حضور كبير رغم تشديد الحواجز.. هكذا أحيت القدس ذكرى المولد النبوي الشريف

1-أسيل جندي، باب العامود من الداخل، توافد المصلين نحو المسجد الأقصى لإحياء ذكرى المولد النبوي(الجزيرة نت)
شوارع القدس تزينت في استقبال الوافدين لإحياء ذكرى المولد النبوي (الجزيرة نت)

القدس المحتلة– اكتظاظ شديد بالمارة اشتاقت أزقة القدس والمقدسيون -وبالتحديد التجار منهم- لرؤيته. أفواج تتدفق إلى كل من باب العامود والساهرة والأسباط نحو أسواق البلدة القديمة، ومنها إلى المسجد الأقصى المبارك.

عدسات الهواتف الذكية تلتقط عشرات الصور لمن لم يصدقوا أنهم وصلوا باب العامود، وعشرات آلاف الصور لمن وجدوا أنفسهم بعد رحلة طويلة وشاقة داخل أروقة وساحات ومصليات أولى القبلتين.

الباعة لم تخفت أصواتهم وهم ينادون على المشترين "قرّب وجرّب.. أي لعبة بـ10 شيكل"، "50 كمامة بـ10″، "3 كيلو بندورة بـ10.. كيلو جوافة بـ10". الجميع ينهمك في تلبية طلبات الزبائن ويطلب منهم الصلاة على رسول الله في ذكرى مولده الشريف.

وبالمرور من طريق الواد (أحد الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى)، يُلاحظ اكتظاظ مضاعف عند محال بيع الحلويات التي تشتهر ببيع (المشبّك) في هذه المناسبة الدينية.

5-حلوى المشبك من حلويات أبو صبيح في طريق الواد بالبلدة القديمة(الجزيرة نت)
حلوى المشبك من حلويات أبو صبيح في طريق الواد بالبلدة القديمة (الجزيرة نت)

نور أبو صبيح صاحب أحد أشهر محال الحلويات في طريق الواد، قال إن التحضيرات لذكرى المولد النبوي تبدأ قبل أيام، لأن الكثير من المصلين يشترون الحلويات لزيارة أقاربهم، وآخرون يشترونها لتوزيعها في المسجد الأقصى المبارك؛ احتفالا بميلاد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.

"المشبّك" المكون بشكل أساسي من الطحين والنشا والخميرة، هو أكثر أنواع الحلويات رواجا في هذه الذكرى، بالإضافة لذكرى الإسراء والمعراج.

وعن سبب ذلك، قال إن الرواية المتداولة عنه هي أنه يشبه بيت العنكبوت الذي حمى الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام في غار ثور.

وأضاف أبو صبيح -في حديثه للجزيرة نت- أن الإقبال على هذه الحلوى يكون عادة من أهالي القدس والضفة الغربية، لكن أهالي الداخل الفلسطيني يستفسرون دائما عنها بنوع من الغرابة، وقليل منهم يشترونها.

3-حانوت المقدسي عصام الزغير الذي ينتعش في المناسبات الدينية(الجزيرة نت)
حانوت المقدسي عصام الزغير يشهد انتعاشا في ذكرى المولد الشريف (الجزيرة نت)

روائح وأصوات مألوفة

عاد نور إلى عمله منهمكا، وأكملت الجزيرة نت سيرها نحو المسجد الأقصى. وفي الطريق تتنوع الروائح التي تتسلل إلى حاسة الشم بين الكعك المقدسي والمعجنات إلى روائح البخور التي تفوح من الحوانيت القريبة من باب المجلس (أحد أبواب المسجد الأقصى).

من بينها حانوت المقدسي عصام الزغيّر الذي ألف طقوسه سكان وزوار المدينة منذ عقود، فقبيل الوصول له يسمع المارة الأناشيد والمدائح النبوية التي يُشغلها باستمرار: "المسك فاح المسك فاح.. لما ذكرنا رسول الله"، و"صلّى الله على محمد.. صلّى الله عليه وسلم"، وغيرهما من الأناشيد التي تنسجم تماما مع ما يبيعه من بخور ومصاحف وفوانيس وقناديل تراثية تضفي على الحانوت لمسة استثنائية.

عصام الزغيّر قال للجزيرة نت إنه لا يهتم بالمبالغ التي يجنيها من البيع في المواسم الدينية بالتحديد، لأنه ينتعش بمجرد رؤية عشرات الآلاف يتوافدون إلى المسجد الأقصى للرباط فيه.

وعن أبرز ما يرغب زوار القدس باقتنائه في ذكرى المولد النبوي، قال البخور والمصاحف التي يشتريها الكثيرون لإيداعها في مصليات المسجد الأقصى عن أرواح شهدائهم وأمواتهم.

8-الشقيقتان القادمتان من الخليل تيمة ووصبا فنون(الجزيرة نت)
الشقيقتان تيمة وصبا فنّون قدمتا من الخليل للاحتفال بالمولد النبوي (الجزيرة نت)

بالخروج من حانوت الزغيّر، ينعطف الزائر يسارا نحو المسجد الأقصى الذي اكتظ الرواق المؤدي إليه من باب المجلس بالمزيد من الباعة الثابتين والمتجولين.

في رحاب أولى القبلتين انتشر عشرات آلاف المصلين من كافة محافظات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وبضعة مصلين من قطاع غزة.

الأطفال يمرحون في الساحات وكثيرون منهم يرتدون أزياء تراثية فلسطينية، ويوزعون التمور والفواكه المجففة والحلقوم، بالإضافة لتوزيع السُبح والألعاب والقهوة والمياه بكميات كبيرة.

في المصلى القبلي، انطلق الاحتفال المركزي الذي تنظمه دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وتخللته كلمات لمشايخ القدس وسرد لمحطات من السيرة النبوية، بالإضافة للأناشيد والمدائح النبوية.

11-جانب من الاحتفال المركزي الذي نظمته الأوقاف في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى(الجزيرة نت)
جانب من الاحتفال المركزي الذي نظمته الأوقاف في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى (الجزيرة نت)

تواجد لافت رغم التضييقات

مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني قال للجزيرة نت إنه رغم التشديدات على الحواجز المؤدية للقدس وعلى أبواب المسجد، فإن عشرات آلاف المصلين من كافة الفئات العمرية تمكنوا من الدخول وإعمار أولى القبلتين.

هند النتشة قدمت من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية مع ابنتها وحفيدتيها، عملا بالحديث النبوي بضرورة شد الرحال إلى المسجد الأقصى.

وقالت "في هذا المكان فقط أشعر بالراحة النفسية وأجدد طاقتي الإيمانية، خاصة أنني أصل إليه بعد رحلة شاقة في ظل عدم استصدار تصاريح لنا لندخل المدينة بطريقة قانونية".

1-أسيل جندي، باب العامود، القدس، توافد المصلين نحو المسجد الأقصى وأسواق القدس(الجزيرة نت)
توافد المصلين عبر باب العمود نحو المسجد الأقصى وأسواق القدس (الجزيرة نت)

الحفيدتان صبا وتيمة فنّون لبستا الثوب التراثي الفلسطيني وتوجهتا للأقصى مع جدتهما هند من الخليل، وقال صبا (9 أعوام) "أحب أن آتي إلى هنا باستمرار؛ لأن القدس هي عاصمتنا وزيارتها والسير في شوارعها واجب علينا".

ليس بعيدا عن هذه العائلة، جلس عماد شاور التميمي القادم من المدينة ذاتها تحت ظل شجرة سرو يستمع إلى المدائح النبوية، وقال إن أمنيته الوحيدة في ذكرى المولد النبوي الشريف أن يتوحد المسلمون في أنحاء المعمورة وتنتهي الخلافات بينهم.

أما عبد الله لولو القادم من غزة، فكان لقاؤنا به استثنائيا، خاصة أنه يدخل القدس والمسجد الأقصى للمرة الأولى في حياته قادما من قطاع غزة.

عبد الله (37 عاما) تمكن مؤخرا من الحصول على تصريح تاجر، مما أتاح له الخروج من غزة إلى الضفة الغربية ومناطق عام 1948 بالإضافة إلى القدس.

12-مواطنون يوزعون التمر والقهوة وحلويات أخرى على المصلين في المسجد الأقصى(الجزيرة نت)
مواطنون يوزعون التمر والقهوة وحلويات أخرى على المصلين في المسجد الأقصى (الجزيرة نت)

وقال "عندما رأيت بلادنا الواسعة خارج القطاع بكيت.. بلادنا جميلة ونحن محرومون من الاستمتاع بجمالها".

وأضاف أن مصلى قبّة الصخرة المشرفة كانت أول المعالم المهيبة التي صادفها بمجرد دخوله المسجد، فانهار باكيا من هيبة المشهد، خاصة أن جده لوالده شارك عام 1942 في ترميم هذا المصلى، وكانت أمنيته أن يشاهد بأم عينه ما رممه جده النجار في قبة الصخرة المشرفة.

عشرات الآلاف يسيرون في الساحات والمصليات جاؤوا من قرى ومخيمات ومدن كثيرة ترددت على مسامعنا خلال الجولة، توحدوا جميعا على حب رسول الله وأولى القبلتين، وتفرقوا بعد ساعات في حافلات ستنقلهم إلى منازلهم على أمل أن تُقلّهم قريبا مرة أخرى إلى مهوى قلوبهم.

المصدر : الجزيرة