محمد أبو غنام.. الشهيد المهرب إلى المقبرة

هبة أصلان-القدس

هو ثالث المحمدين الذين ارتقوا شهداء في "جمعة الأقصى"، فغاب صديق والدته وكاتم أسرارها، وفقد إسماعيل رفيق عمره، وفرغ مقعده على طاولة طعام جدته الأسبوعية، ورحل المحترم وزارع البسمة.

ارتقى الشاب المقدسي محمد حسن أبو غنام (عشرون عاما) شهيدا على مدخل بلدته "الطور" شرق القدس المحتلة، عقب مواجهات مع الاحتلال، لينضم إلى الشهيدين محمد شرف من بلدة راس العامود (جنوب شرق المدينة) ومحمد لافي من بلدة أبو ديس.

بعد أقل من ساعة على ارتقائه شهيدا، شُيع جثمان محمد بعد أن هُرب جثمانه من على أسوار مستشفى المقاصد الواقع في بلدة الطور، خشية احتجازه من قبل سلطات الاحتلال التي طوقت المشفى واقتحمت قسم الطوارئ، ليوارى الثرى دون أن تستطيع والدته أن تقبله وتحتضنه لآخر مرة.

صدمة الوالدة
الأم المكلومة سوزان أبو غنام، وإن كانت احتسبت ابنها شهيدا، فإنها مصدومة من تسارع الأحداث، فلم يبق من أثر ابنها وصديقها في يوم استشهاده سوى قميصه الأبيض الذي تعطر بدمه، تمسكه الأم بين يديها المرتجفتين وتشد عليه بما أوتيت من قوة.

 محمد أبو غنام واظب قبل استشهاده على الاعتصام رفضا لوضع بوابات إلكترونية على أبواب الأقصى (الجزيرة)
 محمد أبو غنام واظب قبل استشهاده على الاعتصام رفضا لوضع بوابات إلكترونية على أبواب الأقصى (الجزيرة)

ألم أم الشهيد محمد مضاعف؛ فهي لم تودعه وتطبع آخر قبلاتها على جبينه، وصلت المستشفى فأخبروها بأنه في غرفة العمليات، لكن الحقيقة تقول إنه ارتقى شهيدا.

تقول الأم في ابنها حافظ القرآن ومؤذن مسجد الحي "يا ليتني ودعته وزففته شهيدا مع الشبان، طلب الشهادة ونالها، الليلة التي سبقت استشهاده عاد متأخرا وعندما عاتبته، قال مثلي مثل الشباب يما وبكرا برفع راسك".

وتستذكر والدته، كيف كانا يرابطان في المسجد الأقصى مع كل انتهاك يتعرض له، وفي الأسبوع الأخير بعد زرع البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد كان محمد مواظبا على الاعتصام مع المصلين عند صلاتي المغرب والعشاء، وتضيف الأم "يا ريت يرجع ويكمل الرباط".

لم يكن يعلم إسماعيل -ابن خال الشهيد- أن إحدى سيارات الإسعاف التي دخلت ساحة المشفى وهو يساعد حراسها في النظام، تحمل ابن عمته ورفيق عمره، كما وصفه.

سوزان أبو غنام تفتقد ولدها محمد الذي غادر ودفن دون أن تودعه (الجزيرة)
سوزان أبو غنام تفتقد ولدها محمد الذي غادر ودفن دون أن تودعه (الجزيرة)

دقائق معدودة مرت، حتى وصل والد الشهيد فسأل إسماعيل عن صحة إصابة محمد، دخلا معا نحو قسم الطوارئ، "كان محمد على السرير، قلبه مفتوح، شاهدت رصاصتين داخله وكان ينبض، ورصاصة ثالثة في رقبته، وعشرة أطباء يحاولون إنقاذ حياته".

وبحسب شهود عيان كانوا في موقع استشهاد محمد، فقد عرقلت قوات الاحتلال وصول سيارة الإسعاف أكثر من عشر دقائق، كما منع اقتحام قوات الاحتلال قسم الطوارئ في المشفى نقله إلى غرفة العمليات في اللحظات الأولى لوصوله المشفى.

يقول إسماعيل متوترا "نجحوا في نقله لغرفة العمليات لدقيقة واحدة فقط قبل أن يعلنوا استشهاده، رافقته في كل شيء، حتى لحظات استشهاده، الله يرحمه".

المهندس المهذب
ويصف ابن خال الشهيد، كيف كان طيبا، مهذبا، مجتهدا في دراسته لنظم الحاسوب في جامعة بيرزيت، التي أنهى فيها سنتين من التعليم
.

فايزة أبو غنام جدة الشهيد محمد ستذكر إطلالته المستمرة عليها (الجزيرة)
فايزة أبو غنام جدة الشهيد محمد ستذكر إطلالته المستمرة عليها (الجزيرة)

"كنت أحب استفزازه، أتفنن في عمل المقالب به، لم أتوقف عن هذه العادة منذ كنا صغارا، محمد كان شهما ودائم البسمة والضحك"، أردف إسماعيل.

"ثلاثة ماتوا موت الأسود، جودي يا أمي بالعطاء جودي". هذا ما رددته جدة الشهيد في مجلس العزاء، مستذكرة كيف كانت تريد تزويجه وهو يرد بالرفض ضاحكا.

وبحسب الجدة، أصبح قبل استشهاده بعدة أشهر دائم التردد عليها، ويطلب منها أن تجهز له أكلاته المفضلة، وكان يثني على طعامها بألا مثيل له ولنكهته.

كان محمد ثاني شهداء "جمعة الأقصى"، سبقه محمد شرف، ولحق به محمد لافي ويوسف كاشور،  وباستشهادهم لم تقلب الصفحة وما زال الرفض للبوابات وأي إجراءات احتلالية أخرى قائما؛ فأهالي القدس وضواحيها قالوا كلمة واحدة "لا للبوابات".

المصدر : الجزيرة