قطر والانسحاب من مجلس التعاون.. بين الرغبة الشعبية والقرار السياسي

شعار مجلس التعاون الخليجي

عبد الله العمادي

أثار إعلان وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد الكعبي انسحاب قطر من منظمة أوبك ابتداء من يناير/كانون الثاني العام القادم 2019 الكثير من التساؤلات وقبلها الدهشة.

وراحت كثير من الجهات المعنية بالتحليلات السياسية والاقتصادية تبحث ما وراء هذا القرار الذي يأتي قبيل اجتماع هام للمنظمة، حيث ذهبت أكثر التحليلات إلى أن القرار سياسي بحت، في حين كانت هناك آراء أخرى رأت أن الأمر لا يخرج عن خطط إستراتيجية مسبقة لتوسيع قدرة قطر على تنويع استثماراتها، والتركيز على المادة المستقبلية للطاقة وهي الغاز الطبيعي، باعتبار الاحتياطات الضخمة التي لديها التي تحتاج إلى توجيه كثير من الوقت والجهد والمال، بدلا من تبديدها في منظمة مثل أوبك، التي حادت في الآونة الأخيرة عن خطها المرسوم وهدفها الرئيسي، حتى بدت كأنما تعمل في سبيل تحقيق مصالح البعض القليل فيها وآخرين خارجها، على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.

رغم قناعة متخذ القرار القطري بأن قطر في المنظمة ليست بتلك العضو المؤثر، باعتبار حصتها من الإنتاج التي لا تتعدى 2% مقارنة بأعضاء آخرين، وأن القرار ليس بقصد إلحاق الضرر بالمنظمة، فإن من يحسبون كل خطوة تخطوها الدوحة في عالم السياسة أو الاقتصاد، لاسيما الدول التي تحاصر قطر وعلى رأسها السعودية والإمارات، ترى أنه قرار سياسي موجه تجاههم بقصد الإضرار بمصالحهم.

ما يهمنا في قرار الانسحاب من منظمة أوبك أنه أعاد للأذهان مرة أخرى فكرة مطروحة على المستوى الشعبي في قطر، وما زالت متوهجة لم تخفت بعد منذ بدء حصار قطر في يونيو/حزيران العام الماضي 2017، المتمثلة باختصار شديد في الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، الذي لم يحرك ساكنا في الأزمة، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى منظمة شبيهة بأوبك.

لاعب واحد يحاول أن يسيطر على قرار المجموعة، ويرغب في توجيه الكيان وفق رؤيته وسياساته ومصالحه قبل الآخرين، وقد ثبت هذا على أرض الواقع خلال الحصار الذي ما زال مستمرا.

توجيه الكيان
لاعب واحد يحاول أن يسيطر على قرار المجموعة، ويرغب في توجيه الكيان وفق رؤيته وسياساته ومصالحه قبل الآخرين، وقد ثبت هذا على أرض الواقع خلال الحصار الذي ما زال مستمرا، ولا يزال المجلس ساكنا لا يتحرك، لأن أي تحرك سيكون بناء على رغبة العضو المسيطر وهو هنا دون كثير شرح، السعودية.

قرار الانسحاب من أوبك إذن، أشعل الحماسة في نفوس القطريين من جديد، وفكرة الانسحاب من مجلس التعاون توهجت أكثر فأكثر، حيث تراهم الآن وقد نشطوا -وما زالوا- على وسائل التواصل المختلفة، يدعون قيادتهم إلى اتخاذ قرار مشابه.

وإعلان الانسحاب من المجلس الذي إن لم تحركه أزمة إستراتيجية خطرة غير مسبوقة في تاريخه كالحصار، فهو بالتالي لن يحركه أي أمر آخر، ومن ثم صار البقاء فيه نوع من تبديد الوقت والجهد، هكذا ينطق لسان حال المجتمع القطري.

ما يشجع ويدفع هذا التوجه الشعبي القطري هو ذاك الفهم والوعي الذي تكوّن بعد الأزمة بأشهر قليلة، وثبت فعليا لهم أن هذا الكيان قد فقد دوره كثيرا، بل إن سلبيته بلغت حدا غير مسبوق خلال الأزمة، كان آخرها تجاهل القمة السابقة في الكويت بشكل لا يمكن تبريره، حين لم يحضر من القادة سوى أمير الكويت وأمير قطر، في حين قللت دول الحصار مستوى التمثيل ليصل بأحدهم أن يمثله وزير دولة.

ما قاله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في وقت سابق إن "استمرار الأزمة الخليجية كشف إخفاق مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه وتلبية طموحات شعوبنا الخليجية" إشارة إلى مدى الاستياء القطري على المستوى الرسمي قبل الشعبي تجاه هذا الكيان، الذي هرم قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، بل وصار في الوجدان القطري أنه لم يعد لوجود قطر فيه أي حاجة، والانسحاب منه لن يضر قطر أكثر مما لحق بها من أضرار نتيجة الحصار.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني "مجلس التعاون الخليجي افتقد القدرة على التأثير، ومن غير المرجح أن يسترد دوره مستقبلا في ظل الوضع الحالي".

الشأن الخليجي
المراقبون للشأن الخليجي وجدوا أن تصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤخرا أمام مجلس العلاقات الخارجية أثناء زيارته للولايات المتحدة، بأن "مجلس التعاون الخليجي افتقد القدرة على التأثير، ومن غير المرجح أن يسترد دوره مستقبلا في ظل الوضع الحالي" إشارة قطرية أخرى للعالم، مفادها أن مستقبل هذا المجلس غامض، مضيفا أن "ما يحدث لمجلس التعاون الخليجي أمر مؤسف لأنه كان أكثر الهياكل استقرارا في المنطقة، لكن عندما فُرض الحصار على قطر تغيرت نظرة المواطنين والمجتمع الدولي تجاه مجلس التعاون، ويبيّن ذلك كيف أصبح المجلس أداة غير مؤثرة".

هكذا إذن وصلت نظرة قطر الرسمية والشعبية إلى مجلس التعاون الخليجي.. كيان غير مؤثر، وبالتالي يمكن أن يصل المراقب للوضع إلى نتيجة مفادها أن البقاء فيه هدر للوقت والجهد وكذلك المال.

والتساؤل المطروح الآن في المنطقة: كيف سيكون مظهر القمة القادمة بالرياض، والكويت بعدُ لم تنس ما حدث لقمتها العام الماضي، ومسقط التي لم تتحمس للقمة في دارها بل رمتها إلى دار المقر لأي سبب كان، بينما الرياض تعيش أزمة دولية عميقة خانقة، تبحث عن أي حل إقليمي أو دولي يعينها على تبييض بعض ما تشوه من صورتها أمام العالم، في حين قطر الرسمية وقبلها الشعبية، وصلت بهما القناعات تجاه المجلس درجة تكاد تتخذ قرارا لا يختلف عن قرار الانسحاب من أوبك، وخاصة أن الرأي العام القطري دافع للقيادة وبشدة إلى اتخاذ مثل هذا القرار الذي يُعتقد في قطر أنه تأخر كثيرا.

هل نتوقع مفاجأة قطرية قبل الأحد القادم موعد انعقاد قمة الرياض؟ ربما الإجابة الفورية لم لا؟، والمنطقة زاخرة بالكثير من المفاجآت، لكن الإجابة الواقعية ستكون أمامنا خلال بضعة أيام لنشاهد ما يمكن أن يقع على الساحة الخليجية، وإنا لمنتظرون.

المصدر : الجزيرة