بالفيديو.. عبد الفتاح الحر لحام الأواني القديمة وصديق فقراء المغرب
عبد الغني بلوط-مراكش
طنين المطرقة الصغيرة ووقع اللاحم التقليدي على الإبريق (البراد كما يسميه المغاربة) بين يديه تتردد مسامعه مثل موسيقى ساحرة -كما يقول هذا اللحام في تصريح للجزيرة نت- كان تعود عليها طيلة أكثر من أربعة عقود.
ويستمر في حرفة تقليدية تتطلب الكثير من المهارة في الأنامل والشغف في القلب، ويمثل سكان الأحياء الفقيرة ممن لا يجدون بدا من إصلاح أوانيهم بعدما تلحق بها بعض الأضرار أغلب زبائنه.
ثقة واحترام
حين تتحدث إلى سكان الحي القريب من ساحة جامع الفنا العتيقة، تكتشف أن الحر يحظى بثقة الجميع واحترامهم ويعتبرون أنفسهم محظوظين بوجوده قربهم في حين يقطع آخرون مسافات مختلفة من أجل الوصول إلى دكان.
وتقول إحدى زبائن المحل خديجة السالك "يستقبلك الحر دائما بابتسامة ويقبل كل ما تعطيه من نقود مقابل عمله دون أن يعدها ثم يودعك بعبارته الشهيرة "الله يخلف".
وتضيف "لا أحد يحب فراق ممتلكاته التي ألفها.. أشعر بذلك وأنا أودع ماعونا مكسرا في سلة المهملات وأفرح كثيرا حين تجد شخصا مثل الحر يقوم بكل ما يلزم من أجل أن يعيد لكل آنية بريقها ومكانتها وسط حياتنا اليومية".
وتقاوم صنعة اللحام التقليدي السلع المستوردة الرخيصة، ويقول أحد قدماء الصناع التقليدين بالمدينة العتيقة عبد القادر الصمدي -في حديث للجزيرة- إن جميع الأواني من أي براد وصينية جزء من ذاكرة العائلة المراكشية لما تراكمت عليها من ذكريات وجودة وإخلاص في الصنع.
كفاف
تدر المهنة على الحر دراهم معدودة في اليوم تكفيه لحاجيات يومه وعائلته، لكنه ما زال متشبثا بها، فهو مولع بكل ما هو قديم ويستمتع بإعادة الروح لكل آنية بعدما تكون قد أهملت في ركن مهمش من منازل المدينة.
وعادة ما يسأل الحر عن عمر كل آنية، ويدفع ابنه الصغير إلى أخذ صور لها وتوثيقها ويرى أنه سيكون لها جدوى في يوم ما لباحث في التراث أو مهتم بنقوش الصناعة التقليدية.
ويشرح بابتسامة مشرقة لا تفارق محياه "ما أراه من نقوش قديمة على الأواني يمتع القلب وما أشعر به حين تعود آنية مهملة للاستعمال من جديد يجعلني متشبثا بهذه الحرفة المهددة بالانقراض".
ذاكرة
قد يتساءل زائر لدكان الحر عن غياب النظام في المكان وتبعثرها في كل مكان داخل المحل، غير أن صديقه حسن يقول إن الحر يعتمد على ذاكرة قوية ويتذكر مكان وجود كل آنية يستقبلها وإن طالت مدتها في دكانه.
ويحكي كيف أن رجلا يعمل عسكريا وضع عنده برادا يعتبر تحفة بالنسبة للحرفيين ثم انتقل للعمل في مدينة أخرى، لكنه ظل مع ذلك محتفظا به رغم مرور أكثر من خمس سنوات على استلامه.
وتعلم الحر القادم من إقليم الرحامنة بضواحي المدينة المهنة عن أخيه الذي ورثها بدوره عن الحاج أحمد أحد أمهر الصناع التقليديين فيما، ويأمل أن تنتقل إلى جيل جديد.
صعوبات
يجد الحر صعوبة في أن يقنع شابا -ولو كان عاطلا عن العمل- في تعلم هذه الصنعة لكنه يحرص أن يقضي ابنه ساعات فراغه بعد المدرسة وأيام العطل في الدكان قريبا منه لمراقبته.
ويقول الابن عزيز إنه يستمتع بعمل أبيه، ويشرح الأب متفائلا "حرفة في اليد خير من لا شيء وتذوق الجمال وتثمين الأشياء القديمة في الصغر ينفع في الكبر ويعلم حسن التدبير وإعطاء الأشياء قيمتها الحقيقية.. أحث ولدي على التفوق في دراسته ولكنني أدعوه في الوقت نفسه إلى مراقبة ما أقوم به من عمل للاستفادة منه".