يوم من أيام القدس كتبه أبناؤها بالتضحيات

صور صلاتي المغرب والعشاء في المسجد الأقصى
تقديرات بتمكن نحو مئة ألف فلسطيني من دخول المسجد الأقصى عصر الخميس بعد إغلاق استمر لأسبوعين (الجزيرة)
بدأت احتفالات المقدسيين بقرب العودة إلى المسجد الأقصى مبكرا، فما إن عرف الناس من خلال وسائل الإعلام بعد منتصف ليلة الخميس أن سلطات الاحتلال بدأت بإزالة الإضافات الحديدية التي وضعتها على أبواب المسجد، حتى تجمعوا في منطقة باب الأسباط مرددين الهتافات والتكبيرات حتى ساعات الفجر الأولى. أما من لم يتجمعوا عند باب الأسباط، فقد أطلقوا في أحيائهم المفرقعات النارية تعبيرا عن الابتهاج.

كان التعطش للنصر كبيرا، ما إن طلع نهار الخميس حتى تجمع المقدسيون مبكرا عند باب الأسباط محتفلين بإجبار الاحتلال على إزالة كل التعديات التي وضعها على بوابات الأقصى، ومنها الكاميرات والبوابات الإلكترونيةاختلطت هناك على مداخل الأقصى زغاريد النساء بتكبيرات الشباب، بينما وزع آخرون الحلويات على الحاضرين، أو رشوا حبات الحلوى فوق رؤوس المحتفلين والمرددين للهتافات.

أما الهتافات فلم تنس أحدا ممن كان له باع في اعتصامات المقدسيين، دعما أو تخاذلا. فقد هتف الشبان ضد تخاذل الزعماء العرب، وضد رجال المخابرات الإسرائيلية، بينما حيوا مدينة أم الفحم وأهاليها، ورددوا شعار الاعتصام الأكبر "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".

لحظات تجمع الفلسطينيين على أبواب الأقصى تمهيدا لدخوله (الجزيرة)
لحظات تجمع الفلسطينيين على أبواب الأقصى تمهيدا لدخوله (الجزيرة)

نصر باب حطة
كان المحتفلون بانتصار الأقصى من كل الأعمار والفئات، ولم تمنعهم حرارة الشمس المرتفعة من الهتاف. السيدة رحاب السلايمة (70عاما) ورغم تقدم العمر بها، انتظرت مع المحتفلين فتح الأبواب، وما إن بدأت حديثها عن المسجد حتى انفعلت وبدت الدموع في عينيها، قائلة "هذا حياتنا الأقصى". أما السيدة سهام كاشور فقد جلبت معها بناتها الثلاث وهن مرتديات فساتين جميلة قالت إنها ملابس عيد الفطر، قررت أن تلبسها لبناتها مرة أخرى لأن "اليوم عيد".

غير أن فصولا من هذه الاحتفالات أطول كُتِبت عندما أجبر المقدسيون في لحظة تاريخية سلطات الاحتلال على فتح باب حطة، أحد أبواب المسجد الأقصى، الذي كانت شرطة الاحتلال قد قالت بخصوصه لأحد حراس المسجد صباح الخميس "تحلمون أن يفتح باب حطة".

يذكر أن اجتماع الشخصيات الدينية صباح الخميس خرج بقرار الدخول إلى المسجد الأقصى عند صلاة العصر، بعد اعتصام لمدة 11 يوما على أبوابه، رفضا للإجراءات الإسرائيلية التي فرضت على أبوابه بعد 14 يوليو/تموز الجاري. ولم يتطرق بيان تلك الشخصيات الدينية بشكل واضح لتصريحات الاحتلال ونيته إغلاق باب حطة لفترة طويلة، بحجة أنه الموقع الذي نفذت فيه عملية أبناء الجبارين.

وبينما كانت الشخصيات الدينية تتحضر لدخول المسجد من باب الأسباط، وقف عشرات الشبان أمامهم ومنعوهم من دخول المسجد حتى يفتح باب حطة. كما أعلن الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى في ذلك الموقف أنه لا دخول للمسجد إلا بفتح باب حطة، وأن صلاة العصر ستكون على مشارفه.

في تلك الأثناء سارت مجموعة أخرى من الشبان من منطقة باب الأسباط متوجهة إلى باب حطة، وهي تهتف "لا دخول لا دخول، ولسة باب حطة مقفول". كان المشهد مهيبا لعفويته وصدقه ولتجمع الكثيرين حوله. وقف الشبان أمام حاجز شرطة الاحتلال الذي يمنعهم من الوصول إلى باب حطة، ولم يتوقفوا عن الهتاف مطالبين بفتح باب حطة.

‪آلاف المقدسيين رددوا هتافات النصر في باحات المسجد الأقصى‬ (الجزيرة)
‪آلاف المقدسيين رددوا هتافات النصر في باحات المسجد الأقصى‬ (الجزيرة)

ومع أذان العصر، رضخت شرطة الاحتلال لصمود المقدسيين وإصرارهم، وفتحت باب حطة على مصراعيه، فبدأت الحشود المؤلفة بمجرد فتح باب حطة دخول المسجد من مختلف الأبواب.

سيل بشري
ردد السيل البشري المتوجه إلى داخل المسجد تكبيرات الأعياد، وحملوا على أكتافهم الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى وهو يبكي طوال الطريق مرددا "نصر عبده وهزم الأحزاب وحده". كما حملوا عند باب حطة والد الشهيد محمد أبو غنام، الذي استشهد خلال مواجهات مع الاحتلال يوم الجمعة الماضي.

وما إن دخلت هذه الألوف المسجد حتى سارع الكثيرون إلى السجود على أرضه سجدة الشكر، وشوهدت الدموع على وجوه الكثيرين، حتى أن إحداهن أغمي عليها من الفرحة بمجرد دخولها من باب حطة.

أما في ساحات الأقصى، فقد كانت الأصوات المتعالية والضجيج منبئا عن حجم الفرحة والنصر في قلوب الناس، تجمع الناس على شكل مجموعات، وهتفوا للقدس والأقصى وأم الفحم والشهداء. وسارع بعض الشبان إلى تسلق سطح الجامع القبلي ورفع علم فلسطين فوقه.

ورغم القبضة الأمنية الوحشية التي واجهت بها شرطة الاحتلال المقدسيين يوم النصر على بوابات الأقصى وداخله، فإن الجميع يتشارك في شعور النصر والفرحة بدخول المسجد لأول مرة بعد أسبوعين كاملين من الحرمان، حتى أن البعض اعتبره "تحريرا" جزئيا للمسجد، أو كما عبرت إحدى المعتصمات "كأنه يوم الحج الأكبر".

المصدر : الجزيرة