عائلة الشهيد أبو غنام.. حرمها الاحتلال الأم وبهجة العيد

والد الشهيد محمد أبو غنام وشقيقته رنيم في بمنزلهم في اليوم الأول من عيد الأضحى
والد الشهيد وشقيقته رنيم زاد الاحتلال من أوجاعهما في العيد باعتقال الوالدة (الجزيرة)

 

هبة أصلان-القدس

تقبع نحو ستين أسيرة فلسطينية في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، بينهن 18 أسيرة من مدينة القدس، وآخر المعتقلات هي سوزان أبو غنام والدة شهيد الأقصى "محمد أبو غنام" بتهمة التحريض على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).

في هبة البوابات عام 2017، حرمت نيران الاحتلال سوزان من ابنها البكر الذي وصفته في مقابلة سابقة بصديقها وكاتم أسرارها، افتقدته في عيدين، أما الثالث بعد ارتقائه فقد غُيبت عن زيارة ضريحه، وعن رفيق دربها وبناتها الثلاث وصغيرها المدلل "مصطفى".

نحو الساعة السابعة من صباح أول أيام عيد الأضحى، وصل مصطفى بصحبة والده وشقيقاته الثلاث إلى ضريح الشهيد "محمد" في زيارة تغيب عنها الأم الثكلى المعتقلة، وقد جلس مصطفى بجوار جدته التي لم تبك حفيدها الشهيد بقدر قهرها على غياب والدته.

سألت الجدة مصطفى الذي كان في زيارة والدته في معتقل "هشارون" في يوم عرفة عن أحوالها، فجاء الجواب مخنوقا بدموع ما لبثت أن انهمرت على خد الطفل ذي الأعوام العشرة.

شقيق الشهيد وجدته يبكيانه أول أيام العيد
شقيق الشهيد وجدته يبكيانه أول أيام العيد

بدا "مصطفى" مفتقدا لوالدته التي تحدث إليها في زيارته لها بالمعتقل من خلال سماعة الهاتف ومن خلف زجاج حال بينهما.

وفي زيارته لضريح شقيقه، ارتدى قميصا أبيض طبعت عليه صورة الشهيد وعبارة "حبك بالروح يا محمد" ولم يرتد من ملابس العيد التي اقتناها من السوق بصحبة عمته هذه المرة سوى بنطال الجينز الأزرق، ويقول "اشتقت لمحمد، دائما أزوره مرتديا هذا القميص".

أما والد الشهيد الذي وصل ضريح ابنه متلهفا بعد أن انتهى من أداء صلاة العيد، وقد خطا خطوة كبيرة نحوه وكأنه يقفز في الهواء، وأمسك بشاهد القبر ورأسه منحنيا إلى الأسفل قبل أن يتوارى خلفه ليبكيه بصمت.

 قال لي لاحقا بصوت متحشرج وكأن عيونه التي امتلأت بالدموع تقطر دما "كان صعب علي أن أصل قبر محمد ولا أجدها بين الموجودين" يقصد زوجته.

وفي منزلهم ببلدة الطور شرق القدس المحتلة، جهزت العائلة مستلزمات العيد وكأن الأم موجودة، لكن أجواء الحزن والافتقاد كانت ظاهرة في كل زوايا المنزل، فلا عيد في منزل افتقد سيدته.

يقول حسن أبو غنام زوج سوزان ووالد الشهيد "سوزان هي الأساس بالبيت، عشنا سويا أكثر مما عاشت بمنزل أهلها، لم أفكر بأن يأتي يوم افتقدها بهذه الطريقة".

مقبرة بلدة الطور تضم رفات العديد من شهداء القدس الذين قضوا في مقاومة الاحتلال
مقبرة بلدة الطور تضم رفات العديد من شهداء القدس الذين قضوا في مقاومة الاحتلال

وتفتقد "رنيم" الابنة الصغرى والدتها سوزان، وما أن سألتها عن افتقادها هذا حتى غطت وجهها بكفيها وذرفت دموعا حبستها في زيارتها لضريح شقيقها، قبل أن تترك غرفة معيشة العائلة وتسير نحو المطبخ لتشرب كوبا من الماء.

رنيم هي الأخرى لم ترتد ملابس العيد الجديدة، فقد خبأتها لحين خروج والدتها من المعتقل، أما شقيقتها الأكبر "ريهام" فلم تقتن ملابس جديدة وتراودها المخاوف من استمرار اعتقال أمها، وهي على أعتاب الالتحاق بسنتها الثانوية الأخيرة.

ولا يختلف حال "رؤى" عن شقيقتيها، تفصلها أيام معدودة عن الالتحاق بسنتها الجامعية الأولى، بعد اجتيازها امتحان الثانوية العامة، وقبولها لدراسة علم الاجتماع، نجاح أدخل البهجة لمنزل افتقد أحباءه.

في زيارتهم الأولى لها بعد اعتقالها، بدت "سوزان" قوية بمعنويات عالية، سألت زوجها وأبناءها عن أحوالهم، وأوصتهم بزيارة ضريح "محمد" وقراءة الفاتحة على روحه وأن ينتبهوا لأنفسهم.

يقول زوجها حسن "طلبت منا التوقف عن البكاء، وفي لحظة ما غلبتها دموعها عندما تذكرت أنها لن تزور ضريحه".

وبحسب زوجها، فإن سوزان معتقلة على خلفية 44 منشورا تحريضيا كتبتها بصفحتها على "فيسبوك" وكان قد صدر أمر اعتقالها في 18 يوليو/تموز الماضي، إلا أنهم انتظروا حلول الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد ابنها في 5 أغسطس/آب، وتم تمديد اعتقالها إلى 13 سبتمبر/أيلول القادم.

أبو غنام يقف على ضريح ابنه الشهيد
أبو غنام يقف على ضريح ابنه الشهيد

ويقول حسن "كأنهم نصبوا لها فخاً، انتظروا منشورها في ذكرى ارتقاء محمد، فجاء عاديا بالنسبة لهم، تغلب عليه مشاعر أم ثكلى، ليعتقلوها بعد تنفيذ شاب فلسطيني عملية طعن في مستوطنة آدم المقامة على أراضي قرية جبع شمال القدس".

وكانت إدارة فيسبوك قد أغلقت قبل ستة أشهر صفحة والدة الشهيد، وعلم زوجها أن هذا الإغلاق كان تحذيريا من قبل الاحتلال لتكف عن كتابة المنشورات التي يعتبرها تحريضية.

وعن الأموال المصادرة لحظة اعتقالها، يقول زوجها -الذي يعمل في إحدى شركات المقاولة- إنها كانت مخصصة لشراء مستلزمات العيد، وقد سلم زوجته 7500 شيكل (حوالي ألفي دولار) لكن الاحتلال اعترف بمصادرة 6800 فقط (1850 دولارا) ولا يكترث زوجها لهذا الأمر، فالمهم عنده أن تعود إلى منزلها.

حرم الاحتلال سوزان من طبع قبلة الوداع على جبين محمد ووداعه قبل تشييعه شهيدا، وفي هذا العيد غيبها عن عائلتها وألغى مخططاتها في محاولة التعالي على جراح قلبها التي تفاقمت في عيد غابت عنه هي وكعك العيد الذي تصنعه، والأهم والأقسى غياب محمد.

المصدر : الجزيرة