جهاز الأمن الداخلي "الشاباك".. الحكومة الحقيقية لإسرائيل
الشاباك هو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وأحد الأقسام الثلاثة لأجهزة الأمن الإسرائيلي العام، تشكّلت نواته الأولى من جهاز الاستخبارات الذي كان تابعا لمنظمة الهاغاناه الصهيونية.
يلعب جهاز الشاباك دورا بارزا في جمع المعلومات وتصفية واعتقال الفلسطينيين وإحباط عمليات المقاومة الفلسطينية.
الاسم
يتألف اسم الشاباك بالعربية اختصارا من اجتماع الأحرف الأولى للاسم العبري "شيروتي بتحون كلالي"، الذي يعني "خدمة الأمن العام" واختصاره بالعبرية "شين بيت".
النشأة والتأسيس
سبق اهتمامُ القائمين على المشروع الصهيوني بالأجهزة الاستخباراتية قيامَ إسرائيل، واضطلعت بهذا الدور منظمات عسكرية صهيونية مثل "الهاغاناه" و"الحارس" في فلسطين منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين، ضمن مهام أخرى نفذتها هذه المنظمات وغيرها، مثل جرائم الاغتيالات الإسرائيلية للفلسطينيين ومناهضي المشروع الصهيوني الاستيطاني.
وبعد مضي شهر على إنشاء الجيش الإسرائيلي يوم 30 يونيو/حزيران 1948، حُل جهاز جمع الاستخبارات التابع لتنظيم "الهاغاناه" وشُكلت الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، جاء تأسيس 3 أجهزة هي "جهاز الاستخبارات العسكرية والأمن الميداني ومكافحة التجسس"، الذي أصبح لاحقا "جهاز الاستخبارات العسكرية" (أمان)، والثاني الدائرة السياسية التابعة لوزارة الخارجية وتتولى العمليات الاستخبارية في الخارج، وأصبحت لاحقا جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد).
أما الثالث فهو جهاز المعلومات الداخلية، ومهمته التعامل مع قضايا الأمن الداخلي "وفي طليعتها مكافحة المؤامرات السياسية والإرهاب"، وقد صار لاحقا جهاز الأمن العام (الشاباك).
أسس ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) الشاباك، إذ جمع عددا من أفراد العصابة الصهيونية المسلحة الهاغاناه، التي شنت عديدا من الهجمات ضد الفلسطينيين والمحتلين البريطانيين منذ نهاية ثلاثينيات القرن العشرين.
وكان أول رئيس لجهاز الشاباك هو إيسار هرئيل، وهو مستوطن يهودي من روسيا البيضاء هاجر إلى فلسطين عام 1930. وقد تولى قيادة الجهاز بين عامي 1948 و1963.
ترسخ وجود جهاز الشاباك في القانون يوم 18 فبراير/شباط 1949، علما أنه كان مخفيا عن الرأي العام حتى عام 1957.
المكانة والنفوذ
رغم أن جهاز الشاباك هو أصغر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، فإنه أكثرها حضورا وتأثيرا في صناعة القرار السياسي والعسكري في إسرائيل، ولا تمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني آخر.
هذا النفوذ الواسع الذي حظي به هو الذي جعل كبير معلقي صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية ناحوم بارنياع يقول إن "رئيس الشاباك هو الحاكم الحقيقي للدولة".
والسبب في هذا النفوذ أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها أن تتخذ قرارا يتعلق بالنزاع مع الشعب الفلسطيني دون الحصول على موافقة قيادة الشاباك.
وتجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الحكومة تضرب بعرض الحائط توصيات بقية الأجهزة الأمنية الأخرى إذا كانت تتعارض مع التوصيات التي يقدمها الشاباك.
الوظائف والمهام
يتبع جهاز الشاباك مباشرة لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحُددت مهماته الرسمية تحت عنوان "حماية الدولة من المؤامرات والتآمر الداخلي وحماية أمنها الداخلي". ويفصل التكليف الرسمي مهام الجهاز كالتالي:
- إحباط عمليات وأنشطة التجسس والإيقاع بالجواسيس العاملين في إسرائيل.
- حماية الشخصيات: الحفاظ على الأمن الشخصي لقادة إسرائيل.
- إحباط "الإرهاب" الداخلي: التحقيق واكتشاف الخلايا "الإرهابية" في إسرائيل.
- المراقبة والحماية: مراقبة الإجراءات الأمنية المتعلقة بالمنشآت الإستراتيجية التابعة للدولة، منها طائرات الركاب والمطارات والسفارات الإسرائيلية في الخارج وحماية المعلومات الأمنية والسياسية.
- الموافقة الأمنية: منح الموظفين العموميين والعاملين في القطاع العام التصنيف الأمني استنادا إلى قرارات الحكومة المتعلقة بكل وظيفة وشخصية.
المناطق والأقسام
ينتشر جهاز الشاباك في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعمل فيه المئات من ضباط الاستخبارات الميدانيين والمحققين ورجال العمليات والمتنصّتين ومحللي المعلومات الاستخبارية، وخبراء التكنولوجيا الأمنية، إضافة إلى أفراد الإدارة وضباط الأمن والحراس.
يتكون جهاز الشاباك من عدة مناطق وأقسام لكل منها وظيفة محددة، وهي:
- منطقة القدس والضفة الغربية: وهي أكبر منطقة في جهاز الشاباك، وتتخصص في إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من المناطق المذكورة.
- المنطقة الشمالية: وهي مسؤولة عن مكافحة العمليات السرية والتنظيمات المعادية في المنطقة، وقد تسلم الشاباك مسؤولية منطقة لبنان بالتعاون مع جهات استخبارية أخرى خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
- المنطقة الجنوبية: وهي ثاني أكبر منطقة في الشاباك وتقع قيادتها بمدينة عسقلان، وهي مسؤولة عن إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة، وتتضمن مسؤولياتها عدة مهام أخرى.
يضم جهاز الشاباك عدة أقسام متخصصة هي:
- القسم العربي: وهو أكبر أقسام الشاباك ومهمته اكتشاف خلايا ومنظمات معادية داخل المجتمع العربي (يقصد به فلسطينيو الـ48) في إسرائيل.
- قسم مكافحة التجسس ومنع الاختراقات: ويعرف أيضا باسم القسم اليهودي أو القسم غير العربي، وتراجَع حجم هذا القسم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لأنه كان متخصصا في مكافحة التجسس اليهودي عموما، وخلال الحرب الباردة خصوصا.
- قسم الحماية: ويضم الوحدة الرسمية لحماية الشخصيات والوفود وحماية الشخصيات والمطارات وطائرات الركاب والسفارات الإسرائيلية.
- قسم التحقيقات: ومهمته التحقيق مع المعتقلين داخل أقبية التحقيق الخاصة بالجهاز.
- القسم التكنولوجي: ومهمته تطوير وسائل تكنولوجية لمكافحة "الإرهاب" وجمع المعلومات.
الهيئة الحكومية لحماية المعلومات
تعرف اختصارا باسم "رام "، وأنشئت بناء على قرار حكومي صدر عام 2002 وترتبط مباشرة بجهاز الشاباك.
تمتلك هذه الهيئة صلاحية توجيه الأوامر والتعليمات لهيئات وجهات لديها منظومات معلوماتية حساسة، منها مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية ووزارة الداخلية وبنك إسرائيل وشركة بيزك للاتصالات، وشركة الكهرباء، وشركة مكوروت للمياه، وهيئات البنية التحتية المتعلقة بالنفط والطاقة.
تنفيذ عمليات
انتشر جهاز الشاباك في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان عقب هزيمة الخامس من يونيو/حزيران 1967 (النكسة) لمنع أي عمليات مقاومة من هذه المناطق.
وفي أعقاب اختطاف طائرة تابعة لشركة طيران "العال" الإسرائيلية إلى الجزائر عام 1968، واحتجاز رهائن إسرائيليين في أولمبياد ميونخ في ألمانيا عام 1972، شكل جهاز الأمن العام منظومة حراسة عالمية قال إن الغرض منها "حماية الأهداف الإسرائيلية من الإرهاب".
وخلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، دعم جهاز الشاباك القوات الإسرائيلية لدى غزوها لبنان، كما شارك في العملية السياسية والمفاوضات تمهيدا لمنح الفلسطينيين الحكم الذاتي والمشاركة في الاتصالات الجارية مع ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية.
التمويل
لا توجد تفاصيل رسمية معلنة بشأن حجم وكيفية تمويل جهاز الشاباك أو غيره من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لكن أفادت المعطيات الإسرائيلية التي صدرت عام 2014 بزيادة في نفقات جهازَي الشاباك و"الموساد" خلال عام 2014 بنسبة 12%.
وبلغ إنفاق الجهازين خلال ذلك العام 7.44 مليارات شيكل (نحو 1.98 مليار دولار) بزيادة عن العام الذي سبقه (2013)، والذي أنفق فيه 6.62 مليارات شيكل.
وحسب الصحف الإسرائيلية، فقد جاءت الزيادة في الإنفاق لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية نتيجة زيادة النشاطات الاستخبارية والأمنية خلال عام 2014، الذي شهد نشاطا ملحوظا بعد المشاركة في عمليتَي "عودة الإخوة" التي خطف خلالها 3 مستوطنين في مدينة الخليل وتبعها العدوان على غزة الذي استمر 51 يوما.
وتعتبر ميزانية الشاباك والموساد جزءا من ميزانية الجيش الإسرائيلي رغم استقلالهما عنه بشكل كامل وارتباطهما بمكتب رئيس الحكومة.
مطاردة الفلسطينيين
كشف كتاب "حراس البوابة.. رؤساء الشاباك يتحدثون"، لمؤلفه درور موريه جانبا من العمليات التي نفذها الجهاز بحق الفلسطينيين.
ويدور الكتاب حول 6 رؤساء للشاباك، هم أبراهام شالوم ويعقوب بيري وكرمي غيلون وعامي أيالون وآفي ديختر ويوفال ديسكين.
ويقول مؤلف الكتاب إن رؤساء الشاباك الستة اعترفوا بقتل فلسطينيين مشتبه بتورطهم في أعمال معادية، وإصدارهم أوامر باغتيال آخرين، وإن الحرب مع الفلسطينيين هي "قرح مزمن غير معقول"، و"مستنقع يومي دموي بلا نهاية ولا مبرر".
وفي عام 2014، كشف الصحفيان الإسرائيليان يوسي ميلمان ودان رافيف، المتخصصان في شؤون الاستخبارات في كتاب لهما، عن تصفية جهاز الشاباك قبل 10 أعوام من ذلك التاريخ قائدا عسكريا ينتمي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية بدس السم في طعامه.
وبدوره، يقول المحامي الإسرائيلي أفيغدور فيلدمان إن جزءا كبيرا من عمل الشاباك ينصب على مراقبة المواطنين العرب (فلسطينيي 48). وأضاف أن "أحد الأسس القوية في الشاباك يتمثل في المتعاونين".
من جانبه، وصف المحامي حسين أبو حسين الشاباك بأنه "جهاز يقوم بآلاف الاعتقالات والتحقيقات ويعمل في فراغ قانوني".
كما أفادت تقارير استخباراتية بإعلان جهاز الشاباك عن أوامر لملاحقة قادة حماس في الداخل والخارج، وطلب نتنياهو في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2023 وضع خطة شاملة لاغتيال كبار القادة في الحركة في أي مكان في العالم.
طوفان الأقصى وجهاز الشاباك
أعلن رئيس جهاز الشاباك تحمله مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي شنته المقاومة الفلسطينية تحت اسم معركة طوفان الأقصى.
كما كشفت قناة إسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023 عن أن جهاز الشاباك كان قد تلقى معلومات حاسمة قبل العملية تفيد بأن حركة حماس بصدد تنفيذ هجوم واسع بعد يوم الغفران، ولكن لم تمرر هذه المعلومات لكبار المسؤولين افتراضا أنه إذا اقترب الأمر من التنفيذ ستصل مزيد من المعلومات.
وزعم مسؤولو الجهاز أنه بعد البحث لم يُعثر على أي معلومات إضافية تدعم تلك المعلومات الاستخباراتية.
وكانت صحيفة هآرتس نشرت تحقيقا، في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول 2023، قالت فيه إن الاستخبارات أطلقت تحذيرات قبل الهجوم، ولكن الجيش لم يتحرك لإخلاء الحفل الموسيقي المقام بجوار مستوطنة رعيم.
ووُصفت معركة طوفان الأقصى بأنها "أكبر عملية خداع إستراتيجي للجيش الإسرائيلي"، وكشفت "الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي".