ما دوافع دعوة السبسي للمساواة في الميراث؟

جدل في تونس حول دعوة السبسي للمساواة في الميراث/العاصمة تونس/آب/أغسطس 2017
دعوة السبسي للمساواة في الميراث تثير جدلا في الشارع التونسي (الجزيرة نت)

خميس بن بريك-تونس

أرجع مراقبون دعوة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لإعداد قانون يساوي في الميراث بين المرأة والرجل، إلى ضغوط سياسية وانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية؛ في حين اعتبر آخرون أن المبادرة تمليها حاجة مجتمعية ملحّة.

وأعلن السبسي خلال الاحتفال بعيد المرأة يوم 13 أغسطس/آب الجاري -والذي يتزامن مع إصدار مجلة الأحوال الشخصية عام 1956- عن تشكيل لجنة لمراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالميراث، بغية إعداد مشروع قانون حول المساواة في الإرث يتم عرضه على البرلمان لاحقا.

ويرى أمين عام حركة "وفاء" عبد الرؤوف العيادي أن "دعوة السبسي تقف وراءها ضغوط سياسية من قبل الاتحاد الأوروبي الذي ينحاز للقيم الكونية على حساب القيم الإسلامية"، معتبرا أن المبادرة تهدف إلى تنميط المجتمع لجعله "مجتمعا رخوا قابلا للتطويع".

إذعان للخارج
وبالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد وتدفعها إلى الاقتراض الخارجي، يقول العيادي للجزيرة نت إن هناك إذعانا من الرئيس التونسي لمطالب البرلمان الأوروبي بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية وإلغاء قوانين التمييز ضد المرأة، مثل تلك المتعلقة بالميراث.

‪عبد الرؤوف العيادي: السبسي أذعن لمطالب من الاتحاد الأوروبي بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية‬ (الجزيرة نت)
‪عبد الرؤوف العيادي: السبسي أذعن لمطالب من الاتحاد الأوروبي بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية‬ (الجزيرة نت)

ولم يستبعد العيادي كذلك إمكانية طرح الرئيس مبادرته للقيام "بدعاية انتخابية مبكرة"، لاستمالة الناخبات التونسيات والتصويت لفائدة حزبه "حركة نداء تونس" الذي يرأسه نجله حافظ قايد السبسي مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في 14 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وكان الرئيس التونسي فاز بأغلبية الأصوات أمام خصمه السياسي المنصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية سنة 2014، ويعود الفضل في صعوده إلى سدة الرئاسة إلى ترجيح كفته من قبل حوالي مليون امرأة، في ظل وعوده الانتخابية بتعزيز مكانة المرأة.

خلفية انتخابية
من جهته، لا يستبعد القيادي في حركة النهضة محمد القوماني وجود خلفية انتخابية وراء دعوة السبسي لتحقيق المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة بحكم قرب موعد الانتخابات البلدية، مضيفا للجزيرة نت أن السبسي حريص على "الوفاء لنخبة نسائية معينة دعمته في مسيرته السياسية".

ووفق القوماني فإن دوافع الرئيس السبسي من طرح المبادرة لا تقتصر فقط على كون تلك النخب النسائية ساهمت بقوة في وصوله إلى قصر قرطاج، وإنما أيضا بتأثره ببعض الشخصيات النسائية مثل مستشارته المحامية سعيدة قراش القيادية السابقة في جمعية النساء الديمقراطيات، وفق رأيه.

الجورشي: المبادرة تأتي في سياق ما بعد الثورة وما يشهده من زخم لدعم حقوق النساء (الجزيرة نت)
الجورشي: المبادرة تأتي في سياق ما بعد الثورة وما يشهده من زخم لدعم حقوق النساء (الجزيرة نت)

وتشكل الجمعيات النسائية التي ترفع شعار الدفاع عن الحداثة نوعا من "اللوبي الفكري" الذي يدفع بالرئيس التونسي لإعطاء مزيد من الدعم لحقوق النساء قبل اختتامه دورته الرئاسية سنة 2019. وكان السبسي أعلن سابقا عدم ترشحه لولاية ثانية إلا أن احتمال ترشحه يبقى قائما بحسب مراقبين.

حاجة مجتمعية
لكن صلاح الدين الجورشي عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة -التي تشكلت عقب إعلان مبادرة السبسي للشروع في مراجعة التشريعات المتعلقة بالميراث- يقول للجزيرة نت إن مبادرة السبسي "تتنزل في سياق ما بعد الثورة الذي يشهد ديناميكية ملموسة وهامة لدعم حقوق النساء".

وذكر أن مبادرة السبسي تتطلب جهودا كبيرة على المستوى التشريعي والمؤسساتي لصياغة مشروع قانون يعرض لاحقا على البرلمان للمصادقة عليه، بالإضافة إلى تهيئة الرأي العام من خلال نقاش واسع يفضي إلى اتفاقات مرضية تستجيب للتغيرات الحاصلة بالمجتمع.

ووفق الجورشي، فإن هناك "حاجة مجتمعية ملحّة" دفعت بالرئيس إلى إقرار المساواة لمزيد من تكريس حقوق المرأة وإزالة جميع أشكال الفوارق والتمييز، واعتبر أن الدافع وراء الدعوة لإقرار المساواة في الإرث "يكمن في حماية النساء ولا سيما في الأرياف من مخاطر انتزاع حقهن في الميراث".

من جانبها تقول رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات منية بن جميع -للجزيرة نت- إن دعوة الرئيس الباجي قايد السبسي تأتي تفعيلا لوعوده الانتخابية السابقة بتعزيز حقوق المرأة ومكانتها، معتبرة الدعوة لإقرار المساواة في الميراث "حاجة أساسية لضمان حقوق المرأة وحماية مكاسبها".

‪منية بن جميع: دعوة السبسي تفعيل لوعوده الانتخابية السابقة‬ (الجزيرة نت)
‪منية بن جميع: دعوة السبسي تفعيل لوعوده الانتخابية السابقة‬ (الجزيرة نت)

وتقول إن الدافع وراء مطالبة الرئيس بإيجاد الصيغ الكفيلة لإقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، "هو إلغاء كل القوانين الاجتماعية التمييزية بمجلة الأحوال الشخصية، التي تجرد في الكثير من الأحيان المرأة من حقها في الإرث وتعرضها إلى العنف والتهميش الاقتصادي".

وفي جميع الأحوال، فإن مبادرة الرئيس التونسي ليست الأولى من نوعها على الساحة السياسية، فقد دعا العام الماضي النائب مهدي بن غربية -وهو الوزير الحالي المكلف بالعلاقات مع الهيئات الدستورية- إلى إقرار مبدأ المساواة في الميراث، غير أن مبادرته فشلت.

المصدر : الجزيرة