أن ننصر فلسطين رقمياً.. لماذا وكيف؟

أن ننصر فلسطين رقمياً.. لماذا وكيف؟"
شاركت حتى اليوم بعدد لا أعرفه من المقابلات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية وغيرها بغرض الحديث عن القضية الفلسطينية، وتحديداً عن دور الإعلام الرقمي في خدمة هذه القضية التي لا نشك ولو بمقدار ذرة بعدالتها ومظلوميتها في الوقت ذاته.

في جميع تلك اللقاءات يكاد يكون هناك سؤال ثابت يعترضني باستمرار، حتى إنني ومع مرور الوقت حرصت على أن أطور ما يشبه الإجابة النموذجية عن هذا السؤال "هل تؤمن حقاً بنجاعة هذه الوسائل (الرقمية) في خدمة القضية الفلسطينية؟ هل لهذه الحملات تأثير على أرض الواقع أم أنها تأتي في سياق التنفيس العام؟".

وبالرغم من كوني لا أعرف ما المقصود بالتنفيس والتنفيس العام تحديداً؛ إلاّ أنني أعتبر أن هذا النوع من الأسئلة ناجم عن ما يمكن أن أسميه بعدم الدراية -أو المعرفة إن شئتم- بأهمية الإعلام الرقمي وماهيته.

بتنا لا نكاد نستمع إلى نشرة إخبارية، أو برنامج تلفزيوني أو إذاعي، دون أن يذّكر قارئ النشرة أو مقدم البرنامج بحسابات القناة أو الإذاعة على المنصات الرقمية

تغير متسارع
إن القنوات الفضائية الكبرى، والصحف العالمية، والإذاعات، وغيرها من الوسائل الإعلامية، وعلى الرغم من عزوفها التام عن ولوج عالم الإعلام الرقمي، والعمل على التقليل من شأنه مع إرهاصاته الأولى؛ إلاّ أنها سرعان ما بادرت إلى حجز نطاقاتها على كافة المنصات الرقمية لاحقاً، ولم تلبث كثيراً لتفهم أن متطلبات العصر الإعلامية في تغير متسارع وانحياز واضح نحو الإعلام الرقمي، حتى أننا بتنا لا نكاد نستمع إلى نشرة إخبارية، أو برنامج تلفزيوني أو إذاعي، دون أن يذّكر قارئ النشرة أو مقدم البرنامج بحسابات القناة أو الإذاعة على المنصات الرقمية، والأكثر أن هذه الوسائل باتت تعمل على تطوير محتوىً خاص بالمنصات الرقمية صار يعرف لاحقاً بالمحتوى الرقمي
.

وبطبيعة الحال فإن ما أشرت إليه أعلاه من تسابق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للحضور بصورة لافتة في الإعلام الرقمي، ينسحب على كافة وسائل الإعلام الأخرى حتى المطبوعة منها، وليشر إلى من لم يلحظ ذلك إلى صحيفة أو مجلة باتت تهمل طباعة نطاقاتها الرقمية على صفحاتها؛ بل إن الأمر تجاوز ذلك ليصبح للوسائل المطبوعة مواد مرئية يمكن تصفحها من خلال المنصات الرقمية كـ يوتيوب وفيسبوك وغيرها.

بعيداً عن المؤسسات، فإن مشاهير وقادة العالم اليوم باتوا يتزاحمون على أبواب العالم الرقمي، ويكفي أن أشير إلى أن رئيس أكبر دولة في العالم بات يخاطب هذا العالم من خلال حسابه على تويتر؛ بل إن تغريدة لأحد السياسيين في دولة ما كفيلة بخلق أزمة دبلوماسية مع دولة أخرى، ولعله بات من المألوف مؤخراً متابعة نوبات من حالات "الردح السياسي" المتبادل بين زعماء دول عبر منصات الإعلام الرقمي. ولعلي غير مضطر للإسهاب أكثر في ضرب مزيد من الأمثلة لأدلل على أهمية الإعلام الرقمي.

صحيح أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة في أفئدة المخلصين من شعوب العالم الحر منذ نكبتها الأولى، ولكنها ومع هيمنة الصهاينة على الإعلام العالمي، غابت وظلت تغيب عنهم بتفاصيلها الدقيقة، وبمعاناة الحياة اليومية، وبتعقيداتها المتسارعة والتي لا تتوقف.

يبرز عجز الإعلام التقليدي عن نقل الصورة في كثير من الأحيان لاستحالة وصول المراسل إلى مكان الحدث، أو لتعرض مقرات القناة للقصف، أو لأسباب لوجستية أحياناً

محطات مفصلية
ولعل بعض الفضائيات العربية مع انطلاقتها القوية، وانحيازها الواضح لقضايا الأمة بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، قدّمت خدمة جليلة لهذه القضية؛ إذ كسرت ولو بشكل نسبي حاجز ذلك الاحتكار
.

ولكنّي أعود بالذاكرة إلى محطات مفصلية استحضرت فيها عجز هذه المحطات عن نقل الصورة للعالم كما هي، نظراً لتعقيدات الظروف في تلك الفترة ربما، ولعل من أدلّ الأمثلة على ذلك الحروب المتتالية التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث كان يبرز عجز الإعلام التقليدي عن نقل الصورة في كثير من الأحيان لاستحالة وصول المراسل إلى مكان الحدث، أو لتعرض مقرات القناة للقصف، أو لأسباب لوجستية أحياناً، ولحسابات لا نعرفها أحياناً أخرى… إلخ.

لقد برز دور الإعلام الرقمي في تلك التغطيات بشكل لافت وملموس، وأذكر كيف تحوّل عدد كبير من النشطاء إلى مصادر موثوقة للأخبار، وكيف فضحت منصات الإعلام الرقمي جرائم الاحتلال، وكيف عرته أمام العالم. لقد سجل نشطاء –بعضهم في مقتبل العمر- أنفسهم كمراسلين ميدانيين، وأذكر كيف صنّف بعضهم ضمن قائمة الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم في ذلك العام.. إلخ.

من زاوية أخرى؛ فقد عمد الاحتلال إمّا بالاعتماد على بروتوكولات التعاون الذي وقعها مع بعض المنصات كشركة فيسبوك، أو من خلال حملات التبليغ عن المحتوى الفلسطيني، إلى إغلاق عدد من الحسابات وقنوات لنشطاء فلسطينيين وعرب ساهموا في فضح الاحتلال، ونصرة القضية الفلسطينية رقمياً، هذا إلى جابب عدد من الصفحات المليونية التي تم الضغط باتجاه إغلاقها وإيقافها عن الاستمرار في نقل الحقيقة.

الناشط الرقمي اليوم يقدم للقضية الفلسطينية خدمة جليلة لا يصح أنكارها أو الانتقاص منها؛ بل إن الواجب علينا أن نبحث عن سبل للدعم والتطوير

إن قضية فلسطين تحتاج لكل جهد إعلامي قلّ أو كبر لتصل إلى العالم، والإعلام الرقمي اليوم لم يعد وسيلة يستهان بها، أو يمكن أن يُنتقص من شأنها وأثرها، والناشط الرقمي اليوم يقدم للقضية الفلسطينية خدمة جليلة لا يصح أنكارها أو الانتقاص منها؛ بل إن الواجب علينا أن نبحث عن سبل للدعم والتطوير لضمان استمرار هؤلاء النشطاء في نشاطهم.

كيفية النصر
أمّا عن السؤال: كيف؟ فلعلي أدوّن بعض النقاط التي أراها من الأهمية بمكان لكل من يريد أن ينصر القضية الفلسطينية رقمياً
:

فهم المنصة أكثر من منتصف المناصرة: فهم المنصات الرقمية جيداً قبل المباشرة في التعامل معها، فلكل منصة خصوصيتها، وما يصلح لواحدة لا يصلح للأخرى، ولكل منها جمهور ينبغي مخاطبته بالكيفية التي يفهمها.

وإلى جانب فهم خصائص المنصات الرقمية المختلفة، نحن بحاجة إلى فهم السياسة التحريرية لهذه المنصات، وصياغة وإعداد المواد الرقمية بما يقطع الطريق أمام حذفها أو إغلاق حسابات أصحابها بذريعة مخالفتها سياسات تلك المنصات.

– امتلاك المنصة والمتابعين لا يكفي: التدريب والتطوير، فمجرد الولوج إلى هذا العالم الرقمي وامتلاك أعداد كبيرة من المتابعين، لا يكفي بالضرورة للتأثير بهم.

إننا بحاجة لدورات متخصصة تربط بين الإعلام الرقمي والقضية الفلسطينية بشكل مباشر، نحتاج لتعلم مهارة التصميم للقضية الفلسطينية، وإنتاج الفيديو الرقمي الفلسطيني، والمواد الرقمية الفلسطينية المتطورة، وغيرها من العناوين، إننا نحتاج باختصار إلى تطوير أدائنا في إنتاج المحتوى الرقمي الفلسطيني.

استثمار المناسبات الفلسطينية الهامة، والأحداث الآنية التي تسهم في فضح جرائم الاحتلال، وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته

– لا تحقرنّ من الإعلام الرقمي شيئاً: التحول من مقعد المتفرج والناقد للأنشطة والفعاليات الرقمية، إلى مقعد المشارك والداعم لها، وعدم الانتقاص من أي جهد أو نشاط من شأنه تحريك الآخر، ونشر القضية والانتقال بها جمهور جديد.

  المعلومة الصحيحة في الزمان الصحيح: استثمار المناسبات الفلسطينية الهامة -وما أكثرها- والأحداث الآنية التي من شأنها أن تسهم في فضح جرائم الاحتلال من جهة، وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته من جهة أخرى، للحديث عنها ونشرها على أوسع نطاق ممكن.

– القضية إلى العالمية: علينا أن نتوقف عن مخاطبة أنفسنا والتحول إلى مخاطبة العالم، كل العالم. إنني في هذا السياق أتعجب من الناشط الذي يتحدث أي لغة أخرى غير العربية ولا يستدعيها للحديث عن قضيته بها؛ إذاً كيف ستصل هذه القضية لأبناء تلك الشعوب؟ ولعل من الضروري هنا أن أذكر بضرورة اختيار المضامين والمصطلحات بعناية فائقة، بما يخدم القضية الفلسطينية عالمياً ويسهم في كسب متضامنين ومناصرين جدد حول العالم..

نتكامل ولا نتنافر: إن جو التنافس مطلوب ومستحب، وهو في حالة القضية الفلسطينية أدعى وأوجب، ولكنّي أرى أن من الأهمية بمكان الإشارة إلى ضرورة أن يدعم النشطاء بعضهم البعض، وأن يساهموا في نجاح وانتشار بعضهم البعض، فكل حالة نجاح تسجل في خدمة القضية الفلسطينية ترفع من رصيدها وتزيد من فرص انتشارها.

ما يليق بفلسطين: لنحرص على أن يكون إنتاجنا الرقمي الداعم للقضية الفلسطينية في غاية الجاذبية والاتقان، نريد أن تكون التصاميم والفيديوهات والإنتاجات الرقمية التي تتحدث عن فلسطين الأكثر جذباً وإتقاناً، ونريد أن تكون التقنيات الرقمية الموظفة لخدمة القضية الفلسطينية الأكثر حداثة وتنوعاً، ولا نريد أن نتوقف أمام الوسائل والتقنيات التقليدية، ولنسعى لتوظيف كافة الفنون الرقمية على اختلافها في خدمة هذه القضية.

المصدر : الجزيرة