القضاء الاستثنائي بمصر سلب للحريات وشرعنة للانتهاكات

قرار جديد يحرم معتقلين سياسيين من المثول أمام قاضيهم الطبيعي ومن حق التقاضي على درجتين والطعن بالنقض الصورة خاصة للجزيرة نت
النظام المصري أعاد محاكم الطوارئ للعمل بعد إلغائها عام 2012 (الجزيرة نت-أرشيف)
عبد الرحمن محمد-القاهرة
يشعر المصري حامد علي مثل كثير من أهالي المعتقلين بخوف شديد على شقيقه المعتقل محمد، إذ يواجه جبروت القضاء الاستثنائي، الذي ما فتئ يتمدد في مصر ويصدر الأحكام في قضايا المعارضين منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013.
 
ويقول حامد للجزيرة نت إن مستقبل أخيه "على المحك"، بعدما قررت السلطات إعادة "محاكم أمن الدولة طوارئ" إلى العمل، واختصتها بنطاق واسع من القضايا من بينها التظاهر.
 
ويضيف حامد أن شقيقه محمد اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في أحد شوارع محافظة الجيزة واختفى قسريا قرابة شهر، ثم وجهت له السلطات تهمة التظاهر بلا ترخيص والانتماء لجماعة محظورة، وهي تهم قد تكون عقوبتها شديدة القسوة من قبل تلك المحاكم الاستثنائية.
 
فقد أصدرت الحكومة المصرية في أكتوبر/تشرين الأول 2017 قرارا يعيد محاكم أمن الدولة طوارئ إلى العمل، بعدما كانت ألغيت في عام 2012 في ظل الحالة الثورية التي صنعتها ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
 
أحكام نهائية
ويتم تعيين أعضاء تلك المحاكم بقرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وتعد الأحكام الصادرة عنها نهائية بعد تصديق رئيس الجمهورية ولا يجوز الطعن عليها بأي طريقة.
 
وقالت الحكومة إنها أصدرت قرارها بناء على حالة الطوارئ المفروضة في مصر منذ أبريل/نيسان 2017، بدعوى الإسراع بالفصل في القضايا التي تنطوي على "إضرار بأمن الدولة الداخلي والخارجي"، وأوضحت أن هذه القضايا هي "التجمهر والتظاهر وتعطيل المواصلات والبلطجة والتموين والأسلحة والذخائر والاعتداء على أماكن العبادة والمواكب وتخريب المنشآت والإرهاب".
أهالي المعتقلين يخشون من أحكام قاسية على أبنائهم
أهالي المعتقلين يخشون من أحكام قاسية على أبنائهم

ورأى حقوقيون وسياسيون أن القرار يخالف الدستور الذي يحظر القضاء الاستثنائي ويكفل حق المتهم في المثول أمام قاضيه الطبيعي، واعتبروا أن النظام يهدف إلى تقليل درجات التقاضي وانتهاك حقوق المتهمين.

وقال المدير الإقليمي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان مصطفى عزب إن القرار يمثل "شرعنة لعمليات اعتقال سياسية، عبر تمريرها على قضاء مسيّس مفتقد للحياد، في ظل تصاعد موجات الانتقاد الحقوقية من المنظمات والدول للقضاء العسكري والذي اعتمد عليه النظام كليا في قمع معارضيه وإصدار أحكام مسيّسة بحقهم تصل إلى الإعدام".

المحاكم العسكرية
ويرى عزب أن الأوضاع الحقوقية متردية وسيئة على نحو لا يمكن تصوره حتى بعد إصدار مثل هذه القرارات، "فالمحاكم العسكرية ومحاكم الاٍرهاب لم تتوان عن العصف بحريات وحقوق المواطنين، وكان أداؤها قمعيا بصورة مفزعة".

وذهب إلى أن المواجهة الوحيدة لمثل هذا القرار متاحة عبر المسارات الإعلامية والحقوقية، في ظل انهيار كافة مؤسسات الدولة المصرية وتحولها إلى مؤسسات صورية تقوم بدور شكلي ليس له أثر في الرقابة على النظام أو محاسبته ومراجعة قراراته، حسب قوله.

ورأت الحقوقية والقيادية في جبهة الضمير نيفين ملك أن هذا القضاء يزيد رصيد النظام في تجاهل الحقوق الأساسية للمواطنين والميل إلى ممارسات ممنهجة ضد الحريات لإحكام القبضة الأمنية على المجال العام بدعوى محاربة الإرهاب.

وأشارت إلى أن استخدام مثل هذه المحاكم الاستثنائية المفتقدة لضمانات المحاكمات المدنية، يعد إخلالا جسيما بحقوق المصريين في ضمان محاكمات عادلة أقرها الدستور والقانون وصادقت عليها مصر ضمن البروتوكولات المكملة وقواعد القانون الدولي واتفاقياته الأساسية.

من جهة أخرى قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إن الدافع الأساسي للنظام وراء هذا القرار هو التعجيل بإصدار ما يريده من أحكام بحق معارضيه والتخلص منهم بأحكام إعدام أو أخرى قاسية، لما هو معلوم من انعدام مساحة الطعن على ما تصدره محاكم أمن الدولة من أحكام سواء بالاستئناف أو النقض.

وشدد على أن قضاء هذه المحاكم معيب دستوريا ويتنافى مع مبدأي التقاضي على درجتين والمساواة، مشيرا إلى أن المنظمات الحقوقية تنطلق في رفضها لهذا القرار من تلك العيوب، وترفض الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم لانتفاء كافة ضمانات المحاكمة العادلة.

المصدر : الجزيرة