العلمي: الرقيب العسكري كبل الصحافة المقدسية

ماهر العلمي - صحفي فلسطيني - صحيفة القدس
العلمي: عندما انفردنا بنشر تفاصيل عملية دلال المغربي ورفاقها طبعنا خمسين ألف نسخة خلال أربع ساعات (الجزيرة)

هبة أصلان-القدس 

بعد خمسين عاما من الكتابة وتحرير الأخبار يستذكر سكرتير تحرير صحيفة القدس المقدسية ماهر العلمي نشأة الصحيفة ومراحل تطورها والتحديات التي واجهتها، وطرق الرقابة العسكرية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على محتوياتها.

بدأ ماهر العلمي عمله في صحيفة القدس منذ تأسيسها على يد محمود أبو الزلف عام 1968، والتي كانت امتدادا لصحيفة الجهاد التي توقفت عن الصدور بعد سبع سنوات من انطلاقها عندما قررت الحكومة الأردنية توحيد صحف الضفتين الشرقية والغربية ونقل مقراتها إلى الأردن.

رفض أبو الزلف -وفق العلمي- الانتقال إلى الأردن، وأخذ على عاتقه متابعة العمل الصحفي من القدس، ولم يقبل الاعتماد على صحيفة "الأنباء الحكومية"، وهي صحيفة للاحتلال ناطقة باللغة العربية في حينه.

يقول سكرتير تحرير الصحيفة "كنا نجلس في غرفة التحرير بشارع صلاح الدين بالقدس نستمع إلى الإذاعة وتصلنا الأخبار من مراسلينا ومن الوكالات العالمية، نكتبها ونحررها ونبدأ بطباعتها على ماكينات تعمل بالرصاص المصهور، أي خطأ يضطرنا لإعادة الكتابة من جديد في عملية كانت تستغرق أكثر من عشر ساعات".

الرقابة العسكرية الإسرائيلية على صحيفة القدس ظلت تشتد بحكم انتشارها الواسع (الجزيرة)
الرقابة العسكرية الإسرائيلية على صحيفة القدس ظلت تشتد بحكم انتشارها الواسع (الجزيرة)

الرقابة العسكرية
بدأت صحيفة القدس الصدور بأربع صفحات فقط، وبعد الرواج أمست الناقل الوحيد للخبر في تلك الفترة "علم أبو الزلف كيف يرضي الجميع ويكون متوازنا في علاقاته، مما عزز من شعبية صحيفته" وفق العلمي.

ظلت الرقابة العسكرية الإسرائيلية على صحيفة القدس تشتد بحكم انتشارها الواسع، وتزداد مع كل حدث أمني يمس الاحتلال، ولعل أفظع أشكال الرقابة كما يصفها العلمي كان خلال حرب الخليج عام 1991، حيث كان مجبرا على إرسال كافة صفحات الجريدة للرقيب العسكري.

يقول العلمي "خلال الحرب عملت لمدة ستين يوما وحدي، أرسل الصحيفة للرقيب العسكري فيعيدها وقد شطب معظم المواد، حتى الافتتاحية".

ويستذكر سكرتير التحرير -ضاحكا- جهل الرقيب العسكري ذي اللغة العربية الركيكة وكيف شطب مرة كلمة "فتح" من الآية القرآنية "نصر من الله وفتح قريب" ظانا أن المقصود حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

لم تكن الصحيفة -التي ما زالت تخضع للرقابة حتى اليوم- بعيدة عن قرارات الإغلاق لعدم استجاباتها لأوامر الرقيب العسكري، خاصة عندما نشرت خلال أحداث الانتفاضة الأولى صورة من وكالة الأنباء العالمية رويترز لطفل يركض خلف أحد جنود الاحتلال حاملا العلم الفلسطيني.

يقول العلمي طلبت من أبو الزلف أن أنشرها على الصفحة الأولى، لكنه كان يعلم أن الرقيب العسكري سيشطبها، فطلب مني أن لا أرسلها مع باقي المواد إلى الرقيب ليراجعها ونشرها لاحقا فتم إغلاق الصحيفة لأربعة أشهر.

صحيفة القدس كان اسمها صحيفة الجهاد وتأسست عام 1951 ثم تحولت إلى اسمها الحالي عام 1968 (الجزيرة)
صحيفة القدس كان اسمها صحيفة الجهاد وتأسست عام 1951 ثم تحولت إلى اسمها الحالي عام 1968 (الجزيرة)

وذكر أن صفحات الجريدة كانت تختم من قبل الرقيب العسكري بأربعة أختام، ختم مثلث يعني الشطب، وختم دائري يتوسطه مستطيل يعني الشطب الجزئي، وختم مربع يفيد بتأجيل النشر، أما الختم المستطيل فيعني الموافقة.

احتضار الصحافة
يبدي العلمي قناعة باحتضار الصحافة الورقية مقارنا بين توزيع صحيفة القدس سابقا، واليوم "كنا نوزع ثلاثين ألف نسخة يوميا، من بينها 18 ألفا ترسل إلى قطاع غزة، أما اليوم فنطبع أقل من عشرة آلاف نسخة، عدد كبير منها لا يباع".

وأضاف "عندما انفردنا بنشر تفاصيل عملية دلال المغربي ورفاقها طبعنا خمسين ألف نسخة خلال أقل من أربع ساعات بيعت جميعها".

أما أسباب الاحتضار فيراها بغياب الدعم المالي الكافي لتطور الصحف، والاعتماد على صحافة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت أخبار الصباح قديمة، "فمتعة تصفح الجريدة وارتشاف فنجان من القهوة لم يعد لهما معنى" يقول العلمي.

المصدر : الجزيرة