كتاب جديد: هوس الغرب بـ"اللاجئين الجيدين" سياسة سيئة

الإحصائيات الرسمية تشير إلى لجوء 650 ألف سوري إلى ألمانيامنذ إندلاع الثورة ضد بشار الأسد في مارس أذآر 2011. الجزيرة نت.
الإحصائيات الرسمية تشير إلى لجوء مئات آلاف السوريين إلى ألمانيا بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 (الجزيرة)

يستعرض مقال في موقع "فورين بوليسي" (Foreign Policy) كتابا جديدا عن الهجرة واللجوء، يوضح كيف أن نظام الهجرة العالمي غارق في أوجه القصور البيروقراطية والحماسة الشعبوية ويحيل اللاجئين إلى حالة دائمة من النزوح والتهميش.

يقول كاتب المقال عبد الله عليم، وهو صومالي الجنسية ويقود شبكة المنتدى الاقتصادي العالمي للقادة الشباب الناشئين عبر أفريقيا والشرق الأوسط، إن الدول الغنية تحب الاحتفال بقصص نجاح المهاجرين، لكنها تتجاهل العديد من الذين يحتمل أن يكونوا منتجين.

ويشير الكاتب إلى قصة "ما وراء البحر والرمال" لكاتبها الأميركي تاي ماكورميك التي تؤرخ لحياة عائلة صومالية محاصرة في حالة لا نهاية لها على ما يبدو من انعدام الجنسية، معتبرا أنها قصة إحدى العائلات الصومالية الساعية للحصول على دولة ما تسميها "وطني".

أسئلة غارقة في الشعور بالذنب

ويشير إلى أن الكتاب، الذي نُشر في لندن في مارس/آذار الماضي، يستحضر أسئلة أعمق غارقة في الشعور بالذنب بالنسبة للقراء مثله الذين غالبا ما يوصفون بأنهم "مهاجرون جيدون".

ويقول إنه وُلد في 1992 في ذروة الحرب الأهلية والمجاعة في الصومال التي أدت في النهاية إلى نزوح ملايين الأشخاص في القرن الأفريقي وإلى إطلاق لقب دولة فاشلة على الصومال، وحصل هو وعائلته في عام 1998 على حق اللجوء في أستراليا.

ويتساءل الكاتب عن السبب في منح عائلته حق اللجوء دون الآخرين، وهل هو، بعد أكثر من 20 عاما، حقا وراء البحر والرمال، أم إن طموحاته الحالية (والاختلالات) لا تزال من مخلفات تلك السنوات التكوينية؟

ويستمر عليم في طرح الأسئلة التي أوحى بها الكتاب إليه: هل وضعي كأقلية نموذجية، تتميز بقصة وردية للاجئ صومالي شاب برع في المدرسة والعالم الأكبر، ساعد على رفع أصوات الآخرين؟ أم إنها أثبتت عن غير قصد صحة السرد الخطير عن اللاجئ الصالح مقابل اللاجئ السيئ، والذي يوبخ أولئك الذين تمنعهم الصدمة العميقة من تحقيق نجاح مماثل؟

خلفية السرد

ثم يتناول الكتاب قائلا إن المكان الذي اختاره خلفية للسرد من أجل القص هو واحد من أكثر مناطق العالم تسييسا وانشغالا بالأمن، إنه معسكر داداب للاجئين في أقصى شرقي كينيا، وهو أحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، ويسكنه في الغالب الناجون من الحرب الأهلية في الصومال المجاورة.

ويقول إن مؤلف الكتاب يقدم للقارئ صورا صارخة: ما شعورك عندما تكون عديم الجنسية؟ ما شعورك بالنسبة لشعب بدوي كان من قبل معتادا على الاسترشاد بالمواسم والأراضي الشاسعة، ثم يصبح مقيدا بحدود مخيم للاجئين، مع العلم أن هذا، أيضا، يمكن أن يتغير بشكل عكسي بمجرد نقرة زر؟ (هددت الحكومة الكينية مرارا وتكرارا بإغلاق داداب، وهي نتيجة مأساوية من شأنها أن تترك الفئات الأكثر ضعفا لتدبّر أمرها بنفسها).

ويستمر عليم في استعراض محتوى الكتاب، مشيرا إلى أنه يوضح أن اللاجئ العادي في داداب يقضي حوالي 17 عاما على أمل الانتقال. فقد وُلد البعض في المخيم وهم يتوقون إلى العالم الخارجي، ويموت بعضهم في النهاية هناك أيضا. حتما، يعتبر الزمان والمكان قياسين مشوهين للسكان الذين يقتصر فهمهم للعالم على معايير المخيم والذين فقدوا الثقة بمرور الوقت.

الفشل والنضال صفات إنسانية

يوضح اسم السوق المحلي بالقرب من داداب (المشار إليه بالبوسنة)، على بعد أميال من المخيم، هذه الجغرافيا المشوهة. وبمرور الوقت، لا بد أن تؤدي هذه الجغرافيا أيضا إلى تضييق الآفاق النفسية للمقيمين الذين أصبحوا غير قادرين على اتخاذ قرارات بسيطة، بما في ذلك التنافس على فرصة منحة دراسية لمرة واحدة في العمر، أو حضور مقابلة عمل في الوقت المحدد.

وعندما يتعامل المسؤولون مع اللاجئين، فإنهم عادة ما يفصلونهم عن صدمتهم. وبذلك، فهم غير قادرين على تقدير بعض السلوكيات التخريبية المرتبطة عادة بـ"اللاجئ السيئ"، الذي يبدو جاحدا وغير مستحق لإعادة التوطين. وعلى الجانب الآخر، هناك "اللاجئ الجيد"، الذي تم تصويره في قصة بطل الرواية الرئيسي (اسمه أسد) يتحدى كل الصعاب، وفي النهاية يحصل على مكان في جامعة برينستون (Princeton University).

وينقل عليم عن الكتاب القول إن النهج الحالي تجاه اللاجئين غير قادر على إفساح المجال لأولئك الذين يظهرون الصفات الإنسانية للإخفاق والنضال.

تكلفة الأضواء

ويقول عليم إنه هو "اللاجئ الجيّد" ومن يُطلق عليهم "اللاجئين السيئين" امتدادات للسرد نفسه، "نحن أطفال الحرب الأهلية عام 1991 نماذج أولية جيدة التعلّم من نموذج اللاجئ الذي يحب المسؤولون الإشادة به"، ومع ذلك، فإن الأضواء الممنوحة لـ"اللاجئين الجيدين" يمكن أن تأتي في بعض الأحيان بتكلفة يتحملها أولئك الذين سقطوا من خلال الشقوق.

وتشتمل قصص الكاتب على مرارات ملايين اللاجئين الذين انخرطوا في خضم بيئة جديدة، وهي كشف لسنوات من الصدمات المكبوتة، وديناميات الأسر الممزقة، والأجور المنخفضة. والأسوأ من ذلك، أن حياتهم غالبا ما تتميز بفرص عمل محدودة، والتي تعمل كغذاء للروايات الشعبوية التي تصورهم على أنهم استنزاف للمجتمع الغربي، مما يزيد من استمرار تهميشهم.

ويقول الكاتب في استعراضه للكتاب إن أخته ماريان، مثلها مثل العديد من اللاجئين الآخرين، يجب عليها أيضا مواجهة عقبة أخرى "التكلفة النفسية للتنقل إلى أعلى"، مشيرا إلى أن الفيلسوفة جينيفر مورتون تقدم في كتابها "التحرك دون أن تضيّع طريقك" نقدا للحلم الأميركي يسلط الضوء غالبا على الانفصال النفسي الذي يتحمله أولئك الذين هم أول من يغامر في مجتمعهم أو عائلاتهم بدخول تضاريس جديدة.

ويقول أيضا إن هذه الظاهرة، التي تميزت بالعزلة والشعور بالذنب وعدم القدرة على العيش في الوقت الحاضر، تؤثر على العديد من الأشخاص، من أطفال الطبقة العاملة في جامعات النخبة، إلى الأقليات الممثلة تمثيلا ناقصا التي تعمل في مؤسسات وول ستريت (Wall Street) التي يغلب عليها البيض.

ويختم بعبارة أن هذا الشعور "واضح بشكل خاص بالنسبة للاجئين الذين يواجهون مخاوف طبقية وعرقية ودينية، حيث يستبدلون كل ما هو مألوف لهم بإمكانية الصعود".

المصدر : فورين بوليسي