مشوار طويل لمحاربة التمييز العنصري بتونس

التمييز العنصري في تونس - المصدر : جمعية منامتي التونسية
قانون مناهضة التمييز العنصري في تونس صادق عليه البرلمان التونسي في أكتوبر/تشرين الأول (جمعية منامتي التونسية)

لينا شنك-تونس

ما إن حضر الشاب زياد روين تلك الندوة بالعاصمة التونسية، حتى عاد إلى منزله تلك الليلة مثقلا بالأسئلة.

وُلد روين لـ "ثنائي مختلط"، بين شخصين من ذوي البشرة السمراء والبيضاء، وقد ورث هو وحده اللون الأسمر عن والده. كان الحب للجميع في البيت، ولكن ما كان يخرج إلى الشارع حتى يبدأ يسمع النعوت المسيئة.

يقول روين إن تلك النعوت تجعل الشخص "يكره اللون الذي يحمله.. ويبتعد عن أي شيء يذكره بأنه أسود".

بعد تلك الندوة، بدأ يطرح أسئلة صعبة على نفسه، ويتساءل "لماذا ليس لدي أصدقاء من ذوي البشرة السمراء؟ لماذا باللاوعي عندما تكون هناك مجموعة أفارقة موجودة على الجهة اليمنى أتجه إلى اليسار؟".

خلص روين حينها إلى نتيجة مفادها أن رد فعله "غير المباشر" أدى إلى سلوكيات ترسخت في اللاوعي، تود لو تنسيه أنه هو نفسه من ذوي البشرة السمراء. كانت تلك لحظة فارقة في حياته، فأدرك بعدها أنه كان يتجنب الحديث عن "العنصرية" لئلا ينكأ "جرحاً قديماً"، ومن ثم بدأ ينشط في الدفاع عن حقوق الأقليات، خصوصا حقوق ذوي البشرة السمراء من خلال جمعية "منامتي" التي تعني "حلمي" باللهجة التونسية.
 
لا يروي روين قصته الشخصية مع التمييز كثيرا، لأن "عهد الضحية" ولى، وآن الأوان، على حد تعبيره، للأطفال والشباب من ذوي البشرة السمراء أن يروا القدوة لهم، فيروا ذوي البشرة السمراء في الإعلام وفي السياسة وفي كل الميادين، حتى لا يشعروا كما شعر أسلافهم بأن "تونس ليست لهم".

يسانده في رؤيته هذه صدور قانون مناهضة التمييز العنصري في تونس، الذي صادق عليه البرلمان التونسي في أكتوبر/تشرين الأول الفائت. ويجرّم القانون التمييز العنصري ويراه روين خطوة أولى "جيدة جدا"، فأخيراً "اعترفت تونس بوجود التمييز العنصري"، على حد تعبيره، ليبدأ بعدها مشوار القضاء عليه.

undefined 
سنوات من النضال 
وتقر عضو مجلس نواب الشعب التونسي النائب جميلة دبش كسيكسي بأن تمرير القانون "لم يكُن سهلاً"، وتوضح أن المعركة استمرت سنوات في ظل "واقع يرفض الاعتراف بظاهرة التمييز العنصري". بيد أن التمييز واقع تعايش معه كثيرون، حسب كسيكسي، قبل أن يستطيعوا إعلاء صوتهم والحديث عنه بجرأة بعد انتهاء عصر "الاستبداد في تونس" في عام 2011.

وبعد الثورة التونسية، نشطت الأصوات المطالبة بالعدالة والمساواة واحترام حقوق الناس، ولكن كثيرا ما كانت تواجه قضايا التمييز العنصري بأنه "لا يوجد سند قانوني لها" في التشريعات التونسية، مثل قضية الفتاة التونسية صابرين، التي تعرضت لاعتداء مجموعة شبان نعتوها بألفاظ عنصرية.

وتقول كسيكسي "اتصلت بي (صابرين) في منتصف الليل تبكي وفي حالة هستيرية لأنها تعرضت لعنف شديد من مجموعة من الشباب.. وما أزعجها أنها عندما ذهبت لمركز الأمن لم يتلقوا الشكوى بجدية، ولم تستطع أن تقنعهم بأنها تعرضت لإهانة على أساس لونها". وتضيف أن القضية المرفوعة أمام المحاكم توقفت في حينها لأنه "ليس هناك مادة قانونية يستند عليها القاضي لكي يصدر حكمه".

أما اليوم، فالقانون الذي مرره البرلمان بموافقة أغلبية الأعضاء يجرّم الكلام العنصري، ويحدد عقوبة له تتراوح بين شهر وسنة من السجن وغرامة مالية تتراوح بين 500 و1000 دينار تونسي.

ويعاقب أيضا كل من يحرض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز العنصري، وكل من ينشر أفكارا قائمة على التمييز العنصري، أو كل من يكوّن مجموعة أو تنظيما يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو ينتمي إليه أو يشارك فيه، بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية من 1000 إلى 3000 دينار (335 إلى 1005 دولارات).

تقول كسيكسي إن القانون شامل، فهو يتضمن أحكاما وقائية وفيه أحكام إجرائية وفيه أحكام جزائية وفيه التزام من الدولة بالقضاء على هذه الظاهرة أينما وجدت. بيد أنها لا تزال ترى أنه كان يمكن أن يكون أفضل صياغة، فيمنح الضحايا المزيد من الحقوق ويستبدل من السجن "العقوبات البديلة" التي هي "أبلغ" في مثل هذه القضايا.

undefined
 
صوت وحيد
الصوت الوحيد الذي عارض القانون هو صوت النائب ياسين العياري، وقد عاد ليوضح سبب رفضه للقانون في منشور له على صفحته الرسمية على فيسبوك، قائلا إن القانون لا يحارب كل أشكال التمييز العنصري كما يوضح عنوانه، بل فقط ما طلبته "المعايير الدولية".

وأضاف العياري في المنشور أن هناك الكثير من المواطنين "الذين تعرضوا لتمييز في العمل، في الدراسة، في الترقية على أساس جهوي" وكان من الأولى بالقانون أن يشمل أيضا التمييز على أساس جهوي. حاولت الجزيرة نت التواصل مجددا مع النائب العياري، ولكنها لم تفلح في الحديث معه.
 
وتقطن نسبة كبيرة من ذوي البشرة السمراء في ولايات الجنوب التونسي، ومنها ولاية تطاوين، حيث تنشط جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، التي يقول مديرها التنفيذي منصف الخبير للجزيرة نت إن قانون مناهضة التمييز العنصري "سيدخل في لائحة القوانين المهجورة".
 
وحسب تقديره قد يكون المستفيدون من القانون من الأفارقة المقيمين في العاصمة التونسية، ولكنه يستبعد أن يلجأ أبناء الجنوب التونسي للقضاء عند تعرضهم للتمييز. ويشرح الخبير أن طبيعة هذه المناطق تختلف تماما عن مناطق الشمال، وأنهم يرون التوجه للقضاء خطأ، وأن المشاكل تحل بين العائلات.
 
ويتفق مواطنون تونسيون مع الخبير، ويستبعدون اللجوء إلى القضاء، ومنهم كامل الحداد الذي يؤكد أنه لا يواجه النعوت العنصرية مرة أو اثنتين في اليوم، بل عشرات المرات في اليوم الواحد إذا ما اتجه شمالا إلى ولايات سوسة أو العاصمة أو غيرها. ويقول كامل "قليل من يناديك باسمك أو يقول يا أخي لو كان لا يعرف اسمك، أما الأغلب فيناديك بلونك"، الأمر الذي يوجعه وإن كتم هذا الوجع.

الروان: القانون الجديد خطوة إيجابية ولكن القضية هي قضية وعي آن الأوان لرفعه بكل السبل بما في ذلك طرح القضية في المناهج الدراسية

يقول كامل إن كثرة تكرار هذه النعوت تجعل من ملاحقة المسيء أمرا يستنفد الجهد والوقت، فالحل برأيه هو التجاهل. لكن المدير المساعد للمؤسسات والتظاهرات الثقافية في تطاوين تهامي الروان يرى أن ذوي البشرة السمراء لا يمكن أن يستمروا في تجاهل الموضوع إلى الأبد.
 
وحسب الروان، فإن القانون الجديد خطوة إيجابية، ولكن القضية هي قضية وعي، وقد آن الأوان لرفعه بكل السبل، بما في ذلك طرح القضية في المناهج الدراسية.

المصدر : الجزيرة