حفرت في تاريخ الموسيقى العربية.

لكن تلك العلاقة انقلبت فيما بعد لخلاف شديد نشب بينهما، حيث تعكرت المودة لعدم حصوله على حقوقه المادية عن الألحان التي قدمها لها، ففوجئت أم كلثوم بأستاذها زكريا أحمد يقيم دعوى قضائية يطالبها فيها بمبلغ 43 ألفا و444 جنيها مصريا منها ومن الإذاعة المصرية نظير حقوقه عن الأغاني، وانتهى الأمر بالصلح في قاعة المحكمة، وقال "لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق، وأنا لا أقدر على مواصلة التقاضي مع أعز فنانة إلى نفسي".

مؤسس السينما الغنائية

شارك زكريا أحمد في العديد من الألحان في السينما خلال ثلاثينيات القرن الماضي، فكان صاحب ألحان أول فيلم مصري غنائي عام 1932، وهو فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي غنت فيه المطربة نادرة في أول مشاركة لمطربة في السينما المصرية، بينما مثّل زكريا أحد الأدوار.

ثم عرض عليه العديد من الأدوار، كونه أظهر موهبة في تجسيد الشخصية، لكنه فضل أن يركّز على الموسيقى، خاصة أنه يعتبر من مؤسسي السينما الغنائية في مصر، فقدم ألحانا لحوالي 37 فيلما سينمائيا، منها ما هو مع أم كلثوم مثل أفلام: "وداد"، و"دنانير"، و"سلامة"، و"فاطمة".

ولحّن أيضا أفلاما مثل "عاصفة على الريف"، و"ليلى بنت الفقراء"، و"البؤساء"، و"الآنسة بوسة"، و"آدم وحواء"، واستطاع أن يبرع في وضع ألحان الأغاني البدوية التي تعاون فيها مع صديق عمره الشاعر بيرم التونسي، مما جعله مميزا عن غيره في هذا اللون. وتعتبر صداقته مع بيرم من المحطات المهمة في مشواره، حيث قدما سويا العديد من "الأوبريتات" الناجحة. وقد توفي زكريا أحمد بعد وفاة بيرم التونسي بـ40 يوما فقط.

المصدر : الجزيرة