سلفيو تونس وجدل العيش مع الديمقراطية

جبهة الاصلاح السلفي استفاد من انتهاء اشراف وزارة الداخلية على إسناد رخص الأحزاب بعد الثورة (الجزيرة نت)
undefined

مراد بن محمد-تونس

يثير منح حزب جبهة الإصلاح في تونس ذي المرجعية السلفية ترخيصا للعمل عددا من التساؤلات بشأن إمكانية أن يتعايش الحزب الجديد مع مستلزمات وقوانين وضوابط الديمقراطية وذلك بالنظر لخلفيته الفكرية والأيديولوجية. ففي الوقت الذي يقول فيه مؤسسو الحزب إنهم يؤمنون بالانتخابات كوسيلة للوصول إلى السلطة، يرى محللون أن هذا "الصنف من الأحزاب غير متحمس للديمقراطية".

وتحصل حزب جبهة الإصلاح على الترخيص بعد رفضه في ثلاث مناسبات سابقة، وقد استفاد من المرسوم 87 لسنة 2011 والذي أنهى دور وزارة الداخلية في إسناد الرخص لتعوضها الوزارة الأولى، ويسمح المرسوم الجديد للمتقدمين بالنص على مرجعية الحزب الدينية.

ويقول مؤسس الحزب محمد خوجة إن حزبه توفرت فيه كل الشروط و"نحن سعينا لاحترامها، ولكن احترمنا أيضا أن جبهة الإصلاح أساسها الإسلام ومرجعيتها في ذلك القرآن والسنة".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الحزب "لا يخجل من التنصيص على مرجعيته الإسلامية تماما، كما لا يخجل غيرنا في التصريح بمرجعية حزبه العلمانية" وأكد أن لحزبه توجها سلميا "وكل ما يحدث من ممارسات عنف الحزب لا يتبناها ويعتبرها فردية".

الإقناع
ويشدد خوجة على أن حزبه يعتمد قوة الإقناع كوسيلة وحيدة للتحدث للناس، قائلا "نحن لن نلزم أحدا بآرائنا بالقوة ومسارنا مسار سلمي ونحترم كل القناعات، مشيرا إلى أن التحدي الذي أمامهم هو تدريب الشباب على العمل السياسي والجمعياتي وفي كيفية التواصل مع الناس".

‪محمد خوجة: ملتزمون بالعمل السلمي‬ محمد خوجة: ملتزمون بالعمل السلمي (الجزيرة نت) 
‪محمد خوجة: ملتزمون بالعمل السلمي‬ محمد خوجة: ملتزمون بالعمل السلمي (الجزيرة نت) 

وأشار إلى أن جبهة الإصلاح تؤمن بالانتخابات وشاركت في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في إطار قائمات مستقلة، مبينا أن حزبه "يؤمن بالعمل السلمي وكل قانون لا يعارض الشريعة يحترمه وينساق له"، لافتا إلى أن من يريد الفصل بين السياسة والدين بدعوى المدنس والمقدس فقد وضع نفسه مباشرة في الممارسات اللاأخلاقية "ونحن منطلقنا في السياسة هو الأخلاق".

غير أن الأستاذ والباحث في علم الاجتماع بجامعة تونس المنصف وناس يقول للجزيرة نت "إن التيارات السلفية إجمالا تطرح إشكالا فكريا وقانونيا وسياسيا فقد أظهرت رفضا لكل ما هو ديمقراطي ومدني في الآن نفسه". وشكك وناس في حديثه للجزيرة نت بإمكانية أن تراجع هذه التيارات ما سماه انغلاقها الفكري والسياسي، وأن تقبل بفكرة التعايش على الرغم من الاختلاف.

استغلال
ويرى وناس أن هذه التيارات ستعمل على استغلال الحريات التي توفرها التجارب الديمقراطية من أجل تدعيم نفسها وضمان حق التعبير ولكن من دون أن تقدم في المقابل تنازلات في مجال مراجعة الأيديولوجيا والإيمان فعلا بجدوى الديمقراطية، واعتبر ذلك "من مفرقات الواقع السياسي العربي حيث أن السلفيات تستفيد من الديمقراطية لتدعيم حضورها من دون أن تؤمن بها".

ويقول خوجة إنه على قناعة تامة بأن المرحلة في تونس هي مرحلة بناء وإصلاح، وأكد أنه يرى الحلول موجودة في القرآن والسنة وعلينا استنباطها، موضحا أن من يربط السلفية ببعض الحوادث هدفه التضليل "لأننا نرفض هذا الأسلوب وحاولنا أن نقنع من كان معنا بأن الجهاد ليس فيه المفهوم الضيق وهو القتال، وحتى هذا فهو مسألة دولة وعلماء وليس اختيارا فرديا".

وناس: من المفارقات أن السلفية تستفيد من الديمقراطية لتدعيم حضورها دون أن تؤمن بها(الجزيرة نت)
وناس: من المفارقات أن السلفية تستفيد من الديمقراطية لتدعيم حضورها دون أن تؤمن بها(الجزيرة نت)

ورأى وناس أن "الخلل لا يكمن في العودة إلى القرآن والسنة فجميع التيارات تدعي ذلك ولكن المشكلة تكمن في أن أغلب هذه التيارات لا يتوفرون على تكوين ديني وعقدي وفقهي يمكنهم من الاجتهاد".

احتواء
من جهته ذكر الناشط الحقوقي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن هذه التجربة التي تخوضها السلطة من جهة والمجموعات السلفية من جهة أخرى تتمثل في مدى قدرة العمل القانوني والسياسي المتعارف عليه في إدماج هذه المجموعات في المشروع الانتقالي، مشبها هذا المسار بما كانت عليه حركة النهضة منذ سنوات طويلة تمارسه في محاولة لإقناع السلطة بالعمل القانوني.

ويرى الجورشي أن هؤلاء تونسيون ويجب العمل بكل الطرق على إدماجهم ومواجهتهم فكريا في نفس الوقت في محاولة لاحتوائهم أمنيا لضمان عدم مسهم بالأمن.

وقال للجزيرة نت إن التحدي الفعلي هو مدى تمكن المجموعات السلفية من استحضار شروط هذا الانتقال وبالتالي مدى استعدادها لمراجعة مقولاتها التي تصطدم مباشرة وبشكل جذري مع منطق ومؤسسات المنظومة الديمقراطية خاصة أن هذه المجموعة تجد نفسها معزولة إلى حد كبير ليس فقط على المستوى الوطني ولكن داخل الإطار السلفي نفسه.

المصدر : الجزيرة