مقدسيون صنعوا تاريخا

تصميم غلاف كتاب : مقدسيون صنعوا تاريخاً
عرض/أسيل جندي

في كتابهما "مقدسيون صنعوا تاريخا" الذي ضم 260 صفحة استعرض المؤلفان الفلسطينيان الأستاذ عزيز محمود العصا والبروفسور عماد عفيف الخطيب سير عشر شخصيات مقدسية، ومساهماتها في الحفاظ على عروبة القدس، ليأتي هذا الإصدار تكريما لمن حملوا على عاتقهم أمانة الدفاع عن القدس وواجهوا الاحتلال وغطرسته، فكان ليقظتهم وعطائهم وتفانيهم في خدمة المجتمع المقدسي أثرها الملموس في مواجهة عمليات التهويد والأسرلة وحماية وبناء مؤسسات المدينة.

الشخصيات العشر التي سلط المؤلفان الضوء عليها من مواليد الفترة (1906 و1940) ويتوزعون على مدى واسع من مجالات البناء والإبداع، واعتمد الباحثان على منهجية العمل الميداني مع عائلات المعنيين وأسرهم وأصدقائهم دون الاعتماد على ما نشر عنهم من مؤلفات.

‪الكتاب:  مقدسيون صنعوا تاريخاً‬ 
الكتاب:  مقدسيون صنعوا تاريخاًالمؤلفان: عزيز العصا، عماد الخطيبالصفحات: 260 صفحةالناشر: اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربيةالطبعة: الأولى 2018
‪الكتاب:  مقدسيون صنعوا تاريخاً‬
الكتاب:  مقدسيون صنعوا تاريخاًالمؤلفان: عزيز العصا، عماد الخطيبالصفحات: 260 صفحةالناشر: اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربيةالطبعة: الأولى 2018

إليزابيث حنا ناصر
الشخصية الأولى التي سلط الكتاب الضوء على سيرتها هي المقدسية إليزابيث حنا ناصر (1906-1986) التي كانت من أوائل من حمل الدرجة الجامعية من الفلسطينيات وأول امرأة شغلت منصب مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في القدس.

وفي يوم ماطر من شباط عام 1952 صادفت إليزابيث ناصر فتاتين صغيرتين في الخامسة والسادسة من العمر، بثياب رثة مبللة تتسولان على قارعة الطريق، فراودتها فكرة إنشاء دار للفتيات المشردات، وحملت على عاتقها تأسيس مدرسة روضة الزهور التي بدأتها بتحويل غرفة نومها لصف دراسي يتلقى فيه أبناء القدس وبناتها علومهم عن وطنهم الحر المستقل.

تمتعت إليزابيث حنا ناصر بشخصية جريئة وصارمة لم تقبل الخطأ بسهولة، وكانت ترفض تعيين أي موظف لا تعلو وجهه الابتسامة الدائمة.. عشقت القدس وطلبت قبل رحيلها ممن يشيع جنازتها أن يطيل التجول بنعشها قبل دفنها كي يودع جثمانها القدس.

لم ينزو مجج في عيادته بعد التخرج ليحصل على الأموال من مرضاه، وإنما انطلق طبيبا باحثا يفتش عن الحقائق العلمية، فيقيمها ويصوبها عبر المقالات

أمين صالح مجج
وخصص الفصل الثاني من الكتاب لإحياء ذكرى الطبيب المقدسي أمين صالح مجج (1921-1999) وهو طبيب أطفال عرفته كل فلسطين، وسياسي انتمى لوطنه وبنى مؤسسات مقدسية فأتقن البناء والإدارة، حتى ضمن ديمومتها وما زالت شامخة حتى يومنا هذا.

لم ينزو مجج في عيادته بعد التخرج ليحصل على الأموال من مرضاه، وإنما انطلق طبيبا باحثا يفتش عن الحقائق العلمية، فيقيمها ويصوبها عبر المقالات في المجلات الطبية في كل من أميركا وألمانيا وبريطانيا، وسعى خلال حياته لإلحاق فلسطين بعجلة الارتقاء في أوضاعها الصحية، بحيث تصبح قادرة على مجاراة التطورات العلمية الصحية الحديثة والاندماج بروحها.

أسس تخصص طب الأطفال في فلسطين في وقت كان كثيرون يعتبرونه فرعا صغيرا وغير متميز عن الطب العام، ولا يعتبر مجج رائدا فقط لكونه أول طبيب أطال في البلاد ولكن لإضافته المنهجية في ممارسة هذا التخصص.

حظيت به المملكة الأردنية وزيرا متعدد الأبعاد الفكرية واسع المدارك قادرا على البذل والعطاء، غير ملتفت إلى جاه أو مال أو شهرة، وقاد ثلاث وزارات في آن واحد فطور وأجزل العطاء.

أنور الخطيب
وتناول الفصل الثالث من الكتاب محافظ القدس السابق أنور الخطيب التميمي (1917-1993) الذي لقب برجل المهمات الصعبة، تولى منصب رئاسة مجلس بلدية القدس في أحلك الأوقات، وسفيرا للأردن في مصر، ومحافظا للقدس، بالإضافة لقيادته وزارات في حكومات عدة.

التقى التميمي في حياته مع الصف الأول من قادة العرب والعالم، لم يكن قياديا في منظمة التحرير الفلسطينية إلا أنه كان يحظى باحترام وتقدير كبيرين من أبي عمار وأبي جهاد، فيستمعان له ويأخذان برأيه عندما يشتد الخطب.

اتخذ أنور التميمي في حياته قرارات مهمة وجريئة للمحافظة على المقدسات الإسلامية وإدارة المؤسسات المقدسية، ومن بين القضايا الكبرى التي تمكن من إنجازها استمرار عمل مستشفى المقاصد الخيرية بالقدس، والتي كانت سلطات الاحتلال تنوي تحويلها لمقر للشرطة الإسرائيلية.

عندما اشتعلت ثورة البراق عام 1929 لم يكن حسني الأشهب قد بلغ الرابعة عشرة من عمره، فانتقل كباقي طلاب جيله من طالب متظاهر إلى حامل للسلاح

حسني الأشهب
التربوي المقدسي حسني الأشهب (1915-1999) خصص له الجزء الرابع من الكتاب وسلط الضوء على أهمية دوره في قيادة الصراع مع الاحتلال ورموزه وأعوانه حتى تمكن من تخليص التعليم في القدس من براثن التهويد الذي شرع به الاحتلال من اللحظة الأولى لاستكمال احتلال القدس بشطريها.

عندما اشتعلت ثورة البراق عام 1929 لم يكن حسني الأشهب قد بلغ الرابعة عشرة من عمره، فانتقل كباقي طلاب جيله من طالب متظاهر إلى حامل للسلاح دفاعا عن نفسه وأهله ومقدساته ووطنه.

ونتيجة لمشاركته في المسيرات الدينية والمظاهرات ضد المحتل البريطاني والإسرائيلي وهو في شبابه المبكر، اكتسب القدرة على تنظيم وقيادة الفعاليات الوطنية من مظاهرات وإضرابات.

ومع احتلال الشطر الشرقي من المدينة قال حسني الأشهب حينها إن أسرلة مكتب التربية والتعليم والمدارس يعني أسرلة القدس كلها، وتفرغ لمقاومة قرار الاحتلال وأبلغ عددا من رجال التربية في القدس والضفة الغربية، وأعلنوا وقوفهم معه في كل خطواته وطالب دعم الحضور في إعلانه للإضراب.

وكان لافتتاح مدارس عدة على يد مدير مكتب التربية والتعليم في الأوقاف الإسلامية حسني الأشهب الأثر في ازدياد نزوح طلبة المدارس الابتدائية الرسمية إلى هذه المدارس، وكان لهذا النزوح أكبر الأثر في اتخاذ المعارف الإسرائيلية قرار تدريس المنهاج الأردني في مدارسها.

بعد حرب عام 1967 استقر الشيخ المحتسب مع كثير من الرجالات والعلماء في مدينة القدس، وأسسوا الهيئة الإسلامية

حلمي المحتسب
ومن بين الشخصيات المقدسية التي أفرد لها الكتاب اهتماما الشيخ حلمي المحتسب (1906-1982) وهو أحد أركان الأوقاف والمقدسات الإسلامية، تحلى بشخصية سياسية وإدارية مسلحة بالإيمان.

سافر في أواسط العشرينيات إلى القاهرة ودرس في الأزهر الشريف، وحصل على شهادتين: الأهلين والعلمية للغرباء وهي دراسة متخصصة في الشريعة الإسلامية.

وبعد حرب عام 1967 استقر الشيخ المحتسب مع كثير من الرجالات والعلماء في مدينة القدس، وللضرورة التي أوجدتها ظروف الاحتلال أسسوا الهيئة الإسلامية وجعلوا مقرها القدس بهدف مواجهة الاحتلال ومنعه من إدارة شؤون المسلمين في القدس والضفة الغربية ولحماية المقدسات الإسلامية من الاعتداء والمحافظة على استمرارية عمل المؤسسات المقدسية وخدمة المواطنين.

سعيد صبري
شيخ آخر لم يغفل المؤلفان إحياء سيرته في الكتاب هو سعيد صبري (1910-1973) وهو شيخ أزهري قاوم مخططات الانتداب البريطاني ومؤامراته لصالح اليهود، ثم واجه عمليات التهويد التي جرت منذ أن ظهرت الحركة الصهيونية في أرض فلسطين، مرورا بالنكبة والنكسة وما بعدهما وما بينهما.

تولى سعيد صبري عدة مناصب من بينها قاض شرعي للقدس، وعين عضوا في محكمة الاستئناف الشرعية وعضوا في مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية فخطيبا للمسجد الأقصى المبارك، وكان من مؤسسي الهيئة الإسلامية العليا، ثم عين عضوا للجنة التنفيذية لإعمار المسجد الأقصى على إثر حرقه على يد العصابات الصهيونية.

كان آخر من وقف خطيبا على منبر صلاح الدين الأيوبي في الأقصى قبل الحريق، ثم استمر في إلقاء خطبه ودروسه على المنبر المؤقت إلى أن لقي وجه ربه.

غياب الحسيني أفرح الاحتلال لكنه في نفس الوقت لم يجرؤ على الاقتراب من جنازته فأخلى مسارها المتجه لدفنه في باحات المسجد الأقصى

فيصل الحسيني
أمير القدس فيصل الحسيني (1940-2001) تربعت سيرته على عدد من صفحات الكتاب أيضا، فهو ابن المناضل الشهيد عبد القادر الحسيني الذي ارتقى بينما لم يكن فيصل يتجاوز الثامنة من عمره.

انتسب لحركة القوميين العرب وهو في السابعة عشرة من عمره، وأسس المنظمة الطلابية الفلسطينية قبل بلوغه العشرين، ودرس الهندسة في الأكاديمية العسكرية وبعد تخرجه عمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس، ثم انضم لقوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سوريا عام 1967.

كان من الوطنيين الفلسطينيين الأوائل الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد الحرب مباشرة بتهمة تشكيل مجموعات عسكرية وحيازة أسلحة، وحكم عليه بالسجن لمدة عام سنة 1967.

قاد فيصل الحسيني عملية تأسيس جمعية الدراسات العربية ثم بيت الشرق، وعندما عينه الراحل ياسر عرفات مسؤولا عن ملف القدس أقام علاقات عربية ودولية ممتازة، وانفرد بموضوع القدس وأخذ يبحث عن تمويل لمشاريعها ومؤسساتها من منظمات عربية ودولية على المستويات التعليمية والصحية والشبابية.

غياب الحسيني أفرح الاحتلال لكنه في نفس الوقت لم يجرؤ على الاقتراب من جنازته فأخلى مسارها المتجه لدفنه في باحات المسجد الأقصى، لإدراكه أن الجماهير المشيعة لأمير القدس كانت ستحرق الأخضر واليابس لأجله إذا أقدم أحد على استفزازها.

على رأس أهداف أبو الزلف كان جعل صحيفة القدس المنبر المؤهل للدفاع عن الحقوق الوطنية والقومية وحق الإنسان الفلسطيني

محمود أبو الزلف
الفصل الثامن من الكتاب أفرد للحديث عن الإعلامي المقدسي محمود أبو الزلف (1924-2005) أحد الشخصيات التي عكست صورة مشرقة للعالم، فهو الذي أسس صحيفة القدس التي بدأت نطفة إعلامية ثم ترعرعت ونمت وتعمقت حتى أصبحت الملاذ الرئيس للباحث عن المعلومة الدقيقة والموثقة، واكتسبت هذه المؤسسة الإعلامية تلك الخصائص وتمتعت بها رغم الألغام التي زرعها الاحتلال في طريقها.

على رأس أهداف أبو الزلف كان جعل صحيفة القدس المنبر المؤهل للدفاع عن الحقوق الوطنية والقومية وحق الإنسان الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام في العيش بحرية على أرضه.

وبخصوص العلاقة مع الاحتلال، أعلن أبو الزلف مع انطلاق العدد الأول من صحيفته رفضه التعايش التطبيعي معه، ورفضه القبول بهذا الاحتلال والمطالبة بمغادرته الفورية للأراضي التي احتلها إثر عدوانه.

نهاد أبو غربية
المربي نهاد أبو غربية (1913-2009) كان له نصيب من الذكرى الطيبة في الكتاب، ووصفه المؤلفان باسم حُفر باللغة العربية الفصحى في صخور القدس وعلى أعالي جبالها وهضابها، فكل القدس تشهد له تربويا، فهو الذي أرسى واحدا من أهم أعمدة القدس وهي "الكلية الإبراهيمية" التي تدرس عن القدس بأقصاها وقيامتها وصخرتها فتحفظ لها عروبتها وفلسطينيتها.

يسرد الكتاب العثرات الكثيرة التي مر بها أبو غربية خلال رحلة تأسيس الكلية الإبراهيمية وتطورها من مدرسة إلى كلية، وأسهب المؤلفان في الحديث عن مهارته في إدارة الأزمات والقدرة على التحرك بنجاح وسط حقل الألغام، وخلق التوازن بين المتناقضات دون التنازل عن الثوابت الوطنية.

كان معيار تقييم هند الحسيني لأي مسؤول هو بقدر ما يقدم للمساكين والمشردين من أبناء فلسطين وبناتها

هند الحسيني
الفصل العاشر والأخير أفرد للحديث عن المقدسية الراحلة هند الحسيني (1916-1994) التي ولدت أثناء الحرب العالمية الأولى وغيرت الحرب العالمية الثانية مجرى حياتها، وما بين الحربين كانت المقدسية الحسيني تعد نفسها للحصول على العلم والمعرفة في أعلى مستوياتهما.. عاشت آلام النكبة وعذاباتها وتجرعت مرارة النكسة وما آلت إليه القدس، وما بين هاتين الكارثتين وما بعدهما، شمرت عن ساعديها وكرست حياتها لأولئك الأطفال الأيتام الذين كانت ترى في البسمة على وجوههم السعادة في أوجها.

كان معيار تقييم هند الحسيني لأي مسؤول هو بقدر ما يقدم للمساكين والمشردين من أبناء فلسطين وبناتها، رفضت أضواء الشهرة والإعلام كما رفضت تلقي الهدايا والجوائز فانزوت في ركن في بيتها لتضيء العالم المظلم للأيتام والفقراء، وفعلت ذلك للأطفال الفلسطينيين وهي تقول: لو مات هؤلاء الأطفال لمُحي الشعب الفلسطيني، في إشارة لأطفال دير ياسين المشردين ممن نجوا من المجزرة، والذين أسست لهم لاحقا مدرسة دار الطفل العربي لرعايتهم وتعليمهم.

وتطرق الكتاب لتأسيس الحسيني كلا من متحف التراث الفلسطيني، وكلية الآداب للبنات "كلية هند الحسيني" حاليا.

المصدر : الجزيرة