بعد 37 عاما في الأسر الإسرائيلي.. المفكر الفلسطيني الأسير وليد دقة يواجه سرطان الدم بدل احتضان عائلته

ميرفت صادق فلسطين رام الله 9 أبريل 2019 زوجة الأسير وليد دقة تحمل صورته في مسيرة لدعم إضراب الأسرى الثلاثاء وسط رام الله قبل يوم من نقله إلى العزل.psd
زوجة الأسير وليد دقة تحمل صورته في مسيرة سابقة لدعم الأسرى (الجزيرة)

غزة- "لا نثق بهذا الاحتلال المجرم، ولدينا تخوّف كبير على حياته".. بهذه الهواجس تعيش عائلة الأسير الفلسطيني وليد دقة، بعد أن تلقت خبر إصابته بمرض السرطان، بينما كان يُنتظر أن ينهي محكوميته لولا إضافة الاحتلال عامين جديدين إليها.

كان وقع الخبر على العائلة كالصاعقة، وهي التي كانت تنتظر تحرر وليد (60 عامًا) من السجون الإسرائيلية القابع فيها للعام الـ37 على التوالي، ومنذ اعتقاله عام 1986. وكان وقتئذ شابًّا في منتصف العشرينيات وحكمه الاحتلال بالإعدام، قبل تخفيفه للمؤبد، بتهمة تشكيل خلية فدائية وخطف وقتل جندي إسرائيلي.

وعلى مدى سنوات طويلة، ظلّ تاريخ 23 مارس/آذار 2023 عالقًا في أذهان هذه العائلة التي تعيش في بلدة باقة الغربية بالداخل المحتل، وهو موعد وليد مع الحرية، غير أن محكمة عسكرية عاقبته قبل فترة بعامين إضافيين بتهمة "تهريب هواتف نقالة إلى داخل السجن".

يقول شقيقه أسعد دقة للجزيرة نت "هذا احتلال قاتل، لكننا نثق بقدرة وليد على التحدي والصمود، وأنه سيتحرر من قيوده وسينتصر وسيواصل مشواره الذي بدأه منذ كان شابا".

يُعرف وليد دقة كأحد أبرز الأسرى المفكرين والمثقفين، وصدرت له عدة مؤلفات أبرزها "يوميات المقاومة في جنين"، و"الزمن الموازي" الذي تحوّل إلى عمل مسرحي، و"صهر الوعي" ورواية "حكاية سرّ الزيت" لليافعين، التي حصدت جوائز محلية وعربية.

الاسير وليد دقة
وليد دقة قضى 37 عاما في السجون الإسرائيلية ويُعد من أبرز مفكري الحركة الأسيرة وهو أحد أقدم 9 أسرى فلسطينيين (الصحافة الفلسطينية)

ظلام السجن وغول السرطان

كانت عائلة وليد تعدّ الساعات والأيام بانتظار اللحظة الموعودة بتحرره من السجن، غير أنها أصيبت بصدمة عنيفة، بعدما أكدت الفحوص الطبية إصابته بمرض سرطان الدم. ويقول شقيقه "كنت في زيارته بسجن عسقلان قبل نحو 3 أشهر، وكان يعاني وقتئذ من حالة هبوط وإعياء. وبعد انتظار، نقلته إدارة السجن إلى المستشفى الشهر الماضي، لتتأكد إصابته بالسرطان".

ويضيف أسعد "ليس لدي ما يثبت تعمّد الاحتلال قتل وليد، لكن ما أؤمن به أن هذا الاحتلال مجرم وقاتل، ولا أستبعد تعمده إصابة الأسرى بالسرطانات والأمراض الخطيرة وقتلهم".

ويظهر أسعد تخوفًا حقيقيًّا على حياة شقيقه، لكنه في المقابل يبدي تمسكًا بالأمل، وقال إن العائلة تقدمت بطلب للحصول على تقرير طبي بحالة وليد، وستتقدم بطلب للقضاء ولجنة الإفراج المبكر، "من أجل إطلاق سراحه والسماح لنا كعائلة بعلاجه".

 

 

وتواصلت "الجزيرة نت" مع زوجة وليد، الناشطة سناء سلامة، التي ارتبطت به في عام 1999، وأنجبت منه ابنتهما الوحيدة "ميلاد" بواسطة "نطفة مهربة" في عام 2020، غير أنها لم تكن في وضع يسمح لها بالحديث.

وكتبت سناء على صفحتها بفيسبوك "وجع الحياة لا ينتهي، والصبر لا ينتهي أيضًا كما اليقين بالحرية.. وليد يعاني من المرض والإهمال الطبي، ونقل مؤخرًا إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، للأسف الفحوص أظهرت اليوم إصابة أبو ميلاد بمرض لوكيميا-سرطان الدم، والعلاج الكيماوي سيبدأ بشكل فوري".

وأضافت "كنا ننتظر تحرره بعد 3 أشهر، عقب 37 سنة من الأسر، لولا الإمعان في الظلم وإضافة سنتين على محكوميته. لكن ثقتنا بصمود أبو ميلاد ونجاته وخروجه للحرية في أسرع وقت لا تتزعزع.. كونوا مع وليد بصلواتكم وأمنياتكم".

أيقونات الأسرى.. أكثر من 30 عاما في السجن

يُعدّ وليد دقة واحدا من 9 أسرى يطلق عليهم الفلسطينيون وصف "أيقونات الأسرى"، وهم من مضى على وجودهم في غياهب سجون الاحتلال أكثر من 30 عامًا بشكل متواصل.

ونعرض في ما يأتي أسماء هؤلاء الأسرى:

  • عميد الأسرى كريم يونس: من مواليد عام 1958 في قرية عارة بالداخل، معتقل منذ 6 يناير/كانون الثاني عام 1983، وحُكم عليه حينئذ بالإعدام وخفّف للسجن المؤبد، وتم تحديده لاحقًا بـ40 عامًا، وهو على موعد قريب مع الحرية بداية عام 2023.
  • الأسير ماهر يونس: ابن عم عميد الأسرى، وهو من مواليد قرية عارة في عام 1958، واعتقل في 18 يناير/كانون الثاني 1983 بالتهمة ذاتها التي وجّهت لكريم وهي قتل جندي إسرائيلي، وحكم عليه بالحكم ذاته، قبل تخفيفه لـ40 عامًا، ومن المقرر تحرره من السجن مطلع العام المقبل.
  • الأسير محمد الطوس (65 عامًا): من سكان الخليل بالضفة الغربية، وهو ثالث أقدم الأسرى واعتقل في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1985، وله 3 أبناء وعدد من الأحفاد، وتوفيت زوجته في عام 2015، ورفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه في جميع صفقات التبادل التي أجريت منذ اعتقاله، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد لعدة مرات بتهمة تنفيذ عمليات فدائية.
  • إبراهيم أبو مخ: من مواليد عام 1960 في باقة الغربية بالداخل، ومعتقل منذ 24 مارس/آذار عام 1986، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، تم تحديده لاحقًا بالسجن 40 عامًا، وفي عام 2019 تم تشخيص إصابته بمرض سرطان الدم أيضا، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت الإفراج عنه لتلقي العلاج، كما رفضت في مرات سابقة الإفراج عنه في صفقات تبادل أسرى.
  • إبراهيم بيادسة: من مواليد عام 1960 بباقة الغربية بالداخل، ومعتقل منذ 26 مارس/آذار عام 1986، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، تم تحديده لاحقًا بالسجن 47 عامًا، وهو أحد أفراد خليّة الأسير ولد دقة وإبراهيم أبو مخ والأسير المحرر رشدي أبو مخ الذي تحرر بعد انقضاء مدة حكمه 35 عامًا.
  • أحمد أبو جابر: (64 عامًا) من سكان كفر قاسم بالداخل، واعتقل في 22 يوليو/تموز عام 1986، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، وهو أب لـ3 أبناء كانوا أطفالًا وقت اعتقاله، وقد توفيت والدته العام الماضي ورفضت سلطات الاحتلال السماح له بوداعها.
  • سمير أبو نعمة: (62 عامًا) من مواليد القدس المحتلة، ومعتقل منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول 1986، ومحكوم بالسجن المؤبد، وتوفيت والدته و3 من أشقائه خلال سنوات اعتقاله، ويعاني من أمراض عدة جراء التعذيب خلال التحقيق والاعتقال، ورفض الاحتلال تحريره في صفقات التبادل.
  • محمد عادل داوود: (61 عامًا) من سكان قلقيلية بالضفة الغربية، ومعتقل منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، وفقد والديه خلال اعتقاله، وهو أحد الأسرى الذين يعانون من سياسة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، وبحاجة إلى تدخلات طبية عاجلة.
الحاجة فريدة دقة والدة الأسيرة وليد دقة أقعدها عناء الأسر فقدت الذاكرة بعد انتظار لثلاثة عقود ونيف تحقيق حلم الحرية للأسرى وعناق نجلها، أم الفحم شهر ابريل نيسان 2015.
الحاجة فريدة والدة الأسير وليد دقة أقعدها عناء الأسر وفقدت الذاكرة بعد انتظار الإفراج عنه منذ أكثر من 3 عقود (الجزيرة)

الإهمال الطبي.. قتل بطيء

تشير البيانات الفلسطينية الرسمية إلى أن ما يزيد على 600 من بين زهاء 5 آلاف أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعانون من أمراض مختلفة، من بينهم 200 أسير بحاجة إلى تدخلات طبية عاجلة، ومن هؤلاء 25 أسيرًا مصابون بأمراض السرطان، وحياتهم مهددة بالخطر في كل لحظة.

وحسب ما أكد مدير الدراسات والتوثيق في "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" عبد الناصر فروانة -للجزيرة نت- فإن إسرائيل تتعمّد إيذاء الأسرى داخل سجونها التي تعدّ "بؤرة لتفشي الأمراض والأوبئة"، وبسبب انتهاجها سياسة الإهمال الطبي، والمماطلة في إجراء الفحوص الطبية للمرضى منهم، وعدم منحهم العلاج المناسب.

وجراء هذه السياسة، استشهد 73 أسيرًا مريضًا داخل سجون الاحتلال منذ عام 1967، إضافة إلى استشهاد مئات آخرين بعد تحررهم، إثر تدهور أوضاعهم الصحية نتيجة أمراض خطيرة أصيبوا بها داخل السجون، وفقًا لفروانة.

وذكّر المسؤول في هيئة الأسرى الفلسطينيين بالأسير ناصر أبو حميد من رام الله، الذي يواجه حاليًّا الموت إثر إصابته بسرطان الرئتين، وتفشي الورم في أنحاء جسده، وترفض سلطات الاحتلال تحريره.

المصدر : الجزيرة