انقلاب مصر في 5 سنوات.. دماء وغلاء وأزمات

Egyptians, making the four fingered salute associated with the Government massacre of peaceful protesters supporting the now banned Muslim Brotherhood, mark the second anniversary of Rabaa massacre, Giza, Egypt. 14 August 2015. According to reports violent clashes have broken out between protesters and police during events marking the massacre by the Egyptian security forces of at least 800 peaceful supporters of the former Muslim Brotherhood President, Mohamed Morsi, during sit-ins in the Rabaa al-Adawiya and al-Nahda squares 14 August 2013 following Morsi's ouster by the army.
في ظل حكم السيسي تم خنق مختلف أشكال التعبير ومصادرة الحريات العامة بما فيها حق التظاهر السلمي (الأوروبية)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات وضع المشير عبد الفتاح السيسي وحلفاؤه في الداخل والخارج حدا لأول تجربة ديمقراطية مدنية في مصر، وفتح بذلك الباب واسعا أمام منزلقات سياسية وأمنية واقتصادية ما زالت مصر تتهاوى في وهدتها السحيقة.

وقبيل كشف الستار عن مشهد الثالث من يوليو/تموز 2013، جرت أحداث كثيرة بلغت ذروتها في الثلاثين من يونيو/حزيران بمظاهرات حاشدة تطالب بانتخابات مبكرة، ثم لقاءات أجراها السيسي وزير الدفاع حينها مع سياسيين، قبل أن يسدل ستار المرحلة الفاصلة بين الثلاثين من يونيو/حزيران والثالث من يوليو/تموز على البيان الأول.

تضمنت خريطة الطريق التي قدمها السيسي في بيان الانقلاب عزل مرسى، وتعطيل العمل بالدستور، مع إسناد الرئاسة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور، ولاحقا أغدق السيسي وعوده بالرفاهية والحياة الكريمة والاستقرار السياسي والاقتصادي على المصريين.

وبعد خمس سنوات من "الثورة المضادة"، تؤكد معطيات الواقع وتقارير المنظمات والمؤسسات الدولية انتقال البلد خلال هذه السنوات إلى "حالة دكتاتورية فجة"، تغلق أغلب منافذ التعبير، وتخنق الفضاءات الاقتصادية والاجتماعية، في حين تحولت وعود الرفاه إلى سراب بقيعة، وعادت المنظومة الحاكمة للبطش بصناعها و"الثورة" لأكل "أبنائها" بعد "الخلاص" من خصومها وأعدائها، وتراجع دور مصر إقليميا ودوليا.

مشهد الانقلاب
مثلما وقر مشهد نائب الرئيس الأسبق الراحل عمر سليمان في قلوب الثائرين المصريين وهو يتلو عبر التلفزيون الرسمي بيان تنحي مبارك عن السلطة تعبيرا عن نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني؛ فقد بقي مشهد السيسي وهو يتلو بيان الانقلاب على الثورة عبر التلفزيون الرسمي عالقا في أذهان الكثيرين؛ إيذانا بعهد جديد ينهي –حسب الكثيرين- مكاسب الثورة، ويعيد "تطهير" مصر من آثارها وتبعاتها.

من تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا (مواقع التواصل)
من تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا (مواقع التواصل)

وإلى جانب السيسي –وزير الدفاع وقتها- ظهرت 14 شخصية، بينها ورئيس الأركان صدقي صبحي، ورئيس جبهة الإنقاذ محمد البرادعي، والكاتبة سكينة فؤاد، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء حامد عبد الله.

وحضر فيه أيضا شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا أقباط مصر تواضروس الثاني، وأمين عام حزب النور السلفي جلال المرة، ومؤسس حركة تمرد الشبابية محمود بدر وآخرون.

ولكن المفارقة أن رفاق الانقلاب والحاضرين في مشهده الأول تفرقوا خلال السنوات الماضية بين راحل عن الحياة، وصاعد في المناصب أو مغادر منصبه، ومهاجر خارج البلاد يعارض سياسات النظام.

فقد عاد البرادعي إلى مهجره، وتحول إلى معارض، وجرى تحييد 6 أبريل في معادلة السياسة المصرية، بعد أن سُجن مؤسسها أحمد ماهر، وحُظر نشاطها، مع استمرار حبس الناشطين البارزين محمد عادل وهيثم محمدين.

وتبدلت حال البعض من الدعم المطلق إلى المعارضة الشديدة، وهم الآن خلف القضبان، ومنهم: الناشطان البارزان حازم عبد العظيم ووائل عباس، بينما أصبح مؤسس حركة تمرد الشبابية محمود بدر عضوا بمجلس النواب.

جمهورية الرعب
افتتح السيسي عهده الأول بما وصفه حقوقيون بمجازر جرت خلال مواجهة الرافضين للانقلاب، أبرزها ما حصل في فض اعتصامي رابعة والنهضة، وراح ضحيته آلاف القتلى والجرحى، ووصفته هيومان رايتس ووتش بـ"إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث".

وخلال السنوات الخمس اللاحقة نكل السيسي بجماعة الإخوان المسلمين، وأودع قادتهم ونشطائهم السجون، وحولهم في وسائل إعلامه إلى مجرمين وإرهابيين قتلة، وحملهم أوزارا وآثاما كثيرة.

وأصدر القضاء أحكاما بالإعدام على المئات منهم، وشرد آلافا من منتسبيهم في أرجاء العالم، وتحولوا من حكام لمصر إلى العدو الأول لأجهزتها العسكرية والأمنية، وتوزعوا بين المنافي والسجون.

من تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا (مواقع التواصل)
من تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا (مواقع التواصل)

بيد أن القمع لم يقتصر فقط على التيارات الإسلامية، رغم أنه بدأ بها، بل طال لاحقا ليبراليين ويساريين ونخبا علمانية لم تساير النظام في كل ما أراد، وامتدت لاحقا لتشمل الناشطين الذين أطلقوا ثورة يناير ضد نظام حسني مبارك عام 2011، ومن بين هؤلاء من وقفوا معه بقوة في انقلابه.

الإعدامات والاعتقالات
كشفت تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تحت عنوان "خمس سنوات من القهر والإخضاع"، ووثق الانتهاكات الحقوقية التي شهدتها مصر في السنوات الخمس الماضية؛ عن مقتل 7120 مواطنا مصريا خارج نطاق القانون، منهم 2194 قتلوا في تظاهرات وتجمعات السلمية، و717 قضوا داخل مقرات الاحتجاز، و169 بالتصفية الجسدية، وتنفيذ أحكام إعدام مسيسة بحق ثلاثين مواطنا.

وأوضح تقرير المنظمة أن عدد الذين اعتقلوا خلال هذه الفترة وصل إلى 61262 شخصاً، بينهم 629 امرأة و1143 قاصراً، كما صدرت أحكام إدانة في قضايا سياسية أمام محاكم مدنية وعسكرية بحق 35183 شخصاً، منهم 370 قاصراً، كما صدرت أيضا أحكام بالإعدام بحق 1012، والسجن المؤبد لـ 6740 شخصاً.

وأفرد التقرير جزءا خاصا للانتهاكات التي حدثت في سيناء، حيث قتل هناك –بحسب التقرير- 4010 مواطنين على يد قوات الأمن المصرية، واعتقل 10363 مواطناً، وتم حرق وتدمير 262 منزلا.

وعلى مستوى المؤسسات الصحفية كشف التقرير عن تعرض عشرة صحفيين للقتل، واعتقال أكثر من مئتي صحفي ما زال 66 منهم في السجون، هذا فضلا عن إغلاق أكثر من عشرين وسيلة إعلامية من القنوات الفضائية والصحف، وحجب نحو 121 موقعاً إلكترونيا بغرض الإجهاز على حرية الرأي والتعبير، وإدراج نحو 15 صحافياً وإعلامياً على قوائم الإرهاب.

وتصف منظمات حقوقية فترة حكم السيسي بأنها أسوأ فترة قمع سياسي في تاريخ البلاد الحديث، كما تتصاعد التنديدات الدولية أوروبيا وغربيا للانتهاكات القاسية والمتواصلة لحقوق الإنسان.

ويحاول النظام من حين لآخر تخفيف الضغط من خلال إطلاق سراح بعض الموقوفين، كما حصل قبل أيام حين أطلق السيسي سراح 712 سجينا، أغلبهم -وفق مصادر أمنية- من الشبان الذين سجنوا في احتجاجات مناهضة للحكومة.

لكن نشطاء يقولون إن قرارات العفو تلك لن تغير المشهد الحقوقي في مصر، وسط حملات الاعتقالات المتواصلة.

وسخرت الناشطة المصرية الأميركية آية حجازي من حملة العلاقات العامة التي تقودها السلطات المصرية بإصدار عفو عن بعض المعتقلين. وقالت الناشطة في مقال نشرته بصحيفة واشنطن بوست إن الرئيس السيسي يصدر عفوا عن سجناء بيد، ويبدأ موجة اعتقالات جديدة باليد الأخرى.

أزمات اقتصادية
وإذا كان الوضع السياسي والحقوقي بعد خمس سنوات من حكم السيسي مظلما، فإن الوضع الاقتصادي تدهور هو الآخر بشكل غير مسبوق، حيث ذهبت وعوده في الأعوام السابقة بخفض الأسعار أدراج الرياح.

وقال اقتصاديون -استقت وكالة الأناضول آراءهم- إن السياسات الاقتصادية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم لمستويات غير مسبوقة، وإن البلاد غرقت في عهده بالديون.

وخلال الولاية الأولى للسيسي، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء والوقود ثلاث مرات، بالإضافة إلى مياه الشرب وتذكرة ركوب مترو الأنفاق وخدمات أخرى.

ولدى تولي السيسي الحكم بلغ معدل التضخم السنوي الإجمالي 8.2% في يونيو/حزيران 2014، وصعد إلى 34.2% في يوليو/تموز الماضي، وبدأ بعدها مسيرة التراجع ليصل إلى 22.3% نهاية 2017.

كما كان سعر صرف شراء الدولار يعادل 7.31 جنيهات، وارتفع إلى نحو 17.63 جنيها حاليا، وفقا للبنك المركزي المصري.

مقارنة بين الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل وبعد الانقلاب (مواقع التواصل)
مقارنة بين الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل وبعد الانقلاب (مواقع التواصل)

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي إنه على مدى السنوات الأخيرة ارتفع الدين المحلي من 1.5 تريليون جنيه إلى 3.16 تريليونات جنيه، أي أكثر من الضعف، وانضم تحدي ارتفاع الدين الخارجي إلى ارتفاع الدين المحلي ليجاوز سقف ثمانين مليار دولار.

وباتت الاحتجاجات المطلبية والشكاوى المستمرة من انهيار الوضع وغلاء الأسعار حالة ثابتة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، التي شكلت بديلا عن الشوارع في ظل القمع والحرمان من حقوق التظاهر.

ومؤخرا، أثار قرار زيادة أسعار تذاكر المترو التي ارتفعت بدورها من جنيه واحد لتصل إلى سبعة جنيهات غضبا واسعا بين ملايين المصريين الذين يمثل لهم المترو وسيلة النقل المفضلة يوميا.

وعلى المستوى الخارجي، ازداد تراجع الحضور المصري في السياسات الإقليمية والدولية، وكان لافتا أن الإدارة الأميركية اختارت السعودية لتكون عرابة لصفقة القرن، وهو مؤشر دال على حجم تراجع مصر في أهم ملفاتها وأدوارها تاريخيا وإقليميا.

كما ازداد الضغط على مصر في السنوات الأخيرة في ملف سد النهضة الذي يمثل معضلة "وجودية" بالنسبة للمصريين في ظل عجز إدارة السيسي عن حلحلة هذا الملف والوصول إلى تسوية ترضي المصريين وتحفظ حقوق البلد في أهم مصادره المائية.

مَثل مقدم السيسي قبل خمس سنوات أملا –سرعان ما تبخر- لشرائح من المصريين، ومعجزة ربانية بالنسبة للإسرائيليين وفق تعبير الحاخام يوئيل بن نون، وفرجا لبعض الخليجيين الذين أسهموا في انقلابه ووعدوه بعشرين مليارا مقابل الإطاحة بنظام مرسي وفقا لمجلة "نيويوركر"، ولكنه تحول اليوم بحسب الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إلى متسول عند أقدام حكام دول الخليج العربي، التي وصفها ذات مرة "بأنصاف دول".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية