مصر.. ربيع يناير وخريف السيسي

blogs ثورة يناير
ثورة يناير 2011 أطاحت بمبارك وأتاحت لمصر انتخابات ديمقراطية لم تعهدها (رويترز-أرشيف)

أنس زكي

تساقط المرشحون كأوراق الشجر، ما بين خائف ومضطر وناء بنفسه، ليبقى السيسي وحيدا كعود يابس في خريف يبدو أن مصر موغلة فيه لا محالة، بعد أن تلاشت ولو إلى حين، آثار ربيع حلم به المصريون في يناير/كانون الثاني 2011.

يقول البعض إن ربيع يناير لم يكتمل، وإن الثورة لم تبلغ مداها، وهذا صحيح، لكن مشهدين اثنين يؤكدان لنا أن هذه الثورة التي لم تكتمل، قد أهدت مصر ثمرتين ما كان لشعبها أن ينالهما مهما طال به زمن الخضوع والخنوع.

فقد كانت 18 يوما فقط من الاعتصام في ميدان التحرير بقلب القاهرة من جانب مئات الآلاف غلب عليهم جيل الشباب، كافيا لإجبار "فرعون مصر" على مغادرة سلطة تربع فيها ثلاثين عاما لم يعرف خلالها جيل من المصريين رئيسا غيره، فضلا عن إيقاف ما بدا أنه توجه من الرئيس حسني مبارك لتوريث سلطته لابنه جمال.

وسرعان ما جاءت الثمرة الأخرى في العام التالي للثورة، فبعد خليط من الممانعة والمماطلة من جانب المجلس العسكري الذي نقل إليه مبارك سلطته، تغلبت إرادة الثورة لتجري في مصر انتخابات لم يذق لها المصريون من قبل طعما أو يعرفوا لها نظيرا.

13 مرشحا بالتمام والكمال خاضوا الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار ويونيو/حزيران من عام 2012، وكان من بينهم خمسة لهم حظوظ حقيقية في الفوز، حيث قيست حصيلة كل منهم في الجولة الأولى بالملايين لا بالآلاف، ونجح اثنان منهم في بلوغ الجولة الثانية الحاسمة وهما القيادي بالإخوان المسلمين محمد مرسي، والعسكري السابق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

في انتخابات 2012، كان البطل الأوحد هو المواطن المصري، فبعد أن اعتاد على صورته السينمائية في دور الفلاح المسكين أو العامل الأجير المغلوب على أمره، أصبح بفضل الثورة هو السيد

عرس ديمقراطي
كانت تلك الانتخابات عرسا مصريا بحق، فالحرية كاملة، والإقبال هائل، والمنافسة جادة وواسعة، واكتملت الصورة الوردية في الجولة الثانية بتنافس مثير وندية واضحة حيث لم تحسم إلا بصعوبة لمرسي الذي حصد ما يزيد على 13 مليون صوت بفارق أقل من مليون صوت عن شفيق.

في انتخابات 2012، كان البطل الأوحد هو المواطن المصري، فبعد أن اعتاد على صورته السينمائية في دور الفلاح المسكين أو العامل الأجير المغلوب على أمره، أصبح بفضل الثورة هو السيد، يعبر عن رأيه كما يشاء، ويذهب إلى الصندوق بمحض إرادته فينتخب من يريد ويعرض عمن لا يريد، غير هيّاب ولا وجل.

لكن الحلم الجميل لم يكتمل، واكتشف المصريون أن من سيطروا على السلطة والثورة في مصر لعقود طويلة ما كان لهم أن يتركوها بسهولة، فبينما انخرط أهل الثورة في الاحتفال ثم انكبوا على تنازع الغنائم والاستئثار بالمنافع، كان النظام القديم يعمل بجد لاستعادة مكاسبه وإحياء حظوظه، مستفيدا من إمكانياته التي لم تفنَ، ومن خلافات الثوريين الذين تفرّقوا شيعا.

لم يمض الكثير من الوقت حتى تجمّد الحلم، وعادت مصر لسيرتها الأولى، ودُعي المصريون إلى صناديق الانتخاب مجددا في عام 2014، لينتخب من ذهب منهم مرشحا واحدا هو عبد الفتاح السيسي قائد الجيش ووزير دفاع مرسي الذي انقلب عليه، في ظل نسبة إقبال وصفها إعلام السلطة نفسه بأنها كارثية.

وأما عن المنافسة في تلك الانتخابات فقد كانت منعدمة، فالأرقام تقول إن المنافس كان مجرد قطعة تكمل ديكور الديمقراطية، فقد جمع السيسي نحو 97% من الأصوات واكتفى حمدين صباحي بـ 3% وضعته كما يتندر البعض في المركز الثالث رغم أن التنافس اقتصر على شخصين، وحجة هؤلاء أنه لم يحصد إلا أقل من ثلاثة أرباع مليون صوت، بينما تجاوز عدد الأصوات الباطلة حاجز المليون. 

‪عنان وشفيق لم يشفع لهما انتماؤهما للمؤسسة العسكرية‬ (الجزيرة)
‪عنان وشفيق لم يشفع لهما انتماؤهما للمؤسسة العسكرية‬ (الجزيرة)

هل كان هذا كل شيء؟ يبدو أن الإجابة بالنفي، فانتخابات 2014 قد تكون على صوريتها أقرب إلى شكل الانتخابات مما تعد له السلطة في مصر هذا العام، فحتى حق الترشح ولو بشكل صوري لم يعد مكفولا، ناهيك عن حق المنافسة، فها هو شفيق الركن السابق لنظام مبارك والقائد السابق للقوات الجوية لم ينفعه أنه ابن المؤسسة المهيمنة، حيث لم تمر أيام على إعلان ترشحه من منفاه بالإمارات حتى عاد، أو أُعيد، إلى مصر ليختفي في نوع من الإقامة الجبرية ثم يخرج بإعلان مقتضب يقول فيه إنه اكتشف أن الأحوال في مصر قد تغيرت وأنه لم يعد الرجل المناسب لتولي السلطة.

ثم ألقى سامي عنان بحجر أكبر في مياه الترشح الراكدة، وكيف لا والرجل رئيس سابق للأركان ونائب لرئيس المجلس العسكري الذي حكم مصر لنحو عام بعد ثورة يناير، والبلد يتغنى عامته بفضل أصغر عسكري من "خير أجناد الأرض" فما بالك بمن كان القائد الفعلي لهذا الجيش؟

لكن يبدو أن استحضار التاريخ العسكري أو تغييبه يكون حسب هوى من في السلطة، فلم يكن عنان أفضل حالا من شفيق بل أسوأ، حيث تحول الرجل في غمضة عين من مرشح مخيف إلى مجرم معتقل يعتقد البعض أنه سيدفع ثمن تهوره وتصوره أن بإمكانه أن ينافس مرؤوسه السابق.

وللحظات بدا أن السباق سيعود إلى صورته في الانتخابات السابقة بأن يقتصر على السيسي في مواجهة مرشح مدني هو المحامي الحقوقي خالد علي الذي كان من رموز ثورة يناير، لكن روح الثورة تغلبت عند الرجل على ما يبدو فرفض في اللحظات الأخيرة أن يكرر تجربة صباحي ويصبح مجرد صورة يضفي شرعية على انتخابات هزلية.

ولأن باب الترشح سيغلق بعد أيام معدودات، فالسلطة تبدو مرتبكة بين إجراء انتخابات أقرب إلى استفتاء شكلي أو البحث على عجل عن اسم معروف يقبل أن يلعب دور مرشح صوري لعله يقي السلطة سياط نقد خارجي من قوى دولية حتى وإن ساندتها فإنها لا تحب أن تسير الأمور على هذا النحو الهزلي المحرج.

هل هي مفارقة أنه رغم مرور سبعة أعوام على ثورة يناير وحديث الكثيرين عن فشلها وانتهائها، فإن شبحها على الأقل يبقى كافيا ليصيب السلطة القديمة الجديدة بالخوف والارتباك والعجز إلا عن بطش مجنون بالخصوم والمعارضين؟

هي ثورة يناير إذن، خسرت جولات بالتأكيد، لكنها حتما لم تمت حسب ما يرى مؤيدوها.

المصدر : الجزيرة