حملة تضامن معهنّ.. الأسيرات الفلسطينيات في دوائر العنف والحرمان

سهير البرغوثي أم عاصف اعتُقلت بعد استشهاد ابنها واعتقال ابنها الآخر، وعاشت صنوفا من الإذلال (الجزيرة)

رام الله- تتذكر الشابة "سلام أبو شرار" سجن الدامون جيدا، بكل تفاصيل المكان والذكريات التي ارتبطت بكل زاوية فيه، بدءا من الغرفة رقم 8 التي شاركت 5 أسيرات العيش فيها مدة 7 أشهر، إلى الساحة التي لم تكن ترى السماء فيها إلا من خلال شباك يقسمها لمربعات.

كانت الغرفة تحتوي على 8 أسرّة وحمام، وفي جدارها نافذة مغلقة بالشباك والقضبان، ومقابل جدار النافذة الباب الذي يفتح على ممر يوصل إلى الساحة الرئيسية المحاطة بالكامل بقضبان الحديد والمسقوفة بالشباك.

وعلى جانبي الممر بابان، أحدهما يفضي لباقي أقسام السجن حيث العيادة وغرف الزيارة والزنازين، والثاني يوصل لغرفة السجان الذي يراقب الأسيرات منها باستمرار.

حركة الأسيرات خارج الغرفة مستباحة بالكامل، فالكاميرات في كل زاوية بالساحة والممر، و"طوال فترة اعتقالي لم أستطع الخروج من الغرفة دون حجاب أو لباس شرعي كامل"، بحسب ما قالت سلام في حديثها للجزيرة نت.

الأسيرة المحررة سلام أبو شرار (الجزيرة)

سلام أبو شرار (27 عاما) من مدينة الخليل، اعتقلت عام 2016 وحكم عليها بالسجن 10 أشهر، قبل أن تكمل دراستها في الصيدلة بعام، فكانت هذه التجربة نقطة تحول في حياتها: "لم أستطع العودة إلى حياتي التي كانت، كل شيء تغير".

ليس فقط سجن الدامون، بل تتذكر سلام أيضا تفاصيل صعبة في سجن هشارون وبئر السبع، خصوصا في فترة التحقيق، وأكثر ما كان يشعرها بـ"القهر": الخصوصية المستباحة حتى داخل الغرفة، "يمكن أن تقتحم السجانة الغرفة في أي وقت بعد منتصف الليل، وكل مرة يكون علينا جميعا أن نترك فراشنا ونقف للعد وتفتيش كل أغراضنا، ولا يسمح لنا بالاعتراض".

الاعتراض على هذه الممارسات قد يؤدي بالأسيرة للعزل، وعقوبات بالحرمان من الزيارة أو "الكانتين" أو الخروج إلى الفورة (الخروج من الغرفة إلى الساحة).

صعوبة الحياة في سجن الدامون ليس رأيا عبّرت عنه سلام فقط، فكل الأسيرات اللواتي أفرج عنهن يجمعن على ذلك، فالبناء يعود إلى فترة الانتداب البريطاني، وكان يستخدم لتخزين الدخان بسبب الرطوبة العالية والبرودة الشديدة في الشتاء. وكانت مصلحة السجون الإسرائيلية أغلقته بالكامل، لتعود من جديد إلى فتحه عام 2015، واحتجاز الأسيرات فيه اللواتي يبلغ عددهن 34 أسيرة، موزعات على قسمين، بينهن 8 أمّهات.

16 يوما لفضح العنف ضد الأسيرات

الظروف الصعبة التي تواجهها الأسيرات في هذا السجن، جعل المؤسسات النسوية القائمة على حملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة في فلسطين"، تركز عليها أثناء الحملة التي تنطلق اليوم الخميس 25 نوفمبر/تشرين الثاني، وتستمر على مدى 16 يوما، من خلال فعاليات تقام في كل فلسطين التاريخية.

ولا يتعلق الأمر فقط بسجن الدامون، الذي ستنظم الفعالية الرئيسية في الحملة أمامه في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فبعض الأسيرات كانت تجربتهن الأصعب قبل الوصول إلى الدامون، كما حصل مع سهير البرغوثي "أم عاصف"، من بلدة كوبر شمال مدينة رام الله.

اعتقلت سهير (60 عاما) عام 2019 بعد استشهاد ابنها، واعتقال ابنها الآخر بعد تنفيذه عملية إطلاق نار قتل فيها مستوطنان اثنين بالقرب من رام الله. التهمة التي وُجّهت إليها هي أنها التقت بابنها أثناء مطاردته قبل اعتقاله.

حوّلت فور اعتقلاها إلى سجن الرملة، الذي تقبع في السجينات الجنائيات (الإسرائيليات المعتقلات في قضايا قتل ومخدرات..). احتجزت في ذلك السجن يومين لم تتمكن خلالهما من النوم أو الراحة بسبب الأصوات العالية: "كنت أُبلل منديلا ورقيا بالماء وأضعه على أُذني حتى لا أسمع".

بعدها تم نقلها إلى زنازين سجن هشارون مدة 18 يوما، وحيدة في غرفة "لا تصلح للعيش الآدمي" كما تقول للجزيرة نت. وطوال هذه الفترة قضتها من أدويتها، وهي التي تعاني من الضغط وارتفاع السكر.

وكانت تعرض على المحكمة كل يومين، وفي كل مرة تنقل "بالبوسطة". تقول: "كنت أسمع عن معاناة النقل بالبوسطة، ولكن كل ذلك لا يضاهي معاناة دقيقة داخلها". والبوسطة غرفة حديدية مغلقة بالكامل، يوضع فيها الأسير مكبل اليدين خلال النقل من سجن لآخر أو للمحكمة، وتستمر هذه الرحلة في بعض الأحيان أكثر من 12 ساعة، يمنع خلالها من الأكل أو الشرب.

ولم تتوقف معاناة البرغوثي عند الزنازين، فبعد نقلها إلى سجن الدامون لأقسام الأسيرات حيث استمر اعتقالها 12يوما، لم يكن الوضع أفضل، ولم تكن تحتمل ما تراه من حقد ومحاولة السجانين كسر إرادة الأسيرات بكل الطرق. تذكر أنه في أحد الأيام خلال الفورة اقترب عصفور من شباك النافذة، فابتهجت الأسيرات فرحا برؤيتهن عصفورا وهن المحرومات من رؤية السماء، وما هي إلا ساعات حتى قام السجانون بإغلاق الساحة بمزيد من الشباك، ومنعهن من المشي فيها ذلك اليوم.

عودة العنف الجسدي ضد الأسيرات

سياسات الاحتلال في التعامل مع الأسيرات وإن بدت تتشابه مع السياسيات العامة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين كلهم، إلا أنها تحمل عنفا مركبا في حال الأسيرات، بحسبما تقول الناطقة باسم نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة للجزيرة نت، فكل جزئية في حياة الأسيرة تحولها إدارة الاحتلال لأداة عنف.

ومن أشكال الانتهاكات التي تحدثت عنها سراحنة، اعتقال أمهات وزوجات وشقيقات الأسرى للضغط عليهم أثناء التحقيق، أو إجبارهم على تسليم أنفسهم في حال كانوا مطاردين، كما حصل مع أسير فلسطيني قبل أشهر من مدينة بيت لحم، اعتقلت زوجته وتعرضت للإجهاض خلال التحقيق ولم يطلق سراحها إلا بعد تسليمه نفسه.

أيضا، حرمان الأسيرات من العديد الحقوق التي تتعلق بالتواصل مع العائلة وزيارة المحامي، وخاصة الأمهات اللواتي ينقطعن بالكامل عن أبنائهن لمدة طويلة دون السماح لهن بالزيارة أو الاتصال الهاتفي.

والعنف الأكبر هو الممارس على الأسيرات المصابات، وهن الأسيرات اللواتي أصبن خلال اعتقالهن ولا يزلن يعانين من آثار هذه الإصابات وبحاجة لرعاية طبية وصحية طويلة، كحال الأسيرة إسراء الجعابيص التي ترفض إدارة مصلحة السجون تقديم العلاج لها بحجة أن العمليات التي تحتاجها هي عمليات تجميلية.

وبحسب سراحنة، فقد شهد عام 2019 نقطة تحول في عودة أنماط قديمة من التحقيق والتعامل مع الأسرى والأسيرات أيضا، مثل التحقيق العسكري والتعذيب الجسدي والنفسي ومنع الزيارات، وقد سجل ارتفاع في تعرض الأسيرات للتعذيب الجسدي خلال التحقيق.

المصدر : الجزيرة