هل يشكل مرسوم الرئيس التونسي بشأن مجلس القضاء خطرا على استقلالية السلطة القضائية؟

تونس- تتعاظم مخاوف القضاة التونسيين وأحزاب سياسية من رغبة الرئيس التونسي قيس سعيّد في بسط سيطرته على جميع السلطات، بعد إصدار مرسوم مثير للجدل، يتعلق بإحداث مجلس مؤقت للقضاء يعوض الحالي، فيما يقول داعموه إنه بصدد إرساء مسار إصلاحي لتطهير القضاء.

 استقلالية القضاء

خلّف المرسوم المتعلق بإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء ونشر فصوله في الجريدة الرسمية للبلاد التونسية؛ موجة من الجدل بين الأسلاك القضائية التي اعتبرته تدخلا سافرا في السلطة القضائية واختطافا للجسم القضائي من قبل السلطة التنفيذية.

ويرى القاضي والمستشار بمحكمة التعقيب حمادي الرحماني أن الرئيس ارتكب خطأ جسيما وتجاوز اختصاصه، بإحداث هذا المجلس بمرسوم رئاسي ليحل محل مجلس تم تكوينه بموجب الدستور.

وشدد -في حديثه للجزيرة نت- على أن المرسوم الجديد نزع الشرعية الانتخابية التي كانت تتم بموجبها عملية اختيار أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ووضع بدلا منها التعيين، كما أقصى سلك المحامين وأساتذة القانون من التركيبة الجديدة.

وندد الرحماني بخرق الرئيس للفصل 36 من الدستور الذي يقر بحق القضاة في الإضراب، مشيرا إلى أنه أعطى لنفسه حق مراجعة التعيينات القضائية وإجراءات النقل والترقيات وإعفاء القضاة في خرق للفصل 107 من الدستور الذي يمنع إعفاء القضاة إلا من المجلس الأعلى للقضاء.

وختم بالقول إن الرئيس استكمل موجبات استيلائه على السلطة القضائية بالتحكم في مفاصل المجلس الأعلى للقضاء والمسارات المهنية للقضاة المتعلقة بالمباشرة والنقلات والإعفاءات، فيما لم يستبعد أن يكون هذا المرسوم لمزيد الضغط على القضاة وترهيبهم.

تكريس صوريّ

من جهته، نبه المكتب التنفيذي لاتحاد القضاة الإداريين في بيان لخطورة ما تضمنه المرسوم الرئاسي، معتبرا أنه "يكرس لمجلس صوري للقضاء ويمثّل انتهاكا صارخا لمبدأ الفصل بين السلط من خلال تقويض حق القضاة في اختيار نظرائهم بالمجلس عن طريق الانتخاب وتمثيليتهم في جميع الرتب".

وشدد الاتحاد على أن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية تحت شعار "الإصلاح ومحاربة الفساد" يشكّل انقلابا على السلطة القضائية وإلغاء كليا لوجودها بما يلغي معه دور القضاء في حماية الحقوق والحريات وفي تكريس دولة القانون.

ودعا الاتحاد جميع القضاة لعدم الاعتراف بالمجلس القضائي الجديد ومقاطعة أعماله، معتبرين أنه في حكم المعدوم.

تجاوزات الرئيس

ويعتبر أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية لحزب "أمل" أن المرسوم الذي أصدره الرئيس بالجريدة الرسمية للبلاد دليل على تمادي الرئيس في مشروعه الشخصي رغبة منه في تولي جميع السلطات.

وقال الشابي للجزيرة نت إنه بعد أن أقدم الرئيس في 25 يوليو/تموز الماضي على حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان، ها هو اليوم يتجه لحل المجلس الأعلى للقضاء في خرق للدستور ولمبدأ الفصل بين السلطات.

ولم يخف بالمقابل مخاوفه من رغبة الرئيس في تحويل القضاء إلى أداة يطوعها لإسكات كل صوت معارض لقراراته، والانتقام من خصومه السياسيين، وأن يتوجه مستقبلا لوضع يده على الإعلام لتكتمل الصورة.

موقف عمادة المحامين

كان المحامون ممثلون في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بفروعه الثلاثة (مجلس القضاء العدلي والإداري والمالي)، لكن تم استبعادهم من قبل الرئيس قيس سعيّد بمقتضى المرسوم الرئاسي الجديد الذي اقتصر على القضاة المزاولين لعملهم والقضاة المتقاعدين.

ويعتبر عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة في حديثه للجزيرة نت أن مسألة إقصاء المحامين من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء المؤقت يعد إجراء عاديا يتعلق أساسا برغبة الرئيس في تطهير القضاء من خلال مجلس قضائي مؤقت متكون أساسا من القضاة دون غيرهم.

وتوقع بودربالة أن تقتصر مهام المجلس الأعلى للقضاء مستقبلا بتركيبته الموسعة في النظر في الإستراتيجيات الموسعة للقضاء، على أن توكل إلى لجنة خاصة مهام التعيينات والترقيات للقضاة دون سواهم.

ورأى عميد المحامين أن توجه رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم يمنع خلاله القضاة من الإضراب؛ أمر محمود باعتبار أن القضاء سلطة وليست وظيفة.

وقلل بودربالة من المخاوف التي أثارها بعض القضاة من رغبة الرئيس في السيطرة على المرفق القضائي، معتبرا أن استقلالية القضاء تستمد من شخصية القاضي نفسه،" فإذا كان قاضي مستعد للتضحية باستقلاليته مقابل سلطة أو إغراء سياسي فهو لا يستحق ذلك المنصب" وفق تقديره.

تطهير القضاء

وفي حديثه للجزيرة نت ثمن سرحان الناصري رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر، منتقدا أداء القضاة خلال السنوات الماضية.

واعتبر الناصري أن حركة النهضة كانت تتحكم في الجسم القضائي مما عطل مسار التقاضي في ملفات سياسية حارقة شغلت الرأي العام التونسي لسنوات، على غرار ملف الجهاز السري للحركة وقضية الاغتيالات السياسية.

وبخصوص المخاوف التي جاءت على لسان قضاة وقيادات سياسية حول إحكام الرئيس قبضته على الجهاز القضائي، من خلال مرسوم رئاسي وسع به سلطاته بتعيين القضاة وعزلهم، ومصادرة حقهم في الإضراب، استبعد الناصري رغبة الرئيس في المضي نحو تكريس نظام استبدادي.

وأضاف قائلا "نحن نساند الرئيس في كل خطوة يقوم بها لكننا لن نتوانى عن نقده والتصدي له بحال وجدنا أنه حاد عن مسار 25 يوليو/تموز وعن الضمانات التي طرحها في علاقة باستقلالية السلطات".

ودعا الناصري الرئيس لاستكمال "خطواته التصحيحية" بعد تطهير القضاء، بحل باقي الهيئات المنبثقة من البرلمان المجمدة أعماله على غرار هيئة الانتخابات، والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

المصدر : الجزيرة