واشنطن بوست: بعد سيطرة طالبان على كابل.. ما هواجس دول الجوار؟

في الشهر الماضي، نشرت بكين صورا لوزير الخارجية وانغ يي وهو يصافح القيادي في طالبان عبد الغني برادار، وهو ما منح الحركة نوعا من الشرعية من القوة الآسيوية العظمى.

نهاية يوليو/تموز الماضي نشرت وكالة أنباء الصين (شينخوا) صورا لوزير الخارجية الصيني وانغ يي (يمين) يلتقي بالملا عبد الغني بارادار، الزعيم السياسي لحركة طالبان الأفغانية، في تيانجين (الفرنسية)

أثار استيلاء طالبان على العاصمة كابل أمس الأحد حالة من الذهول في مختلف أنحاء العالم، مع تداعيات فورية على القوى الإقليمية الثلاث المجاورة لأفغانستان، أي باكستان والهند والصين.

في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (washingtonpost) الأميركية، يقول الكتّاب جيري تشيه، وريبيكا تان، ونيها ماسيه، إن حكومات الدول الثلاث سرعت في الأشهر الأخيرة من وتيرة اتصالاتها الدبلوماسية مع حركة طالبان تحسبا لاحتمال أن تصبح قوة سياسية رئيسية في أفغانستان، لكن ما حدث فاق التوقعات، حيث سيطرت على البلاد بشكل كامل وغيّرت المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

نصر باكستاني

بالنسبة لباكستان، تقول الصحيفة الأميركية، إن عودة طالبان للسيطرة على كابل تمثّل انتصارا إستراتيجيا على الهند، ولكنها من المحتمل أيضا أن تشكّل كابوسا بإعطائها دفعة لحركة "طالبان باكستان" التي دخلت في صدام مع الحكومة الباكستانية، وتختلف عن حركة طالبان الأفغانية.

أما الهند، فإن ما حدث يزيد من مخاوفها بشأن الوضع في كشمير، في ظل توترات حدودية مع باكستان من جهة، والصين من جهة أخرى.

وبالنسبة للصين، فقد أثار الانسحاب الأميركي مخاوف من اتساع رقعة الجماعات المتشددة التي تهدد مشاريع البنية التحتية الطموحة التي تشيدها بكين غربا عبر أوراسيا، حسب الصحيفة الأميركية.

وقد ظهر حجم التهديدات بشكل واضح في يوليو/تموز الماضي عندما استهدف تفجير انتحاري حافلة تقل عمال بناء صينيين شمال غربي باكستان، مما أسفر عن مقتل 13 شخصا.

وقال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي إن الهجوم نفذته حركة "طالبان الباكستانية" بمساعدة الهند والحكومة الأفغانية، وهو ادعاء رفضته الهند ووصفته بأنه "سخيف". وفي أبريل/نيسان الماضي، حاولت حركة طالبان باكستان اغتيال السفير الصيني في إسلام آباد بسيارة مفخخة خارج فندقه في كويته، حسب الصحيفة الأميركية.

ويقول أندرو سمول، الباحث في "صندوق مارشال الألماني" ومؤلف كتاب "المحور الصيني الباكستاني: الجغرافيا السياسية الجديدة لآسيا"، إن هناك مستويات متفاوتة من المخاوف في إسلام آباد ونيودلهي وبكين، بسبب سهولة وسرعة استيلاء طالبان على السلطة.

ويرى سموث أن باكستان التي سهلت عودة طالبان إلى السلطة "لم ترحب على الأرجح بالطريقة التي تمت بها الأمور. ستكون هناك الآن مواقف صينية أكثر صرامة وضغوط لضمان الاستقرار في الجوار".

واليوم الاثنين، دعت وزارة الخارجية الباكستانية القادة الأفغان إلى "العمل معا" وقالت إنها "أكدت باستمرار على أن الحل السياسي لا غنى عنه". وقالت الصين من جانبها إنها "تحترم إرادة واختيار الشعب الأفغاني"، في حين رفض المسؤولون الهنود التعليق.

تحوّل في الموقف الصيني

وحسب الصحيفة الأميركية، يمثل الموقف الصيني غير المتشدد من طالبان تحولا جذريا مقارنة بالعقود السابقة، عندما كانت بكين تعبر عن مخاوفها من قيام طالبان بإيواء مقاتلين من الأويغور.

في الشهر الماضي، نشرت بكين صورا لوزير الخارجية وانغ يي وهو يصافح القيادي في طالبان عبد الغني برادر، وهو ما منح الحركة نوعا من الشرعية من القوة الآسيوية العظمى. ودافع المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان عن طالبان باعتبارها حركة سياسية مختلفة عن المتطرفين الإسلاميين الناشطين في باكستان.

وتحدثت وسائل الإعلام الحكومية الصينية يوم الاثنين عن "انهيار المشروع الأميركي الذي استمر عقدين في أفغانستان"، وطمأنت الشعب الصيني بأن التهديدات المرتبطة بمقاطعة سنجان (شينجيانغ) ليست كما كانت سابقا.

وكتب هو تشيجين -المحرر البارز في صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية الصينية- أن "الولايات المتحدة دولة غير موثوق بها ويمكنها التخلي عن حلفائها في الأوقات الحرجة، والوضع في أفغانستان يلخص ذلك".

وعلّقت وكالة أنباء شينخوا الرسمية على أحداث أمس معتبرة أنها "نقطة تحول تُظهر تراجع الهيمنة الأميركية"، في حين كانت وسائل الإعلام الأخرى أكثر حذرا في التعاطي مع المستجدات، وفقا لواشنطن بوست.

وأكد تلفزيون "فينيكس تي في" في تعليق له على سيطرة طالبان على العاصمة كابل بأن الصين كانت مستعدة لاحتواء أي تداعيات على الساحة الأفغانية عبر الضغط على طالبان للنأي بنفسها علنا عن "القوات المرتبطة بسنجان"، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا ودول أخرى في المنطقة لتعزيز الرقابة على الحدود.

ويرى دان ماركي، الباحث البارز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز أن الهاجس الأول للصين هو الشأن الأمني، أي تدفق اللاجئين والمقاتلين. الناس والأيديولوجيا والمقاتلين المدربين -هذا ما يحتل أولوية التفكير".

مخاوف هندية

في نيودلهي التي تطالب منذ فترة طويلة باتفاق لتقاسم السلطة في أفغانستان ارتفعت المخاوف في الأشهر الأخيرة بعد تراجع قوات حليفها الرئيس الأفغاني أشرف غني. وقد صرح بعض المسؤولين الهنود أن استيلاء طالبان على أفغانستان من شأنه أن يجعل الجماعات الإسلامية المقاتلة أكثر قوة وعنفا من كشمير إلى شينجيانغ.

وقال ديفيفرا هودا، وهو ضابط متقاعد تولى قيادة القوات الهندية في كشمير حتى عام 2016، إنه لا يتوقع تكرار سيناريو تسعينيات القرن الماضي عندما تدفق المقاتلون الأجانب إلى كشمير من أفغانستان وساعدوا على تأجيج حالة التمرد، حيث عززت الهند سلامة حدودها بشكل كبير في السنوات الماضية.

لكن الضابط الهندي يعتقد أن عودة طالبان ستعزز الروح المعنوية للجماعات المسلحة التي تتخذ من باكستان مقرا لها، مثل عسكر طيبة وجيش محمد وطالبان الباكستانية، ويوضح في هذا السياق "إنه نصر معنوي قد تستغله بعض الجماعات الإرهابية لمحاولة تجنيد المزيد من الشباب في مناطق مثل كشمير"، على حد قوله للصحيفة الأميركية.

موجة لجوء أفغاني جديدة

يقيم في باكستان -منذ أكثر من 40 عاما- 3 ملايين لاجئ أفغاني، نصفهم تعترف بوجوده منظمات دولية وتقدم لهم المساعدة، والنصف الآخر يعتبر مقيما بطريقة غير شرعية، حسب تقرير سابق للجزيرة نت.

في المقابل، لا تحتضن الهند -التي لا تشترك في حدود برية مع أفغانستان- عددا كبيرا من اللاجئين الأفغان.

ويبلغ عدد اللاجئين الأفغان في إيران -حسب إحصاء أجري في 2016- مليونا و583 ألف و979 لاجئا، ينتشر معظمهم في مدن طهران، ومشهد، وقم، وكرمان، وسط توقعات بأن العدد أكبر من ذلك بالنظر إلى أن نصف اللاجئين في إيران غير مسجلين، وأعلنت إيران أمس الأحد أنها ستقيم مخيمات لتوفير ملاذ مؤقت للاجئين الأفغان في 3 مقاطعات حدودية

وفرض وصول اللاجئين الأفغان الجدد إلى إيران إضافة إلى وجود نحو 3 ملايين منهم، ضغوطا كبيرة على البلاد، في حين تعاني إيران من العقوبات الأميركية وأوضاع اقتصادية صعبة وكذلك تفشي فيروس كورونا والجفاف والمشاكل البيئية.

ويعتقد الخبير في شؤون غرب آسيا وشبه القارة الهندية بيرمحمد ملازهي أنه نظرا لوجود حدود طويلة بين إيران وأفغانستان، من الصعب للغاية منع دخول اللاجئين الأفغان الجدد، كما أن قدرة البلاد على قبول المزيد من اللاجئين الأفغان محدودة.

ويستمر تدفق اللاجئين الأفغان إلى تركيا مع تصاعد الاشتباكات في البلاد بين الحكومة الأفغانية ومسلحي طالبان. كما قررت وزارة الدفاع التركية تعزيز قواتها على الحدود مع إيران بهدف منع العبور غير القانوني.

المصدر : واشنطن بوست