الحرب الروسية "تجتاح" المائدة الرمضانية في غزة

سبب الغلاء الفاحش هو اعتماد قطاع غزة بنحو 70% من احتياجاته على السلع والبضائع المستوردة من الخارج، ومن أبرزها الدقيق والزيوت التي مصدرها روسيا وأوكرانيا، حسب ما يقول الصحفي الاقتصادي حامد جاد

موجة الغلاء نالت من كل السلع والبضائع وعمقت من أزمات مليوني فلسطيني في غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
موجة الغلاء نالت من كل السلع والبضائع وعمقت من أزمات مليوني فلسطيني في غزة (الجزيرة)

غزة- تخلى محمود المصري عن عادة سنوية يواظب عليها منذ سنوات طويلة، قبيل حلول شهر رمضان المبارك، بسبب ضغط ما وصفه بـ"الارتفاع الفاحش" لأسعار اللحوم والدواجن وكافة السلع والمواد التموينية.

ولم تسعف الحالة الاقتصادية للمصري بتزويد منزله بمتطلبات "المائدة الرمضانية" خلال الشهر الكريم، الذي تزيد فيه مصروفات الأسرة في غزة.

والمصري ليس حالة استثنائية من بين مليوني فلسطيني في غزة، تعجز الغالبية منهم عن مواجهة موجة الغلاء الهائلة، التي استشرت عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

يتوقع انخفاض محوظ في صناعة الحلويات الرمضانية بسبب ارتفاع أسعار مكوناتها-رائد موسى-الجزيرة نت
انخفاض ملحوظ في صناعة الحلويات الرمضانية بسبب ارتفاع أسعار مكوناتها (الجزيرة)

الحرب وطقوس رمضان

وفي مثل هذه الأوقات سنويا، ومع قدوم شهر رمضان، تعج الأسواق في غزة بالمتسوقين، للتزود بسلع ومواد تموينية يزيد استهلاكها خلال شهر الصيام، كاللحوم والدواجن، ومتطلبات صنع الحلويات.

ويقول المصري للجزيرة نت إن "الغلاء الحالي أشد من قدرة الناس على مواجهته والتغلب عليه، ويظهر ذلك من ضعف الإقبال على السلع والمواد، التي يزيد الطلب عليها في أيام الشهر الكريم".

ويدلل المصري على سوء الواقع الحالي بأن جائحة كورونا خلال العامين الماضيين -وما تسببت فيه من إجراءات طوارئ أثرت على سوق العمل- لم تمنعه من التزود بمتطلبات شهر رمضان، كما هو الحال هذا العام.

ويعمل المصري في قطاع البناء، ويتقاضى أجرة يومية 50 شيكلا (حوالي 15 دولارا)، ويقول إنه يخشى أن يفقد عمله في أي لحظة، جراء التأثير الحاد لارتفاع أسعار مواد البناء على مشاريع البناء والإنشاءات.

واتفق المصري مع زوجته على -ما يمكن اعتبارها- "خطة تقشف" لن تكون بموجبها "المائدة الرمضانية" كما كانت عليه في سنوات سابقة، تتزاحم عليها الأطباق بأصناف مختلفة من الطعام والمقبلات، وقال: "لا نعلم إلى متى تستمر هذه الأزمة، وفي غزة اعتدنا على توقع الأسوأ".

ويعيل المصري أسرة مكونة من 6 أفراد، ويقول إن مصاريف أسرته في شهر رمضان ترتفع إلى نحو ضعف المصاريف في غيره من شهور السنة، غير أن رمضان الحالي سيكون مختلفا؛ فالارتفاع الجنوني في الأسعار سيجبر غالبية الناس على تغيير عاداتها، أو التنازل عنها ولو مؤقتا.

يعتمد 80_ من سكان غزة في غذائهم على الدواجن واللحوم المجمدة-رائد موسى-الجزيرة نت
يعتمد 80% من سكان غزة في غذائهم على الدواجن واللحوم المجمدة (الجزيرة)

ولائم رمضان

ومن غير سابق علاقة بينهما، يتفق أبو نائل مع المصري، ويقول -للجزيرة نت- إن "موجة الغلاء الحالية سحقت عادات حياتية، وستؤثر كذلك في طقوس اعتاد الناس عليها خلال شهر رمضان، وأبرزها التنوع في أصناف الطعام والشراب والحلويات الرمضانية، وكذلك العزائم والولائم".

أبو نائل، موظف حكومي لا يتقاضى وموظفي قطاع غزة رواتبهم الشهرية كاملة منذ نحو 4 سنوات، ويقول: "جاءت موجة الغلاء الحالية لتزيد الطين بلة".

ويتقاضى أبو نائل، الذي فضل الاكتفاء بكنيته من دون ذكر اسمه كاملا، راتبا شهريا يقدر بنحو ألفي شيكل (حوالي 617 دولارا) منذ أن فرضت السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية ضد غزة عام 2018، ويقول إن راتبه يفي بالكاد بالاحتياجات الأساسية لأسرته المكونة من 5 أفراد.

يعاني سكان غزة من ضعف القدرة الشرائية وزادت معاناتهم مع تداعيات الحرب الروسية وارتفاع الاسعار-رائد موسى-الجزيرة نت
سكان غزة يعانون ضعف القدرة الشرائية وزادت معاناتهم مع تداعيات الحرب الروسية وارتفاع الأسعار (الجزيرة)

ولسنوات، اعتاد أبو نائل في مثل هذه الأيام على دعوة والديه، وشقيقاته مع أسرهن، على مأدبة طعام، قوامها "المنسف مع اللحم"، ابتهاجا بحلول شهر رمضان، غير أنه اضطر هذا العام إلى استبدال لحم العجل بلحم الحبش الأقل سعرا، وقال: "كان خياري الأول شراء الدجاج بدلا من اللحم، فوجدت سعره مرتفعا، فلجأت إلى الحبش".

أبو نائل والمصري يتفقان أيضا على أن دعوات الإفطار، التي يتبادلها الأصدقاء والأقارب، وتميز شهر رمضان، ستتراجع على نحو لافت، إذا استمرت موجة الغلاء في هذا الارتفاع غير المعتاد.

أجبرت موجة الغلاء الغزيين على تقنين احتياجاتهم ومصروفاتهم-رائد موسى-الجزيرة نت
موجة الغلاء أجبرت الغزيين على تقنين احتياجاتهم ومصروفاتهم (الجزيرة)

اقتصاد رمضاني

ويشكو بلال نصار، وهو صاحب متجر لبيع المستلزمات المنزلية والمواد التموينية، من تراجع حاد في إقبال الناس على التسوق -كما جرت العادة- استعدادا لاستقبال شهر رمضان.

ووصف الأسعار بأنها "منفرة"، وقال للجزيرة نت إنه لاحظ عزوفا من الزبائن عن الشراء، والاكتفاء بالاحتياجات الأساسية، في حين عمد آخرون إلى تخفيض كميات السلع والمواد عن تلك التي اعتادوا على شرائها.

وأضاف أن ارتفاع الأسعار نال من كل شيء، لكن الأثر الأكبر على الناس كان ارتفاع أسعار المواد الأساسية، خصوصا في مثل هذا الوقت، الذي نعيش فيه الأيام الأولى من شهر رمضان، التي يزيد فيها الإقبال على اللحوم والدواجن، والأرز، والمعلبات، ومكونات تدخل في صنع الحلويات.

ويفسر محرر الصفحة الاقتصادية في صحيفة "الأيام" المحلية حامد جاد -للجزيرة نت- هذا الغلاء، باعتماد قطاع غزة بنحو 70% من احتياجاته على السلع والبضائع المستوردة من الخارج، وأبرزها الدقيق والزيوت التي مصدرها روسيا وأوكرانيا.

وقال الصحفي الاقتصادي إن غالبية الأسر في غزة تعاني من ضعف القدرة الشرائية بالأساس، وجاءت الحرب الروسية على أوكرانيا، لتزيد من الواقع المعيشي تدهورا.

ويلقي هذا "الغلاء الفاحش" -برأي جاد- بآثاره الثقيلة والسلبية على حياة الغزيين خلال شهر رمضان، ويضطرهم إلى تغيير أنماط حياتهم وتقنين مشترياتهم إلى الحد الأدنى، وربما إلى ما دون الحد الأدنى، لمواجهة الغلاء المتسارع.

تراجع حاد في إقبال الغزيين على التزود باحتياجات شهر رمضان-رائد موسى-الجزيرة نت
تراجع حاد في إقبال الغزيين على التزود باحتياجات شهر رمضان (الجزيرة)

وقال إن التداعيات الخطيرة لموجة الغلاء الحالية تظهر بوضوح في تراجع الإقبال على اللحوم الحمراء والدواجن، وتحول الناس إلى بدائل أخرى، وأكثرها استهلاكا من قبل الفئات الهشة هي اللحوم والدواجن المجمدة، لانخفاض سعرها مقابل الطازجة.

وبحسب بيانات رسمية في غزة، فإن 20% فقط من سكان القطاع الساحلي الصغير (حوالي مليوني نسمة) يعتمدون في غذائهم على اللحوم الحمراء الطازجة، فيما 80% يعتمدون على الدواجن واللحوم المجمدة.

وأوضح جاد أن هذه النسب كانت قبل اندلاع الحرب الروسية، وقد اختلفت حاليا مع اضطرار كثيرين سواء إلى تقنين مصروفاتهم، أو الامتناع عن تناول منتجات ليس بمقدورهم شرائها.

المصدر : الجزيرة