سياسة القبضة الحديدية.. ماذا يخشى الاحتلال في القدس؟

سلطات الاحتلال حولت المدينة المقدسة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لثكنة عسكرية (الأناضول)

 القدس المحتلة- مع ساعات فجر الأربعاء، نفذ الاحتلال الإسرائيلي حملة تفتيش لمنازل الفلسطينيين في القدس استهدفت الأسرى والأسرى المحررين، ودُوهم خلالها 18 منزلا  لأسرى وأسرى سابقين.

ووفقا لبيان شرطة الاحتلال فإن نحو 100 من أفرادها السريين وجنود حرس الحدود وعناصر من جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) ومندوبين عن وزارة الجيش داهموا هذه المنازل وضبطوا 214 ألف شيكل (نحو 52 ألف دولار) بالإضافة لمبالغ أقل من عملتي الدولار الأميركي والدينار الأردني، كما ضبطوا مصاغا ذهبيا وصادروا 13 مركبة بقيمة مئات آلاف الشواكل.

بالإضافة لذلك، صودرت أموال من الحسابات المصرفية لهؤلاء الأشخاص، وأكدت شرطة الاحتلال أنه سيتم مصادرة المزيد من الأموال والممتلكات من هؤلاء الأسرى.

وتأتي هذه الحملة ضمن عمليات مداهمة وتفتيش يومية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستكمالا لحملة بدأت في فبراير/شباط الماضي بعد أن أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت قرار فرض عقوبات مالية على 87 أسيرا مقدسيا وعائلاتهم بذريعة "تلقيهم مخصصات من السلطة الفلسطينية".

ويتقاضى الأسرى والأسرى المحررون رواتب شهرية من السلطة الوطنية في رام الله لإعالة أسرهم وأطفالهم، وتعتبر إسرائيل ذلك مكافأة مقابل "عمل إرهابي" وفق تعبيرها.

يد من حديد

وحول اتباع سياسة التخريب والترهيب خلال مداهمة منازل المقدسيين مؤخرا، تحدث الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات للجزيرة نت عن الأسباب والخلفيات والأهداف قائلا "الاستهداف غير المسبوق للمقدسيين وممتلكاتهم جاء بُعيد انطلاق معركة طوفان الأقصى".

وأضاف عبيدات أن تدخل الاحتلال لم يقتصر على المداهمة والاعتقال والتفتيش، بل تعدى ذلك إلى استهداف منازل نشطاء وأسرى محررين بالبلدة القديمة عبر اقتحامها وأخذ قياساتها تمهيدا لهدمها أو فرض مخالفات على أصحابها.

وبعد أيام من انطلاق الحرب، تركزت حملات اعتقال المقدسيين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بالمنصات الاجتماعية، واليوم تدخل الحملة مرحلة أخرى باستهداف الأسرى والمحررين وعائلاتهم حتى وصل عدد من اعتقلوا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى 350 مقدسيا ومقدسية، وفقا للمحلل ذاته.

وحول الهدف من سياسة القبضة الحديدية المتبعة حاليا في القدس، أكد الكاتب المقدسي أنها تريد إيصال رسالة لكل فلسطيني يعيش في المدينة المقدسة مفادها أن أي تحرك أو تضامن مع غزة سيكون مصيره السجن أو الطرد من القدس.

وأضاف عبيدات "تصاعد هذه الهجمة يأتي خوفا من انفجار الأوضاع بشكل أوسع في المدينة، وفتح جبهة جديدة بالإضافة للجبهات المفتوحة والمشتعلة".

تسخين أكثر

بدوره، قال مدير مركز القدس للدراسات المستقبلية أحمد رفيق عوض إن ما تقوم به إسرائيل في الضفة والقدس المحتلتين كفيل بتحويل هذه الجبهة من ساخنة إلى أسخن، لأنها استبقت الأمور وبادرت لحملة اعتقالات غير مسبوقة، وقتل عشوائي واقتحامات وأطلقت المستوطنين في الشوارع لمضايقة الفلسطينيين وإخافتهم ومنعهم من التحرك، وذهبت لإغلاق الطرق ومنعت الصلوات في الأقصى.

وفي القدس، يرى عوض أن ذهاب الاحتلال لمصادرة أموال الأسرى والأسرى المحررين، والتضييق عليهم، يأتي لكونها "تتعامل مع المدينة من منطلق أنها تحت سيادتها، وبالتالي فإن العقوبات مشددة من أجل تحقيق السيطرة والإخضاع ومنع تكون حركات ذات طابع قومي ووطني، لأنها ترى أن القمع يوصلها للأمن والأمان والاستقرار".

وعما إذا كانت القبضة الحديدية في القدس ستحقق الأمن والاستقرار فعلا، أجاب عوض أن مشكلة أي محتل -وليس إسرائيل فقط- اعتقاده أنه يستطيع بقوته قطف الآمال والأحلام القومية والدينية، لكنه في الحقيقة يفشل في مقاومة الأفكار.

وأضاف المتحدث نفسه أن الاحتلال إذا قتل المقاوم فلن يستطيع قتل فكرة المقاومة، والمطالب الشعبية لا تنتهي بقتل قائد أو حركة بل سيبقى الشعب الفلسطيني يطالب بحقوقه دائما، وهذا ما نراه منذ عام 1948 من عدم قدرة إسرائيل على تجاوز الفلسطينيين ومقاومتهم ومطالبهم رغم أنها سجلت نجاحات هنا وهناك.

عقاب جماعي

ووفق عبيدات تندرج مداهمات الاحتلال تحت مظلة العقاب الجماعي للمقدسيين، لأنها لا تقتصر على اعتقال الشخص المطلوب، بل تتعدى ذلك لتحطيم الأثاث ومحتويات المنزل وحتى تكسير الجدران.

ووفق شهادات وصلت الجزيرة نت، تروع إجراءات الاحتلال السكان الآمنين في منازلهم، وتنشر حالة من الخوف والذعر، وتضاف إلى سلسلة عقوبات جماعية أخرى سُجلت منذ انطلاق الحرب على غزة وأبرزها: تقييد حركة المقدسيين، شلّ الاقتصاد والحركة التجارية بأسواق القدس، منع المقدسيين من الوصول إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وتصاعد وتيرة هدم المنازل بالجرافات، أو إجبار أصحابها على هدمها بأيديهم.

وتحظر المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشكل صارم فرض العقوبات الجماعية وإجراءات التخويف ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم لقاء "جريمة لم يقوموا بارتكابها بشكل شخصي".

وفي فبراير/شباط الماضي، استهدفت حملة على الحسابات البنكية ومصادرة الأموال 160 مقدسيا بينهم 24 أسيرا يقبعون خلف القضبان، و55 أسيرا محررا و81 من أفراد عائلات الأسرى.

وفي يونيو/حزيران الماضي، طالت حملة المداهمة 16 منزلا صودر منها مصاغ ذهبي ومبالغ مالية، وتطل اليوم من جديد لتشمل أسرى وأسرى محررين آخرين وعائلاتهم في ظل حالة الحرب التي تشهد فيها القدس وسكانها إجراءات استثنائية يقولون إنهم لم يعيشوها منذ احتلال شرقي المدينة المقدسة عام 1967.

المصدر : الجزيرة