أيام عاشوراء في المغرب.. أفراح وأكلات وطقوس

مهرجاء عاشوراء في المغرب
القفز فوق النار من عادات المغاربة في أيام عاشوراء (الجزيرة)

الرباط – تذوب أم وصال وسط الزحام بسوق شعبي في ضواحي الرباط، وتسأل بائع المكسرات عن ثمنها ثم تلتقط حبات منها وتتذوقها قبل أن تطلب منه كيل القليل من كل نوع، إذ لم يمنع تزامن عاشوراء مع بدء الدوام المدرسي -وما يتطلبه من مصاريف- أم وصال من إحياء العادات المرتبطة بعاشوراء.

تقول أم وصال للجزيرة نت إنها ورثت تلك العادات عن أسرتها، وإن والدها ما زال يجمع أبناءه وأحفاده حوله يوم عاشوراء ويوزع على كل فرد حصته من "الفاكية" (وهي خليط من الفواكه الجافة أو المكسرات من لوز وجوز وفول سوداني وحمص)، ويتناولون سويا أطباق خاصة.

فرح وفرجة
عاشوراء عند المغاربة أيام فرح ولعب وفرجة، تتميز بعادات وطقوس متنوعة لا نظير لها في باقي الدول الإسلامية. وتبدأ الاحتفالات مع دخول شهر محرم وتنتهي في العاشر منه، حيث تمتلئ الأسواق الشعبية والمحلات التجارية الكبرى بلوازم الاحتفال بهذه المناسبة.

حركية تجارية كبيرة في الأسواق خلال أيام عاشوراء بالمغرب(الجزيرة)
حركية تجارية كبيرة في الأسواق خلال أيام عاشوراء بالمغرب(الجزيرة)

وتحرص الأسر المغربية على إدخال السرور على أبنائها بشراء الألعاب والدفوف و"الطعريجة" (آلة إيقاع شعبية تصنف ضمن التراث الموسيقي المغربي وتصنع من الطين والجلد وتزين بألوان مختلفة).

ويضرم الأطفال والشباب في اليوم التاسع من محرم نارا في الأحياء تسمى "شعالة"، ويقفزون فوقها بفرح عارم غير عابئين بالمخاطر، رغم محاولات السلطات منع هذه الممارسة بسبب الحوادث الناتجة عنها.

وتصل الاحتفالات ذروتها في العاشر من محرم الذي يسمى "يوم زمزم"، وفيه يتراشق الناس بالماء البارد وتتحول الأحياء الشعبية إلى ساحة معركة، يلاحق فيها الأصدقاء والجيران بعضهم بعضا لرشهم بالماء، في حين يرش القرويون في البوادي الماء على ماشيتهم ومحاصيلهم طلبا للبركة والوفرة.

وينتهي هذا اليوم بوجبة كسكس يطبخ مع لحم القديد أو "الذيالة"، أي ذيل الخروف الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى خصيصا لتناوله في عاشوراء.

أهازيج خاصة
تجتمع النساء في هذه الأيام في حفل يسمى "القديدة"، وهو احتفال ينظم على شرف امرأة لم ترزق بأطفال، وتساهم فيه كل امرأة بقطعة لحم مقدد، فيجتمعن في أحد البيوت ويطبخن وجبة الكسكس بالخضر والقديد.

تقول الحاجة فاطمة وهي إحدى المشاركات في الحفل إن "النساء المشاركات في الحفل يقلبن "القصعة" (الإناء الذي يقدم فيه الكسكس) بعد الانتهاء من تناول الطعام، ويسكبن فوقها الماء ويعتقدن أنه إذا سار في اتجاه المرأة العاقر فإنها موعودة في القريب بإنجاب طفل، وأن حلمها لن يتحقق إذا سار الماء في اتجاه آخر، وما عليها عندئذ سوى تكرار العملية في عاشوراء الموالي".

وتضيف أن الجارات يقضين تلك الأمسية في الغناء والضرب على الدفوف والطعاريج وترديد أهازيج خاصة بالمناسبة، من بينها: " قديدة قديدة منشورة على الأعواد .. بابا عيشور جا يصلي وداه الواد" و "حق بابا عيشور ما علينا الحكام ألالة .. عيد الميلود كايحكموا الرجال".

مكسرات وأكلات متنوعة في أيام عاشوراء بالمغرب(الجزيرة)
مكسرات وأكلات متنوعة في أيام عاشوراء بالمغرب(الجزيرة)

ويؤثث "بابا عيشور" -وهو شخصية أسطورية ذات حضور قوي في الذاكرة الشعبية المغربية- مهرجان عاشوراء، ويطرق الأطفال على الأبواب ويطلبون الهدايا التي قد تكون عبارة عن مال أو فاكية أو حلوى.

ويحرص المغاربة بالإضافة إلى هذه الطقوس على صيام اليومين التاسع والعاشر من محرم، اتباعا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم، أما التجار والفلاحون فإن عاشوراء مناسبة لإخراج زكاة المال ويسمونها "العشور" (بتسكين العين).

جذور قديمة
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور علي الشعباني إن عاشوراء بالمغرب يتميز بتداخل ممارسات وطقوس بعضها مستوحى من الثقافة الدينية وبعضها من الذاكرة الشعبية الموروثة عن الأسلاف.

ويقول في حديث للجزيرة نت إن إدخال السرور على الأطفال وتبادل الزيارات والصيام هي جزء من المعتقدات الإسلامية وعمل بوصية الرسول للابتهاج بنجاة موسى عليه السلام وانتصاره على فرعون.

أما جذور بعض الطقوس الأخرى مثل إشعال النار والرش بالماء وغيرها فتعود -وفقه- إلى تاريخ المغرب القديم، حيث خلفت الحضارات المتعاقبة عليه مظاهر وطقوسا احتفالية ظل الناس متأثرين بها وحافظوا عليها بعد اعتناقهم الإسلام.

ويشير الشعباني إلى أن إطلاق المغاربة اسم "زمزم" على الماء الذي يتراشقون به يوم عاشوراء يحيل على رمزية هذا الماء المقدس وما يحمله من بركة وخير وقدرة على الشفاء، أما القفز فوق النار فبهدف الحماية من الشر والعين والسحر.

المصدر : الجزيرة