رحيل أقدم الأسرى الفلسطينيين وصاحب الزنزانة 139

الرئيس الفلسطيني حرص شخصيا على وداع حجازي في مقر الرئاسة برام الله (الرئاسة الفلسطينية)

ودّع الفلسطينيون ظهر الثلاثاء المناضل محمود بكر حجازي الذي اعتبر أول أسير في الثورة الفلسطينية المعاصرة، والذي اعتقل في يناير/كانون الثاني عام 1965، وأصدرت إسرائيل بحقه حكما بالإعدام وحاولت تصفيته، لكنه نال الحرية في عملية تبادل للأسرى بعد 6 سنوات من اعتقاله.

وسُجّي جثمان حجازي، الذي توفيّ الإثنين عن عمر ناهز 85 عاما بعد صراع مع المرض، في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وشارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة محمد اشتية وعدد من المسؤولين الفلسطينيين في مراسم وداعه العسكرية قبل أن يشيع جثمانه إلى مقبرة رام الله.

ونعى نادي الأسير والحركة الوطنية الأسيرة داخل السجون المناضل الراحل، وقال النادي، في بيان صحفي، إن حجازي "ترك إرثا نضاليًا ووطنيًا هامًا، منذ أن التحق بالثورة الفلسطينية".

وولد محمود حجازي عام 1936 في مدينة القدس ونشأ فيها، واعتقل بعد أن نفّذ ورفاقه عملية فدائية، بالقرب من بلدة بيت جبرين المحتلة في 17 يناير/كانون الثاني عام 1965.

من لقاء منشور في الستينيات مع محامي الثوار جاك برجيس عن قضية حجازي (الجزيرة)

أصيب حجازي برصاص الاحتلال بينما كان في الـ12 من العمر، ثم انتقل بعد سنوات للانخراط في الجيش الأردني برتبة شاويش. لكن نقطة التحول التي غيرت حياته كانت "مذبحة دير ياسين" عام 1948، كما روى في مقابلة سابقة مع الجزيرة نت بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني نشرت تحت عنوان "أقدم الأسرى وحكاية الزنزانة 139".

في هذه الأحداث، استقبلت عائلة حجازي الهاربين من المذبحة وبينهم جرحى. وقال في مقابلته "يومها كنا نصرخ يا ويلنا، أولاد الميتة يأخذون بلادنا".

تحدّث حجازي عن اعتقاله في أولى العمليات الفدائية التي سبقت انطلاق المقاومة الفلسطينية المنظمة تحت لواء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. حيث شارك مع مجموعة فدائية في تفجير جسر استخدمه الجيش الإسرائيلي ممراً إلى المدن الفلسطينية بالضفة الغربية قرب بلدة بيت جبرين جنوب الخليل بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني 1965، وأدت العملية إلى مقتل 24 إسرائيليا.

صورة خاصة من أرشيف محمود حجازي (الجزيرة)

في تلك الليلة استعدت المجموعة وارتدى حجازي ورفاقه لباسهم وسلاحهم الخفيف من مسدسات بسيطة وبنادق صيد، وتناوبوا على حمل العبوة المقرر تفجيرها بجسر بيت جبرين. قال حجازي "كان إيماننا بالقضية وبالتحرير أقوى من كل الأسلحة".

خلال العملية وبعد التفجير، وقع حجازي في الأسر وقد أصيب بعدة رصاصات ونقل غائبا عن الوعي إلى سجن الرملة، وقد طالبت النيابة العسكرية الإسرائيلية بإعدامه.

واتهمه الاحتلال بقتل الأطفال والنساء والدخول "للأراضي الإسرائيلية" من الأردن دون رخصة، وحينها وقف حجازي في المحكمة وسألهم "هل أنتم ضباط وجنود أم أطفال ونساء؟".

في هذه الأثناء، تذكّر حجازي كيف كان يجري نقله من محاكمة إلى أخرى بلباس الإعدام الأحمر، وفي باله حادثة الإعدام الشهيرة للثوار الفلسطينيين فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم على يد الانتداب البريطاني بسجن عكا عام 1930. قال في مقابلته "كنت أنتظر أرجوحة الأبطال" ويقصد المشنقة.

وعندما انقسمت الحكومة الإسرائيلية بقيادة غولدا مئير حيال قرار إعدامه، طلب منه الاستئناف ضد قرار إعدامه، لكنه رفض، وقال "كان هذا ليجعلني مستعطفا لعدوي"، ولكن المحكمة الإسرائيلية العليا قررت إسقاط الإعدام وحكمت عليه بالسجن المؤبد.

أسر حجازي في عملية نسف جسر وأفرج عنه بصفقة تبادل عام 1971 (الجزيرة-أرشيف)

الزنزانة 139

منذ اعتقاله ولـ6 سنوات، احتجز حجازي في زنزانة ضيقة حملت رقم "139" مع جندي إسرائيلي مكث معه كظله خوفا من هربه أو تهريبه. وهي الزنزانة ذاتها التي أعدم بها الضابط الألماني "أودولف آيخمان" أحد كبار مساعدي هتلر، بعد اختطافه على يد الموساد من الأرجنتين إلى إسرائيل عام 1960.

وحاولت إسرائيل اغتياله بالسم بعد عودته من محاكمته وإسقاط حكم الإعدام عنه، وكاد يفقد حياته حسب روايته.

بعد 6 أعوام، تناهت إلى سمع حجازي أخبار عن مفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل حول تسليم جندي إسرائيلي يدعى "شموئيل فايزر" أسرته حركة فتح أواخر عام 1969.

وبتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 1971 جرت عملية تبادل "أسير مقابل أسير" بناء على اشتراط منظمة التحرير. وكتبت الصحافة الإسرائيلية يومها أن إسرائيل رضخت واعترفت ضمنيا بمنظمة التحرير.

قال حجازي عن تجربة اعتقاله "كنت أشعر طيلة سجني أنني الشعب الفلسطيني كله أقف أمام المحاكم الإسرائيلية، وكنت منشغلا في كيفية الدفاع عن قضيتي".

والتحق حجازي بعد الإفراج عنه بصفوف منظمة التحرير في لبنان، وشهد حصار بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومنها انتقل للعيش في اليمن لمدة 11 عاما، وعاد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى غزة عام 1994، ومنها إلى رام الله حيث عاش حتى وفاته، وقد كان عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح.

المصدر : الجزيرة