انتهاكات غير مسبوقة.. ماذا شهد المقدسيون والمرابطون داخل الأقصى وخارجه اليوم؟

منذ صباح اليوم الأحد، تصدّرت أحداث المسجد الأقصى المشهد في القدس، وبعد انتهاء فترة الاقتحامات ظهرا، اتجهت الأنظار نحو باب العامود الذي بدأت الاعتداءات فيه مبكرة، قبل ساعات من موعد "مسيرة الأعلام" التي تخشى إسرائيل أن تتدحرج أحداثها إلى مواجهة جديدة مفتوحة مع غزة.

المقدسية نفيسة خويص تواجه مسيرات لمستوطنين يحملون الأعلام الإسرائيلية في طريق الواد المؤدي إلى المسجد الأقصى (الجزيرة)

القدس المحتلة- "شعور عميق بالقهر"، هكذا وصف جزائري يحمل الجنسية الفرنسية وعرف عن نفسه باسم "مُنصف" حالته صباح اليوم الأحد، بعد أن تعرض لقمع عنيف في أثناء سعيه للوصول إلى المصلى القبلي في المسجد الأقصى المبارك.

قال منصف -للجزيرة نت- إنه وصل إلى القدس قبل أيام لمساندة أهالي المدينة، وصباح اليوم الأحد أعاقت شرطة الاحتلال دخوله عبر بوابات المسجد الأقصى، لكنه -مثل مئات المقدسيين- لم يستسلم وحاول مرارا حتى نجح في الوصول لساحات مصلى قبة الصخرة المشرفة.

منصف مواطن فرنسي من أصل جزائري وصل القدس قبل أيام لمساندة أهلها (الجزيرة)

وأضاف "الأقصى قبلة لكل المسلمين، ومساندة المرابطين فيه واجبة على كل مسلم.. أتابع أحداثه من خلف الشاشات، ولم أكن أدرك صعوبة ما يمر به المصلون إلا عندما حضرت إلى المكان".

يقطع منصف حديثه مع اعتداء هنا وهتاف هناك، لكنه عبّر بوضوح عن مشاعره إزاء ما شاهده بأم عينه في اليوم الذي شهد اقتحامات وانتهاكات بعضها غير مسبوق في باحات المسجد الأقصى، في أثناء احتفالات المستوطنين بما يسمونه "يوم توحيد القدس" الذي يعني احتلال كامل المدينة المقدسة قبل 55 عاما.

وقال المرابط الجزائري "شعور عميق بالقهر.. كأن يكون الإنسان جالسا في بيته ويقتحمه الغرباء فجأة، ثم يستبيحونه ويستغلون كل ما فيه لصالحهم".

المرابطة المقدسية زينات الجلاد تقول إن اعتداءات المستوطنين في الأقصى اليوم الأحد تؤسس لمرحلة جديدة (الجزيرة)

مرحلة جديدة

وأمام المصلى القبلي، جلست المرابطة المقدسية زينات الجلاد، حيث لم تمنعها درجات الحرارة المرتفعة أو القمع المتواصل من الرباط في المكان. وقالت إنها حضرت منذ ساعات الفجر وكانت شاهدة على الاعتداءات الجماعية الاستثنائية التي ستؤسس حتما لمرحلة جديدة في المسجد الأقصى، حسب اعتقادها.

خارج الأبواب تجمهر المصلون الممنوعون من الدخول أمام الحواجز الشرطية، وتم تفريقهم مرارا عبر الدفع والضرب بالهراوات تارة، وعن طريق رشهم بالغاز السام من المستوطنين الذين تجولوا بالأعلام الإسرائيلية في أزقة البلدة العتيقة تارة أخرى.

أما المقدسية نفيسة خويص، فلم تنجح في الدخول للمسجد الأقصى فرابطت على أبوابه، وخلال تصديها لاستفزازات المستوطنين سُلمت استدعاء للتحقيق، تمهيدا لإبعادها عن الأقصى، لكنها رفضت استلام الاستدعاء والتوجه لمركز الشرطة.

وقالت خويص "ليس من حق أحد أن يرفع علمه في القدس سوى الفلسطينيين، وليس من حق أحد أن يصلي في المسجد الأقصى سوى المسلمين".

تدنيس من دون قيود

ومنذ ساعات الفجر الأولى، تسلّح المصلون الفلسطينيون بحبهم للمسجد الأقصى وانتمائهم له، في حين استعان المستوطنون بحقدهم وبمبادئهم المتطرفة بعد تجمع المئات منهم عند باب المغاربة، استعدادا لبدء اقتحاماتهم في السابعة صباحا.

وفي مشاهد غير معهودة، سمحت شرطة الاحتلال لمئات المستوطنين بتدنيس باحات المسجد الأقصى من دون قيود، في حين منعت معظم المصلين من دخوله بقوة مئات الجنود المتمركزين على أبوابها وفي ساحات الأقصى.

أمام المصلى القبلي بدا المشهد مشابها إلى حد كبير للأحداث التي وقعت خلال شهر رمضان المنصرم، إذ رابط عشرات المصلين في الباحات المحيطة بالمصلى، بالإضافة لمجموعة من الشبان بداخله ردّوا على القوات الخاصة بالحجارة وما توفر لهم من خلال النوافذ المهشمة، وواصلوا فعاليات سموها "الإرباك الصوتي".

من اقتحام المستوطنين اليوم للمسجد الأقصى (الجزيرة)

في تمام السابعة والنصف صباحا، اقتحمت المجموعة الأولى من المستوطنين المتطرفين باحات الأقصى وسط حماية مشددة من الشرطة والقوات الخاصة، وقوبلت اقتحاماتهم في كل مرة بالتكبيرات والهتافات، ولم تخلُ أي جولة للمقتحمين من الاعتداء على المصلين قبل أن يُغلق باب المغاربة بعد تسجيل اقتحام 1687 متطرفا ومتطرفة.

وهذه المرة، سُجّلت انتهاكات جماعية جديدة، أبرزها تأدية طقس "السجود الملحمي" التوراتي بشكل جماعي، ورفع 7 أعلام إسرائيلية دفعة واحدة بين بابي المغاربة والسلسلة في الفترة الصباحية، ورفع علم كبير مرة أخرى في فترة الاقتحام المسائية من دون أي تدخل من شرطة الاحتلال.

رقص المقتحمون وغنوا بشكل جماعي وبصوت مرتفع أغاني تدعو لبناء "الهيكل الثالث"، ورددوا النشيد الإسرائيلي مرارا، وقوبلت هذه الانتهاكات بالتكبيرات وبهتاف المرابطين الفلسطينيين "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".

مستوطنون يرقصون بالعلم الإسرائيلي في طريق الواد بالبلدة القديمة تحت حماية قوات الاحتلال (الجزيرة)

عربدة واستفزاز

في طريق الواد بالبلدة القديمة الذي خطط لتمر منه مسيرة الأعلام الإسرائيلية باتجاه حائط البراق، غربي المسجد الأقصى، أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها مبكّرا في ظل عربدة المستوطنين الذين تجولوا بالأعلام واستباحوا البضائع والمتاجر.

هنا تجلس الحاجة أم عبد العزيز بجوار بضاعتها محاولة استنشاق الأكسجين بصعوبة بعد أن تعمد المستوطنون رش الغاز السام باتجاهها بينما كان أحفادها بجانبها.

تقول "في هذا اليوم من كل عام ندفع أثمانا كبيرة، كوننا نسكن في البلدة القديمة ونعمل بها، نضطر لإغلاق باب رزقنا مع تكرر الاعتداءات، لكن منازلنا أيضا لا تسلم؛ لأن المتطرفين يتعمدون تحطيم الأبواب وتخريب أقفال المحال والمنازل في أثناء مرور الآلاف منهم نحو حائط البراق".

المقدسية أم عبد العزيز تسكن البلدة القديمة وتملك محلا تجاريا صغيرا أمام منزلها (الجزيرة)

ولا تتأثر الحركة التجارية والشرائية في البلدة القديمة فحسب، ففي هذه المسيرات الاستيطانية تتأثر كافة الشوارع المحيطة بها، وفقا لرئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق، الذي أكد أن ما يسمى يوم "توحيد القدس" يؤثر سلبا على 1372 محلا تجاريا داخل سور القدس التاريخي و640 محلا خارجه.

وأكد الرشق أن التجار يتعرضون للشتائم وللضرب وتخريب البضائع ومحتويات الحوانيت بالإضافة لاستفزازهم بشتم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وإطلاق عبارات متطرفة "كالموت للعرب" وغيرها.

ومنذ ساعات صباح اليوم الأحد، تصدّرت أحداث المسجد الأقصى المشهد في القدس، وبعد انتهاء فترة الاقتحامات ظهرا، اتجهت الأنظار نحو باب العامود الذي بدأت الاعتداءات فيه مبكرة، قبل ساعات من موعد "مسيرة الأعلام" التي تخشى إسرائيل أن تتدحرج أحداثها إلى مواجهة جديدة مفتوحة مع غزة.

المصدر : الجزيرة